قصة قصيرة بعنوان ( البعد الرابع ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة قصيرة بعنوان ( البعد الرابع )

  نشر في 13 أبريل 2016 .

البعد الرابع

للكاتب فريد أبوسرايا


يسألني الناس ، " هل تستطيع أن ترينا البعد الرابع ؟ "

فأجيب قائلاً ، " هل تستطيعوا أن تروني الأول ، والثاني ، والثالث "




عند الساعة الرابعة من صباح اليوم الرابع من الشهر الرابع من السنة الرابعة لإنشاء البلدة علا صراخ طفل مؤذنا بميلاد شئ جديد ، وعند هذا الوقت بالضبط خرج طائر الكوكو من كوة بأعلى برج الساعة ، ولكنه لم ينبس ببنت منقار كما أعتاد على ذلك عند رأس كل ساعة . ظل الكوكو صامتاً طيلة فترة خروجه ، ثم تراجع منسحباً إلى داخل البرج . أندهش أهل البلدة من مسلك طائر الكوكو هذا غير الاعتيادي ، ثم تملكهم شعور غريب بالرهبة ، وتوجسوا خيفة من هذه العلامة الغريبة .

طفقت نساء البلدة يتحدثن عن سكوت طائر الكوكو ، ويتسألن هل هناك ارتباط بين سكوت طائر الكوكو والمولود الذي سقط برأسه في بلدتهن أثناء خروج الكوكو من برج الساعة .

لم يكن سكوت طائر الكوكو ، وتزامن ميلاد القادم الجديد مع العدد أربعة هما العلامتان الوحيدتان اللتان تستوقفان الفكر ، وتقرران أن حدثاً استثنائياً له علاقة بهذا القادم الجديد قد وقع ، بل بمجرد مجيء هذا المولود إلى الدنيا، خرجت أمه منها . أطلق عليه اسم الرابع لتوافق تاريخ ميلاده مع العدد أربعة ، كما أن اسم الرابع هو صفة لشئ يتجانس مع أسماء الذكور والإناث في البلدة وأحياناً يتطابق معها . حمل الكثير من ذكور البلدة أسماء من قبيل : وقت ، وزمن، وزمان ، وعصر ، ودهر ، وأبد ، وسرمد ، وأزل ، وماضي ، وحاضر ، ومستقبل ، بينما تسمت الإناث بأسماء من قبيل : برهة ، وفترة ، وحقبة ، وساعة ، وسويعة ، وثانية ، ودقيقة .

نما الرابع وترعرع ، وشب عن الطوق ، وبدأت فتيات البلدة يتوددن إليه ويخطبن وده ، ولكنه أعرض عنهن جميعاً ، وصد جميع محاولاتهن لأنه كان يرى نفسه أعلى مقاماً ، وأكبر قدرا من أي واحدة منهنً . بسبب نرجسيته المفرطة ، أعتقد أنه أفضل من جميع حقب البلدة ، وفتراتها ، وبرهاتها ، وسنواتها وثوانيها ودقائقها . بمرور الوقت صار له أصدقاء لا يكاد يفارقهم ، فقد أنعقدت أواصر الصداقة بينه وبين ثلاثة من فتيان البلدة، وهم : ماضي ، وحاضر ، ومستقبل .، وكان راضياً مغتبطاً برفقتهم ، وكانوا عندما يقضون وقتهم في التنزه في المروج الخضراء المحيطة بالبلدة ، ينصرفون إلى المصارعة فوق الأعشاب والزهور : مرة يصارعه ماضي ، ومرة يصارعه حاضر ، ومرة أخرى يتصارع مع مستقبل ، ومن العجيب أن تصارعه معهم لم يكن يشعره بأي نوع من التعب ، بل كان يتعجب من النشاط والحيوية اللتان تنبعثان في نفسه من جراء جولات المصارعة تلك .

أراد الرابع أن يتزعم هذه العصبة ، وتكون يده هي العليا فوق أيدي أصدقائه الثلاثة ، ويبسط سيطرة كاملة عليهم جميعا ، ولهذا فقد وضع نصب عينيه معرفة الحلقة الأضعف والحلقة الأقوى لهذا الثالوث فلجأ إلى المصارعة لتقرير ذلك ، ولكن بدلاً من أن يتصارع معهم ، تركهم يتصارعون مع بعضهم البعض ، وصار يراقبهم ويلاحظ بدقة نتائج تلك الجولات .

بعد 1984 جولة مصارعة بين ماضي وحاضر ومستقبل ، عرف الرابع موازين القوى التي تحكم أصدقائه الثلاثة، وأدرك أنه طالما أن حاضر أقوى من ماضي ، وماضي أقوى من مستقبل ، فلابد أن يكون مستقبل أقوى من حاضر وبالضرورة يتحكم به إذا أراد ذلك . عرف الرابع أن الحلقة الأقوى هي حاضر ، وعلم علم اليقين أنه إذا أراد أن يسيطر على أصدقائه الثلاثة : ماضي ، وحاضر ، ومستقبل ، فما عليه سوى أن يتحكم في حاضر ويترك الباقي له .

لم يكن الرابع يعرف له أبا ، فقد قيل له أن أباه قد رحل عن البلدة قبل أن يولد ، وذات يوم من الأيام ، بعد سنين طويلة ، قدم على البلدة ثلاثة رجال ، وأدعى كل منهم أنه أبٌ للرابع ، وكانت أسماءهم : أبد ، وأزل ، وسرمد. لم يستطع حكماء البلدة وشيوخها البت في هذا الأنر ، وحسم هذا النزاع ، على الرغم من تأييد ماضي لأزل فيما أدعاه ، ووقوف مستقبل مع أبد وتأكيده على ما يقول . أستمر هذا النزاع لفترة طويلة من الزمن ، وذات ليلة من الليالي رأى الرابع فيما يراه النائم ، أمه تقول له أن سرمد هو أباه الحقيقي ، ومن أدرى بأب الابن من أمه ، وكانت هذه الرؤيا هي فصل الخطاب في هذا النزاع ، فقطعت جهيزة قول كل خطيب ، كما يقول المثل .

بعد أربع سنوات ، وأربعة أشهر ، وأربعة أيام من لقاء الرابع بأبيه سرمد ، لاح في سماء البلدة قرصٌ أسود ضخم ، يبدو من بعيد كالنجم ، ولكنه نجم يشع ظلمة . وبالضبط في الثانية الرابعة ، من الدقيقة الرابعة ، من الساعة الرابعة من ذلك اليوم المشهود ، أخذ لون الرابع يبهت ، وتميع جسمه حتى صار أشبه بشبح من الأشباح ، وتحول بالكامل إلى شريط من دخان أو سديم ، وبدأ يتسامى إلى السماء بإتجاه القرص الأسود . أبتعد الرابع عن الأرض ، فأضحى بعيداً عنها ، وهكذا صار له بعد . في هذه اللحظة بالتحديد ، خرج طائر الكوكو من كوته ببرج الساعة على غير عادته في الخروج عند رأس كل ساعة ، وأخذ يتلفت يميناً وشمالاً وكأنه يبحث عن شئ ما ، ثم تجمد في موقفه ملتفتاً نحو الشمال ، ولم يرتد الشريط الحامل له إلى داخل البرج ، وظلت الكوة مفتوحة . حدث كل هذا وسط صمت مخيف لف البلدة بكاملها .

غادر الرابع البلدة ، فصار للأشياء ثلاثة أبعاد فقط وتوقفت الحركة بالكامل ، ولم يكن هذا الموقف من قبيل الوقوف دقيقة صمت احتراماً وحزناً على فراق الأعزاء والأحباب ، بل كان من قبيل إنعدام السبب ، فانعدم المسبب .




   نشر في 13 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا