الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع

الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع ولم سمي بالأقطع...

  نشر في 13 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

‌‌مقتطفات عن الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع- رحمة الله عليه، وسبب تسميته بالأقطع:

قبالة المعبد المذكور- كما تقدم شرحه-[قبر الشيخ أبى الخير التيناتى] واسمه حمّاد بن عبد الله، وكان ينسج الخوص بإحدى يديه، ولا يعلم كيف ذلك. وتأتى السّباع إليه على الدوام، وله العجائب فى أحواله، وقطعت يده مع لصوص أخذ معهم، إذ دخل مغارة وجدهم فيها، فأخذ وقطع معهم. وستأتى حكايته بعد ذلك

كان رجلا زاهدا عابدا، أصله من المغرب، وسكن «التينات» وهى من أعمال «حلب» ، وكان أسود اللّون، سيدا من السادات. وله كرامات، كانت السّباع والهوام تأنس به، فسئل عن ذلك فقال: الكلاب يأنس بعضها ببعض. مات سنة نيّف وأربعين وثلاثمائة.

وقال أبو الخير المذكور: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فقبّل بين عينىّ ثم قال لى: يا أبا الخير، عليك بالصلاة، فإنى استوصيت ربّى فأوصانى بالصلاة وقال: أقرب ما يكون منى العبد وهو يصلى لى.

وروى عنه أنه قال: دخلت مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأنا ذو فاقة، فأقمت خمسة أيام لم أذق طعاما، فتقدمت إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وقلت: يا رسول الله، أنا ضيفك الليلة، وتنحّيت ناحية ونمت خلف المنبر، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعلىّ بن أبى طالب بين يديه، فحركنى علّى رضى الله عنه وقال: قم، قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقمت فقبّلت بين عينيه، فدفع إلىّ رغيفا، فأكلت نصفه وانتبهت وفى يدى النصف الآخر.

وقال أبو بكر الدّارانى: أنشدنى الشيخ أبو الخير الأقطع :

أنحل الحبّ قلبه والحنين … ومحاه الهوى فما يستبين

ما تراه القلوب إلّا ظنونا … وهو أخفى من أن تراه الظنون

وقال لي: لن يصفو قلبك إلّا بصحيح النّيّة لله تعالى، ولن يصفو بدنك إلّا بخدمة أولياء الله تعالى، وما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلّا بملازمة الموافقة، ومتابعة الأدب، وأداء الفرائض، ومحبة الصالحين، وخدمة الفقراء الصادقين.

وكان يقول: حرام على قلب مشرب بحب الدنيا أن يسبح فى روح الغيوب وروى عن أبى الخير- رحمة الله عليه- أنه دخل عليه جماعة من أهل بغداد»

فأكثروا عنده الكلام، فضاق صدره من كثرة كلامهم وحديثهم فى الدعاوى، فخرج عنهم، فجاء السّبع فدخل البيت عليهم، فانضمّ بعضهم إلى بعض وسكتوا، وتغيرت ألوانهم، فدخل عليهم أبو الخير وقال: يا ساداتى، أين تلك الدعاوى؟ وطرده عنهم.

وقال أبو الحسين: زرت أبا الخير التيناتى، فلمّا ودّعته خرج معى إلى باب المسجد وقال: يا أبا الحسين، أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوما، ولكن خذ هاتين التّفّاحتين، فأخذتهما ووضعتهما فى جيبى وسرت، فلم يفتح لى بشىء ثلاثة أيام، فأخرجت واحدة فأكلتها، ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا بهما جميعا فى جيبى، وكنت آكل منهما ويعودان كذلك إلى [أن وصلت] إلى باب الموصل، فقلت فى نفسى: إنهما يفسدان علىّ حالى وتوكّلى على الله تعالى، إذا صارتا معلوما، فأخرجتهما من جيبى، ونظرت فإذا فقير ملفوف فى عباءة وهو يقول: أشتهى تفاحة! فناولته إيّاها، فلمّا بعدت عنه وقع لى أنّ الشيخ إنما بعث بهما إليه، فطلبت الفقير فلم أجده.


وقال جمرة بن عبد الله العلوى: دخلت على أبى الخير، وكنت عقدت فى نفسى أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده شيئا، فلما خرجت من عنده إذا به خلفى يحمل طبقا عليه طعام وقال: يا فتى، كل هذا، فقد خرجت الآن من عقدك وقال إبراهيم الرقّى: قصدت أبا الخير أزوره، فصلّى المغرب ولم يقرأ الفاتحة صحيحة، فقلت فى نفسى: ضاعت سفرتى، فلمّا سلّمت خرجت إلى الطّهارة، فقصدنى السّبع، فعدت إليه وقلت: إنّ الأسد قصدنى، فخرج وصاح عليه وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيفانى؟ فتنحّى السبع، ومضيت، وتطهرت، فلما رجعت قال لى: اشتغلتم بتقويم الظّاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم الباطن فخافنا الأسد.

وقال بكر بن عبد الله: لم يكن لى علم بما كان سبب قطع يده، إلى أن هجمت عليه وسألته عن سبب قطع يده، فقال: يد جنت فقطعت.

فظننت أنه كانت له صبوة فى حداثته فى قطع الطريق أو غيره، ثم اجتمعت به بعد ذلك بسنين مع جماعة من الشيوخ، فتذاكروا مواهب الله تعالى لأوليائه، وأكثروا كرامات الله لهم، إلى أن ذكروا طىّ المسافات، فتبرّم الشيخ بذلك وقال: لم تقولون فلان يمشى إلى مكة فى ليلة، وفلان فى يوم؟

أنا أعرف عبد الله تعالى حبشيّا كان جالسا فى جامع طرابلس، ورأسه فى جيب مرقّعته، فخطر له لو كان فى الحرم فأخرج رأسه من مرقعته فإذا هو بالحرم، ثم أمسك عن الكلام. فتغامز الجماعة وأجمعوا على أنه ذلك الرجل وقام واحد من الجماعة فقال: يا سيدى، ما كان سبب قطع يدك؟ فقال:

يد جنت فقطعت. فقالوا: سمعنا هذا منك مرارا كثيرة، أخبرنا كيف كان السبب. فقال: أنتم تعلمون أنّى رجل من أهل المغرب، فوقعت فى قلبى مطالبة السّفر، فسرت حتى بلغت الإسكندرية، فأقمت بها اثنتى عشرة سنة، وكان فى الناس خير. ثم سرت منها إلى أن صرت بين شطا ودمياط، لازرع ولا ضرع، فأقمت اثنتى عشرة سنة، وكان فى الناس خير، وكان يخرج من مصر خلق كثير يرابطون بدمياط، وكنت قد بنيت كوخا على شاطىء البحر، وكنت أجىء من الليل إلى تحت السور، وإذا أفطر المرابطون ورموا باقى سفرهم أزاحم الكلاب على اللباب فآخذ كفايتى، وكان هذا قوتى فى الصيف. قالوا: فما كان قوتك فى الشتاء؟ قال: كنت بنيت حولى كوخا من البردى آكل أسفله وأعمل فى الكوخ أعلاه، فكان هذا قوتى إلى أن نوديت فى سرّى: يا أبا الخير، تزعم أنك لا تشارك الخلق فى أقواتهم وتشير إلى التوكل وأنت فى وسط المعلوم جالس! فقلت: إلهى وسيّدى ومولاى، وعزّتك لا مددت يدى إلى شىء تنبته الأرض حتى تكون أنت الموصل إليّ رزقى من حيث لا أكون أنا أتولاه. فأقمت اثنى عشر يوما أصلى الفرض والسّنّة، ثم عجزت، فأقمت اثنى عشر يوما أصلى جالسا، ثم عجزت عن الجلوس، فرأيت أنّى إن طرحت نفسى ذهب فرضى، فقلت فى سرّى:

إلهى وسيدى، فرضت علىّ فرضا تسألنى عنه، وضمنت لى رزقا تقيمنى به. فتفضّل علىّ برزقى ولا تؤاخذنى بما عقدته معك. وإذا بين يدىّ قرصان

وبينهما شىء- ولم يذكر لنا ما كان ذلك الشيء، ولم يسأله أحد من الجماعة عنه- قال: فكنت آخذه وقت حاجتى إليه من الليل إلى الليل، ثم طولبت بالسّفر إلى الثغر، حتى دخلت قرية، فوجدت فى صحن الجامع قاصّا يقص على الناس وحوله جماعة، فوقفت بينهم أسمع [ما يقول]، فذكر قصة زكريا عليه السلام والمنشار، وما كان من خطاب الله تعالى له حين هرب منهم، وأنّ الشجرة دعته وقالت: إلىّ يا زكريا، فانفرجت ودخلها وانطبقت عليه، ولحقه العدوّ، فناداهم إبليس: إلىّ، فهذا زكريا ثم أخرج لهم حيلة المنشار، فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار إلى رأس زكريا، فأنّ أنّة، فأوحى الله تعالى إليه: يا زكريا، إن أنّيت ثانية لأمحونّك من ديوان النّبوّة. فصبر زكريا حتى نشر نصفين.

قال أبو الخير: فقلت [فى نفسى] : إلهى وسيدى، إن ابتليتنى لأصبرنّ. وسرت حتى دخلت أنطاكية، فرآنى بعض إخوانى، وعلم أنى أريد الغزو، وكنت يومئذ أستحى من الله تعالى أن آوى إلى وراء سور، فدفع لى سيفا وترسا وحربة، فدخلت الثغر خيفة من العدو، فجعلت مقامى فى غابة أكون فيها بالنهار، فإذا جاء الليل خرجت إلى الساحل فأغرز الحربة وأسند الترس إليها محرابا، وأتقلد بسيفى وأصلى إلى الغداة، فإذا صليت الصبح عدت إلى الغابة فكنت فيها نهارى. ثم خرجت يوما فنظرت إلى شجرة كرم قد أينعت وفيها عنقود قد وقع عليه النّدى وهو يبرق، فاستحسنته، ونسيت عهدى مع الله تعالى وقسمى ألّا أمدّ يدى إلى شىء مما تنبته الأرض، فمددت يدى إلى الشجرة فقطعت منها عنقودا، وجعلت بعضه في فمى، فتذكرت العهد، فرميت ما كان فى يدى، ولفظت ما كان فى فمى، ولكن بعد أن جاءت المحنة ، فرميت الحربة والترس وجلست فى موضعى، ووضعت يدى على رأسى، فلما استقر بى الجلوس جاز بى رجال كثير وفرسان وقالوا لى: قم، وساقونى وخرجوا بى إلى السّاحل، فإذا أمير وحوله عسكر وجماعة، وبين يديه جماعة من السودان كانوا يقطعون الطريق فى ذلك المكان قبل ذلك اليوم، وقد أمسكهم، وتفرقت الخيل فى الغابة يطلبون من ذهب منهم، فوجدونى أسود ومعى سيف وترس وحربة وكان الأمير تركيّا، فقال لى: من أنت؟ قلت: عبد من عبيد الله تعالى. فقال للسودان:

أتعرفون هذا؟ قالوا: لا. قال: بل هو كبيركم وأنتم تفدونه بأنفسكم. فقدّموهم فقطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يبق غيرى، فقدّمونى ثم قالوا :

مدّ يدك، فمددتها، فقطعت، ثم قيل لى: مدّ رجلك، فرفعت طرفى فى السماء وقلت: إلهى وسيدى، يدى جنت، فما بال رجلى؟! وإذا بفارس وقف على الحلقة ونظر إلي ورمى بنفسه علىّ وصاح، وقال للأمير: هذا الشيخ أبو الخير المناجى الرجل الصالح! فصاح الأمير: لا حول ولا قوة إلّا بالله العلى العظيم. وجعل الأمير يقبل يدى ويعتذر إلىّ ويقول: بالله عليك يا سيدى اجعلنى فى حلّ. فقلت له: أنت فى حلّ قبل أن تقطع يدى.

من كتاب "مرشد الزوار إلى قبور الأبرار" موفق الدين أبو محمد بن عبد الرحمان، بن الشيخ أبي الحرم مكي بن عثمان الشارعي الشافعي (ت615هـ) الجزء 1. ص: 296-304.



   نشر في 13 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا