تلخيص المفتاح في المعاني و البيان و البديع
قراءة في الكتاب
نشر في 20 أكتوبر 2017 .
تلخيص مفتاح العلوم للخطيب القزويني : كتاب من أهم كتب علم البلاغة في تاريخ العرب ، قرأه و كتب حواشيه الدكتور ياسين الأيوبي في طبعة أخرجتها المكتبة العصرية ببيروت في 279 صفحة ، يلخص لنا الكتاب القسم الثالث من مفتاح العلوم للسكاكي ، الذي يعد هو كذلك من أبرز الكتب في علوم اللغة و البلاغة و علم الكلام.
هذا الكتاب الذي تصدرته مقدمة الشارح، والتي تطرق فيها إلى بعض النقاط النقدية المهمة جدا ، كشرح الدويدري و بعض ما أعابه عليه من إدخال شواهد دون إشارة إليها ،أو إلى مصادرها ، و قد كان للشارح في آخر المقدمة اعتذار للقراء، إذا وجدوا شيئا من التقصير في تحقيقه و كتابة حواشيه.
بعد ذلك نمر إلى ترجمة المؤلف جلال الدين محمد بن عبد الرحمن، المشهور بالخطيب القزويني ، و المتوفى سنة 739 للهجرة ، كان خطيبا في دمشق و قاضيا مدرسا في مصر ، و لشدة حب سلطان زمانه له ، أعاده إلى دمشق كقاض للقضاة، كما كان أولا ، و لم يدم عليه الحال طويلا حتى توفي و شيع جنازته خلق مهيب .
لقد قسم الكاتب-القزويني- كتابه هذا إلى ثلاثة فنون من علم البلاغة ، و هي المعاني و البيان و البديع ، إذ تخللت هذه الأقسام موضوعات شتى كانت محل نقاش عند البلاغيين القدامى ، مما جعل العلماء يركبون مطية التأليف و يليهم بعد ذلك الشارحون و الموضحون تبعا تبعا.
هذه الشروح و التوضيحات طالت كتاب تلخيص المفتاح للقزويني، فمن شرح الخالي إلى حاشية الشريف الجرجاني،و من ثم إلى تلخيص التلخيص للعيني ، و ابن جماعة و انتهاء بمنظومات التلخيص كألفية القباقبي مثلا .
و على عكس مقدمات كتب الأقدمين من النحاة و اللغويين ، كان القزويني صاحب إيجاز في مقدمته ، التي لا تتعدى العشرين سطرا ، ربما إشارة لضرورة الإيجاز في المبنى الذي يحيل إلى البساطة و الفهم دون تعقيد . و قد كان للكاتب جانب توضيحي لاختياره كتاب السكاكي و تلخيصه و ذلك في قوله :"هو أعظم ما صنف في علم البلاغة " و قوله : " ولكن كان مصنف السكاكي غير مصون عن الحشو و التطويل و التقصير ، قابلا للاختصار".
بعد فاتحة التلخيص الفصيحة التي مهد بها الكاتب كتابه ، نجد أنفسنا أمام مقدمة في تعريف الفصاحة و البلاغة و بيان مواضعها ، فقد عرف الملخص الفصاحة و أبان عن مواقعها عند المفرد و المتكلم و في الكلام عينه ، و قد كشف أيضا عن جوهر الفصاحة و كنهها ، و مواضع الحوشية و الغرابة فيها.
و كما كان للفصاحة في الكتاب نصيب ، كان للبلاغة من النصيب حصة الأسد بحكم أن هذا الكتاب هو من بين أبرز مصادر علم البلاغة ، فقد أبان المؤلف من خلال حديثه عنها أنها تكون في الكلام و المتكلم فقط، و أن الأصل فيها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ، فالكلام البليغ هو الكلام الواضح المعنى الملائم للموضع الذي يطلق فيه .
نمر بعد ذلك إلى أول الفنون الثلاث ، ألا و هو علم المعاني ، العلم الذي تعرف به أحوال اللفظ العربي التي بواسطتها يطابق هذا اللفظ ما يقتضيه الحال .
ينحصر علم المعاني في أبواب ثمانية :
أولها الإسناد الخبري و هو يتكون من مسند و مسند إليه ، فالمسند بحاجة إلى من يسند إليه ،و العكس صحيح . لكن الإسناد الخبري متحول بتحول الأسلوب أو ما يسمى بالضرب ،و على هذا ينقسم الإخبار أو الخبر إلى ثلاثة ضروب و هي كالتالي :
إبتدائي : و هو الخبر الخالي من التأكيد
طلبي : و هو الذي تخلله مؤكد أو أداة تأكيد
إنكاري : و هو الذي يحوي أكثر من مؤكد
أما عن المسند إليه فمنه المبتدأ الذي له خبر، و الفاعل ،و نائب الفاعل .
و أحواله هي : الحذف و الذكر ، و التعريف ، و التنكير ، و الوصف ، و التوكيد، و البيان ،و الإبدال،والعطف ، و الفصل ، و التقديم و التأخير .
وقد كان للخطيب إطناب في هذا الموضوع ،مستشهدا بأهم أقوال السكاكي...
أما عن المسند ، و منه : الخبر ، و الفعل ، و اسم الفعل ، و المصدر النائب عن فعله .
و أحواله : الترك و الذكر و الإفراد و الوقوع فعلا و الوقوع اسما و التقييد و التنكير و التخصيص بالإضافة أو الوصف و ترك التخصيص بهما ، و التعريف ، و الوقوع جملة ، و التأخير ، و التقديم .
بعد ذلك نشد الرحال إلى مبحث آخر في علم المعاني ، و هو متعلقات الفعل و أحوالها ، و منها كما ذكر المؤلف –رحمه الله- المفعول و الظرف و الجار و الجرور، و الغاية من ذكر الفعل مع المتعلق به هي إفادة تلبسه به، كتلبس الفعل بالمفعول.
إلى مبحث آخر يعرف بالحبس لغة و بتخصيص شيء بشيء بوسيلة معينة في الإصطلاح ،إنه القصر و هو ضربان الأول حقيقي كقولهم : ما زيد إلا كاتب ، إذ أريد أنه لا يتصف بغير الكتابة ، وضرب غير حقيقي كقولك : لا رجل إلا زيد ،وهذا من قصر صفة جماعية على فرد واحد .
و الكلام كما ذكرنا آنفا خبر و إنشاء ، فقد ذكرنا الخبر و مفاده احتمال الصدق فقط ، أما الإنشاء فضربان :
إنشاء طلبي : و هو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب .
إنشاء غير طلبي : و هذا الضرب لا يدخل في علم المعاني.
و الإنشاء الطلبي أنواع خمسة : وهي التمني،و الاستفهام، و الأمر ،و النهي،و النداء.
أما المبحث السابع فهو الفصل و الوصل : فالوصل عطف بعض الجمل على بعض ، و الفصل ترك هذا العطف.
نأتي إلى آخر مباحث علم المعاني : ألا و هي الإيجاز و الإطناب و المساواة .
و الإيجاز هو : تأدية المعنى الكثير في لفظ قليل ، من غير خلل في الأداء .
و أما الإطناب فهو نقيضه ، إذ يراد به تأدية المعنى بعبارة سائدة عليه بفائدة مقصودة .
أما الحد الوسط فهو المساواة : و التي تقوم على تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له.
بعد الانتهاء من علم المعاني ، عرج بنا المؤلف إلى الباب الثاني و هو علم البيان،فكان من الواجب أن يمهد له فيعرف به و بتوزيع أقسامه .
و البيان هو الظهور و الوضوح أما في الاصطلاح فهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد ، و إبرازه في صور مختلفة و تراكيب متفاوتة ، زيادة و نقصانا ، في وضوح الدلالة عليه ، ليحترز بالوقوف على ذلك ، عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه.
و أقسامه هي :
التشبيه: الذي ينقسم بدوره إلى حسي و عقلي ، أما أركانه فهي أربعة : المشبه و المشبه به و وجه الشبه و أداة التشبيه ، و التشبيه أنواع و هي :
- باعتبار طرفيه : تشبيه مفرد بمفرد ، و تشبيه مركب بمركب ، و تشبيه مفرد بمركب،أو تشبي مركب بمفرد
- باعتبار و جه الشبه ، كالتشبيه التمثيلي ،و الغير التمثيلي ، و المجمل ، و المفصل ، و القريب المبتذل ، و البعيد الغريب
- باعتبار أداته : و فيه المرسل ، و المؤكد.
- وأخيرا باعتبار الغرض : و فيه المردود و المقبول .
الحقيقة و المجاز :
و هو من المباحث المهمة جدا في علم البلاغة ،حيث يعتبر هذا المبحث عمودا أساسيا في الشعر العربي و الخطاب الأدبي عامة . و ينقسم المجاز إلى مفرد ومركب، أما الأول فهو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب، على وجه يصح مع قرينة عدم إرادة المعنى الحقيقي، و منه المجاز المرسل و الاستعارة،أما المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة .
كما قد زاد المؤلف فصولا فرعية كالاستعارة بالكناية و خصص مبحثا خاصا لمذهب السكاكي في الحقيقة و المجاز و فصلين آخرين في المجاز و ما به تحسن الاستعارة.
الكناية : وهي في اللغة أن تتكلم بشيء و تريد به غيره ، و هي لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه معه أيضا .و تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
كناية عن موصوف ، و كناية عن صفة ، و الكناية عن نسبة .
نمر الآن إلى علم البديع : و هو المخترع لغة ،أبدع الشيء : اخترعه. أما في الاصطلاح فهو علم تعرف به وجوه تحسين الكلام. و تنقسم هذه الوجوه إلى ضربين :
الضرب الأول : معنوي ،
أما الضرب الثاني : فلفظي.
بالنسبة للضرب الأول ، فقد أحصى المؤلف اثنين و ثلاثين نوعا و هي المطابقة و المقابلة و مراعاة النظير و المشاكلة و المزاوجة و الرجوع و التورية و الاستخدام و اللف و النشر و الجمع و التفريق و الجمع مع التفريق و الجمع مع التقسيم و الجمع مع التفريق و التقسيم و التجريد و المبالغة المقبولة و المذهب الكلامي و حسن التعليل و التفريع و تأكيد المدح بما يشبه الذم و تأكيد الذم بما يشبه المدح ، و الاستتباع ، و الإدماج،و التوجيه ، و الهزل الذي يراد به الجد ، و تجاهل العارف ، و القول بالموجب ، و أسلوب الحكيم ، و أخيرا الإطراد.
و كما أن للكلام أوجه حسن معنوية ،فمن الضروري أن تكون له محسنات لفظية تنمق ألفاظه و تصبغ معانيه بألوان مختلفة ، و ذلك إن دل على شيء، إنما يدل على ملاحقة الألفاظ للمعاني، فتلاهثها أينما كانت و تتبع أهوائها، فالمعاني مطروحة على الرصيف تنتظر سابك ألفاظها .
و قد استعرض المؤلف رحمه الله سبع أنواع من المحسنات اللفظية وهي : الجناس و منه التام و المحرف و الناقص ،و رد العجز على الصدر ، السجع ، و الموازنة و القلب ، و التشريع،و لزوم ما لا يلزم .
و قد ختم المؤلف تلخيصه لكتاب مفتاح العلوم بذكره لباب مهم ألا وهو السرقات الشعرية و ما يتصل بها من اقتباس و تضمين و عقد و حل و تلميح،ثم في النهاية يذكر لنا المؤلف في فصل فرعي أخير المواضع التي ينبغي أن يتأنق فيها المتكلم ، كالابتداء نحو:قفا نبك ...الخ
انتهى
-
عبد الرحمان برداديباحث جزائري