سابحاً عكس التيار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سابحاً عكس التيار

فى مداعبة السحاب .

  نشر في 27 شتنبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كانت الشمس متوارية ً في سماءٍ بالسُحبِ ذات سترة ،  يومٌ في منتصف فصل الشتاءِ ، حين تخالط البرودة رذاذ الأمواجِ ، و تصير رجفة الصقيع سمة من يتحدى هيبة تراشق الأمواج بجسده العاري .

لكن ، كانت الأجواء لا تُقاوم الولوج بين ثناياها ، فرائحة الملح المذاب تسيل لعاب عضلاتٍ ، تأبي استرخاء الترقب عن لقاء غزوات المدِ و مطاردة ما تبقى من فلول الجزر ِ .

تسارع خفقان قلب شابٍ تركه القدر شاهدا على ذلك المشهد المُهيب ، حين يفوق شأن الطبيعة جلالة الخيال بابداعه . لم يكن الأمر بالسهل ادراكه .. فبين ان تنال تشوكات ما تبقى من قواقع محتضرة على الرمال ، و أن تصارع بحر لطالما أصرعَ من جرؤ على تحدي هيبته ، فرق ٌ بنفس اختلاف من يرقد على سريره حالما ، و من يُصارع السحاب باجنحته مُحلقا .

بدأت السحب بالتجمع في عنان السماء و كأنهن يحتشدن لرؤية من ذا خبلٍ يتحدى البحر في مثل ذاك الوقت و يقف شامخا رغم رجفاته امامه . كالنساء حينما يحتشدن لمراقبة شجارات طرقات الأحياء الشعبية . عن دون قصد سقطت دمعة مطر من احداهن ، لا ندري لعلها رأفةً مما يصارع الشاب نفسه في التفكير ، بين إقدامٍ نحو مستحيل مُحتم بالتهلكة و الاكتفاء الوقوف في حضرة الطبيعة .

"المستحيل قد يكون ما استحال على غيري ، لكن حان وقت ترويضه " تفلسفت نفس الشاب مُناشدةً إياه بالتمرد.

خلع الشاب قميصه فبدى جسده النحيل كزهرةٍ بين بحورِ رمال ٍ ، شهق الشاب عندما غزت جسده رجفة الصقيع ، مُعلنةً لا تساهل مع من قد يُهين البحر في حضرة أمواجه و صقيعه .

و كقائد سرايا مقدام ، اقتحم الشاب تشكيلاته قافزا على جحافل الأمواج .... في تحدى لحضرة الطبيعة .... و ارتماء بين أحضان الموت.

.ما كان البحر ليترك تحديه بدون عقاب ، فصارعهُ بأمواجه ُ ،بجرف تياره ُ ، لكن ظل الشاب مُقاوما ببسالة ، مُفاجئا إياه بعزمه على تولي مُبادرة اقتحامه . و بين الموجة و الأخرى ، كان الشاب يغطس بين طبقاته مصارعا موت القاع ، ليعلوا من هاويته زافرا نفس اليأس شاهقا نسيم الحياة .

و بين عجرفة بحر تهاوت على ذراعي شاب ، و جسدٍ نحيل يُصارع شغف الحياة ، تساقطت السُحب بأمطرتها ، ولا ندري ألبُكاء شاب يُقارب من حتفه أم للتضامن مع بحرٍ انسالت هيبتهِ .

و بين من كان على الشاطئ يفحصه متجولا ، شاهد بعضهم الشاب من بعيد و كأنه يُصارع الغرق ، نادوا على بعضهم ليروا من ذاك المجنون الذي يسبح في بحرٍ هائج وقت تساقط المطر . احتشد الناس .لكن، كُلا ممن احتشد احتضرت شجاعته ، عندما تسائلوا عن من ينقذ الشاب من مصرعه .

و في الساحة الأخرى ، كان الشاب يُصارع البحر في التمسك بزمام أنفاسهُ ، و بين تصلب عضلاته و ليونتها ، و بين خفقان قلبه و هياج دمائه في عروقه ، و بين ضوء مُنكسر من قطرات مطر ٍ ، تتهاوى على جسديهما ، جسد بحرٍ يُقاوم و شابٍ يُصارع .

انعدل جسد الشاب و انطلق بين ثنايا الأمواج سابحا ، فاتحًا لرقاع من المياه لا تعدوا سوى رقعٍ من المياه ، لكن بداخله كانت ساحات من معاركه النفسية ما بين يأس الفرضيات و استحالة اللاممكنات و ضغوط المُسلمات . استمر الشاب سابحا بين تقلبات موج لبحرٍ يأبى الانصياع و تهاوي مطر مُفاجئ و لكن فيم المُفاجاة و انت تُحقر جنود الشتاء في حضرته ، البحر ، الصقيع و السحب .

حقيقة الأمر ، كان الشاب يُفاجئ نفسه ،موجة تلو الاخر ، فلم يسبق له اجدة السباحة من قبل ، لكنها غريزة الحياة للبقاء ، فمن يعرف انه الأصلح لها ان لم يخض نزالات مُصارعتها ، و بينما كان كالفرس الفائز في حلبة السباق ، اغتر قليلا ، مُقللا من مجهوده ، احست الأمواج بطلائع غرور الشاب وتهاونه في مُلاقتها ، فاذ البحر يُرسل عليه أكثرهن عظمة ، باطشةَ بالشاب ، مُخلةً باتزانه دافعة ً اياه نحو أعماق البحر السحيق .

هو السواد  ، سواد ٌ لا ندري أهو خواء الموتِ ، أم فضاء سحيق في قاع البحر ؟

لم يكن هناك من صوت سوى دقات قلب الشاب و هو ما كان كافي للتأكد بعدم ضيافة الموت له . كان الظلام و لم يكن شيء سواه . و بين ثنايا الظلام كان صوت يزحف ببطئ نحو الشاب ، صوت ٌيجمع بين نعومة الأمواج و هيبة البحور ، صوتٌ يبث موجاته برفق داعيا الشاب للاستسلام بكلماتٍ كترددات ثابتة ما بين "كفاك" ،"هذا اخر ماتستطيع " ، "لست أهل بها " و "غيرك لم يفلح بها " .

حاول الشاب قبض عضلاته ، تحريك مفاصله ، أي شيء يبعثه للحياة لكن كان الظلام أحلك من أي ضوء قد يُبصره . وبينما هو كذلك بدأت أصوات ما مجهولة تغزو اذنيه ، بدأ جلده بتحسس شيء ما ، فاذ عينيه تتفتح كزهرة في ربيعٍ زاهي ، ليبصر جمعاً حوله و جسده مُلقى على الرمال و على أضلاعهِ كدمات معركة بدت لم تنتهى منذ وقت طويل .

"أنت مجنون ! " بادره احد الواقفين

فخاطبه اخر مستنكرا

"كدت أن تموت يا هذا ، لولا ان لفظك البحر بعد صمت السماء عن انهمار الامطار "

حاول احدهم مساعدته على الوقوف ، فنفر من لمسه الشاب

قائلا " لا انا بخير ، سأقوم بنفسي " ، فيما حاول ان يشد من أذره مجددا

بدأ الجمع بالانفضاض من حوله ، كُلٌ يذهب الى حال سبيله ِ ، بينما نظر الشاب الى البحر و كأن عينيه متوعدة ً " لنا صولات أخرى " ليرد البحر بأمواجه العاتية و كأنها تقول " إن لم تعي لُخطاك بيننا ، فسنقبرك "

لكن ، ان كان قبرهُ بحراً ، فلما لم يمت حينها ؟


  • 4

   نشر في 27 شتنبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا