هل يمكن لإحدى أفكارك أن تنمو وتحصل على وعي مستقل بحيث تكون كائنًا منفصلاً عنك، عينًا تراقبك، تلح عليك، تتتبع مواطن ضعفك لتضغط عليك عند الحاجة، أو ربما تغريك أيضًا عند الحاجة؟
راقبت إحدى الأفكار يومًا تنمو فوق رأس أحدهم، كانت بخارًا أو دخانًا في البداية، شيئًا لا يمكن لمسه وبالكاد تمكن رؤيته، كانت تتجمع وتتكثف ثم تنمو وتتمدد، بينما يتحرك الرأس المسكين أسفلها بشكل لا يدع مجالاً للاشتباه. هادئ عاقل متماسك، وكانت تلك الفكرة تتضخم أمام عيني وحدي، رأيت كيف نمت لها عينان وديعتان في البداية، لم تبرحا أن حصلتا على نظرات غاية في الخبث، ثم هذا الفم الذي تتعالى منه ضحكات لئيمة، كنت على يقين من أن رأس صاحبنا تحت وطأة هذا الوحش الوليد لن يطول وقارها..
لكن لماذا أنا وحدي من أراه (هذا الوحش) وماذا علي أن أفعل؟ هل أحاول المساعدة؟ هل أصرخ معلنة عن وجود وحش فوق رأس أحدهم، ربما أنادي: وحش! وحش! أو ربما كان أفضل لو صحت: لص!
بالتأكيد سيرونني مجنونة.
قررت أن أخفض ناظري بحيث أنظر مباشرة إلى الرأس، أن أقتطع هذا الوحش من مجال رؤيتي حتى يتسنى لي الاقتراب، وبدء محادثة مستطلعة.
بدى كل شيء لديه على ما يرام، وتلك البسمة المتحفظة التي تصاحب عباراته من حين لآخر، حديث مثالي للغاية، بالتأكيد لا يتعرض هذا الشخص للأذى!
وبينما أبتعد كانت عيناي تصعدان لأعلى، كنت أرى بوضوح كائنًا بشعًا يتعمد إخافتي.
ابتعدت مسرعة، كان علي أن أتناسى الأمر، لكنه علق بذهني: هذا الرأس المُمتطَى من قبل وحش، والذي لا يعرف أحد غيري كم هو مسكين. ثم فجأة ارتجلت معنى ركيكًا للحياة، نهضت مسرعة وقررت استلال سيفي وإنقاذ العالم أو بالأحرى إنقاذ ذاك الرأس، لا يهم أبدًا إن كنت لا أملك سيفًا، كفاني ثوب البطولة الذي اكتسيت به وهذا المعنى المعتل للحياة.
خرجت مسرعة من مساحتي أطلق ساقي وناظري في كل اتجاه، كنت أنظر عاليًا فوق الرؤوس أبحث عن وحش، "من السهل إيجاد وحش بينما يصعب العثور على رأس بين عدد غفير من الرؤوس" قال سيفي، ووافقته الرأي.
كان عرقي يتصبب وساقاي ترتجفان بينما أتشبث بسيفي الذي خلته سيتخلى عني في كل لحظة، كدت أسمح لمعناي المسكين بالإغفاء لعدة سنين حين رأيت وحشًا يركض من بعيد، يتجه نحوي!
كان علي أن أقنع يدي بالكف عن الاهتزار وأن أسكت طبول قلبي، لن أستسلم الآن!
كنت أستل سيفي حين تباطأ اقتراب الوحش وسمعت صوتًا يخاطبني، قال الرأس إنه جاء ينقذني من شيء ما فوق رأسي!
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية