علاقة الإنسان بالكلمات علاقة خطيرة جدا فكلما زادت عدد الكلمات المختزنة في عقل الإنسان كلما توسعت معرفته و قدرته على التفكير و الخيال و التعبير و الربط بين الموجودات و الأفكار لاستخلاص و استنتاج الجديد..فبازدياد عدد الكلمات تنمو خلايا عصبية ( عصبون ) Neurons جديدة و تتوسع شبكة خلايا الدماغ، فيزداد الذكاء و التفكير مما يفضي إلى الإنتاج الحضاري..
ليس غريبا إذن أن يكون أول ما نزل في الإنجيل " في البدء كانت الكلمة " و في القرآن { إقرأ } و { نون و القلم و ما يسطرون }
و {علم آدم الأسماء كلها }...
من هنا تبدأ الحضارة .. و هكذا يبدأ الإنتاج .. هنا يبدأ سر خلق آدم و ذريته و تفضيله على سائر المخلوقات ...
لذلك فإن ازدواجية اللغة تعتبر من أهم عوائق تطور التفكير السليم في بداية التعلم لأنها تحول دون تكوّن شبكة الخلايا اللازمة للتفكير السليم ... فازدواجية اللغة بين عربي ـ فرنسي في المغرب مثلا أمر خطير على الشعب، فكيف إذا تحدثنا عن ثلاثية اللغة بين عربي ـ دارجة ـ فرنسي ... هنا يستحيل الوصول إلى تفكير جماعي سليم أو تفاهم ..
التفكير السليم الذي يخلق الوعي الجماعي و التلاحم الإجتماعي ينتج عن وحدة اللغة التي تزيد من قوة وحدة الثقافة و وحدة التاريخ و المصير المشترك للشعوب...من المفيد بل الضروري تعلم لغات أخرى، و لكن ذلك موضوع آخر ...يقوم به أهل الإختصاص .. أما وحدة اللغة الذي أتحدّث عنه فهي مسألة أمن اجتماعي ..
اللغة الواحدة المتداولة تخلق هذا التوحد كله ... أما اللهجات و اللغات المتداخلة و الدارجات .. فهي تخلق التمزق و التمايز و الإختلاف الثقافي و التاريخي و الإنتمائي .. فينتج عنها مجتمعا مفككا بل مجتمعات داخل مجتمع !
هذا العائق اللغوي هو المسئول الأول عن الشلل و الإعاقة التي تعاني منها شعوب العالم العربي خصوصا في شمال إفريقيا...
العقل البشري مثل أي عضلة يقوى بالتمرين و يهزل بالإهمال.. فإذا كان العقل المغربي يعاني من ازدواجية بل ثلاثية اللغة، ثم يضاف إلى هذا الخلل الخطير خطأ آخر و هو عدم القراءة، فكيف له أن يكون عقلا .. أو أن يكون مواطنا .. أو أن يكون إنسانا ... أو أن يحسّ بالإنتماء ... لقد بلغ شأنا كبيرا في الغباء و الجمود و العجز عن التفكير و فقدان الهوية و الإنسلاخ منها .. و هذا هو السبب في أن النخب الفرنكفونية الحاكمة لا علاقة لها بالشعوب و لا بالتاريخ و لا بالجغرافيا و هي إلى المستعمِر أقرب لغة و ثقافة .. فضعوا أيديكم على هذا الجرح .. و ما لم تتم معالجة هذا الخلل الكبير فلا نهضة و لا تقدم و لا استقلال..
إن عقلنا يعاني من خلل كبير وجب تظافر الجهود لإصلاحه ..
-
عليأستاذ لغات، أتحدث الإنجليزي و الإسباني، لدي اهتمامات فلسفية و فكرية ..
التعليقات
بداية موفقة و في إنتظار كتاباتك القادمة .
لدي تساؤل : ما المقصود بـ ( نيرونات ) ؟