"التغريد خارج السرب"
أحيانا نحن لا نعي مدى السلبيات التي نتصف بها ونمارسها و الأفكار التي نحملها وهذا بسبب غرقنا في دائرة واحدة..فلو أننا وقفنا خارج حدودها ليوم واحد فقط لكان هذا كفيلا برؤية ذواتنا بعين تفحصية وعقل واع وكأننا بمجابهة لمرآة حيادية..نرى كل السلبيات التي تعتلي ملامحنا و أفكارنا و محيط تواجدنا، و هذا يمنحنا فرصة لنقد الوسط الذي نعيش فيه بدل الغرق فيه بتعمد.. !!
عندما نولد يتم تحديد هويتنا نيابة عنا من اسم ودين وو... لكن الأفكار تتحجم وتكبر في عقولنا نسبة إلى المحيط الذي نستقي منه مبادئنا و نحمل لافتة فوق رؤوسنا كل حروفها هي ما تريده الجماعة ..
لكن ماذا لو كانت الجماعة على خطأ..؟؟ وكنا ندافع و نؤمن بفكر سيئ ...؟؟ ماذا لو كنا مركب آخر للجهل المتجدد في المجتمع...؟؟
وفي الوقت الذي كان علينا أن ننسلخ من التبعية و ننزوي بفكر حيادي قائم على القراءة وعلى اكتشاف تيارات فكرية مغايرة كنا نغرق و حسب.. !!
ما دفعني لكتابة مقال اليوم هو رؤية أقلام من الكتاب تأخد نفس المنحى لكتاب آخرين فنجد الأسلوب ذاته و المنهجية ذاتها كما لو كانوا عبارة عن نسخ تتكاثر كل يوم..،، فهل يعقل أن يكونوا بالفكر ذاته ؟؟ إذا لا يوجد أحد يفكر .. !!
تذكرت قول عالم الاجتماع المصري "عبد الوهاب المسيري" الذي ألف أحدى أكبر الموسوعات الفكرية حول اليهود واليهودية والصهيونية حينما قام بكتابة مقاله في أيام حرب أكتوبر عن "نظرية الأمن الإسرائيلية" وهي مقالة كانت بعيدة جدا عن الوضع الراهن بمصر آنذاك .."حينما سأله الكاتب محمد حسنين "كيف نجحت فيما أخفق فيه البقية؟؟" ..أجابه " لأني لم أقرأ الصحف اليومية".
هذا وحده يلقي الضوء على أن العزلة تنجب منا أشخاصا بفكر متفرد مميز لا يتأثر بأي موجات عابرة تهز الوسط الإجتماعي..
ولو أدرتُ الدفة نحو الكُتاب الذي يجعلون من أقلامهم مجرد نسخ عن أدباء هم من متابعيهم أو تأثروا بأسلوبهم حد الانسلاخ من شخصياتهم الأساسية فهذا يجعلهم ينطفئون و تخبت شعلة التفرد بداخلهم و تذبل تلك البصمة اليافعة التي تستحق منهم أن يبحثوا عنها في ذواتهم..تستحق أن يبرزوها و أن يدافعوا عنها ..فالمكتبات باتت تتثاءب من الأعمال المتشابهة..
علينا الخروج من عباءة المألوف ..ومن أكمام الشائع..
هناك ما يستحق الإبصار غير الذي اعتادت عليه الانظار..فلم التخفي تحت آثار معتادة..؟؟
في علم النفس يوجد نظرية تسمى "تأثير الجماعة" وكيف تتغير الأفكار جذريا لو تم تغييب العقل و الانغماس في المحيط الفكري لأفراد جماعة ما، نفس الشيء يحدث حينما نسقي العقل من صنبور لأفكار متشابهة..ونجعل القطيع أكبر ..؟؟ أن نتعكز على نوع واحد من الكتب أو نتتبع خطوات كاتب واحد أينما هطل .. !!
إن الانفصال المؤقت أو العزلة تجعلك تصون أفكارك من التشوه و تعطيك فرصة للإنتاج بدلا من الغرق في التفاصيل اليومية..فالعزلة المطلقة لا خير فيها والانفتاح المطلق يجعلك أسير اللحظة و فردا من القطيع ..وبالعزلة النسبية ستغرد خارج السرب بألحان لم يسبق لنا سماعها ...
فهل يوجد منكم من لا يقرأ الأخبار اليومية يا ترى ؟؟
-
نور وصالكاتبة وشاعرة ..أتخد من الحرف مسكنا على الورق