يقود سيارته وعقله ليس معه، فقد أطلق العنان لتفكيره متخيلًا ما سيحدث بعد دقائق عند أم أمجد. صديقه سعيد أعطاه رقم هاتفها منذ سنة وأكثر عندما شكا له حاله بمرارة. وما زال محتفظًا بالرقم منذ ذلك الوقت. يبلغ ناصر من العمر 43 عامًا. اليوم وبعد صمت وتردد طال أمدهما لأكثر من أربعة أعوام. أراد أن يخرج من قمقم صمته فقد ملّ الوحدة القاتلة. في هذا اليوم فقط قرر أن يدخل عالمًا آخر فاتصل بأم أمجد وأخبرها برغبته. فحددت له موعدًا يأتي فيه إلى بيتها، وهذا هو في طريقه إليها.
ركن ناصر سيارته في ساحة مقابلة لبيت أم أمجد. نزل والتردد بادٍ في خطواته المتعثرة. يصل عند الباب ويهم بوضع إصبعه على جرس الباب عدة مرات ويتراجع. وفجأة رأى عجوزًا واقفة أمامه قد خرجت للتو من البيت. تسأله: هل أنت ناصر؟ بتلعثم قال: نعم. كان مندهشًا، ليس يدري هل فعلاً طرق الجرس أم لا؟ وكأنه ليس في وعيه. رحبت به أم أمجد واستقبلته في المجلس. تركته في المجلس تقتله الوحدة والتردد. لم يصدق نفسه أنه فعلها وأتى برجليه إلى بيت هذه العجوز. بعد دقائق معدودة مع أنها كانت دهرًا في قاموس ناصر. رجعت ومعها امرأة ترتدي نقابًا، وعيناها لا تبرح خطواتها.
ما إن همت بالجلوس في إحدى زوايا المجلس لاحت عيناها ملامح وجه ناصر، وبلا تردد أطلقت العنان لقدميها بالهروب ليس فقط من المجلس وإنما من القرية بأكملها حيث استقلت أول سيارة أجرة في طريقها. استغربت أم أمجد من تصرفها. سألها ناصر: يا ترى هل لم أعجبها؟ أم هل وجدتني عجوزًا لا أصلح؟ لكنها لم تنظر إليّ للحظة واحدة، بل لم أرَ لها شخصًا.
- ألم تخبريها بعمري؟
- بلى لقد أبلغتها بذلك. وقد أبدت رغبتها بالارتباط. لكن لا أدري ما الذي جرى لها.
- أتدرين يا أم أمجد؟ خيرًا فَعَلتْ. فقد كنت مترددًا في المجيء إليكِ. ربما سأقضي ما بقي من عمري وحيدًا فريدا.
-
عادل الحسينما أنا إلا كاتب حرف، يتهجى..