الحرام يأكل الحلال كما تأكل النار الحطب
هذا قول الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا الحديث الشريف تحذير كبير، ووعيد شديد لكل من يستحل الحرام تحت أي مبرر، ولكل من تسول له نفسه أكل الحرام والحرص عليه والسعي من أجله.
فكثير من الناس خدعهم الشيطان، وأعمى أبصارهم وحبب إليهم الحرام وأغراهم به قال تعالى (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون) مما جعل هؤلاء يأكلون الحرام عن طيب نفس، ويستحلونه في حالة من الغفلة وموت الضمائر، والتجاهل لما يترتب عليه من آثار مدمرة وعقوبات متلاحقة تلقي بصاحبها إلى التهلكة والسقوط المحقق مهما طال عليهم الأمد ...
قال تعالى
(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) وأيضًا في حالة مِن الرضا التام عن أنفسهم ما جعلهم ينفقون منه في الأعمال الصالحة كالصدقات ورعاية الأيتام ومساعدة الفقراء والمرضى والمحتاجين والذبائح وإطعام الطعام وغيرها... ظانين أنهم بهذه الأعمال قد برئت ذمتهم، زاعمين بأنهم بهذا قد طهروا هذا المال من الدنس ونسوا أو تناسوا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول" وقوله أيضًا "لا تقبل صدقة من غلول" والغلول هو المال الحرام أو الحلال الذي يشوبه ولو القليل من الحرام، فالله تعالى لا يقبل الصدقات والأعمال التي أنفقوا عليها من المال الحرام وبالطرق الملتوية وبالتحايل على القوانين، وبأي طريقة كانت وبأي وسيلة حصلت.
فالمال الحرام له أوجه كثيرة منها أكل أموال الناس بالباطل ودون رضا نفس منهم، وكذلك الغش الذي يتمثل في تزيين البضاعة بما ليس فيها من أجل رواجها وتحقيق مكاسب من خلفها، وأيضًا الرشوة والربا والإحتكار وغير ذلك من أوجه الحرام الملتوية أو غير المباشرة إنْ صح القول، والتي لا يعتد بها الكثيرون ولا يعتبرونها حرامًا، وهؤلاء هم أصحاب النظرة القاصرة والمحدودة عن المال الحرام.
ولم تقتصر مساوئ ومخاطر المال الحرام على عدم قبول الأعمال الصالحة فحسْب بل امتدت لتشمل عدم قبول الدعاء وحرمان الإستجابة حيث قال صلى الله عليه وسلم "أطب مستطعمك تكن مستجاب الدعوة" وفي هذا الحديث إشارة إلى أن قبول الدعاء مرهون بكسب المال الحلال الخالص.
هذا ومن أهم الآثار السلبية والعواقب الوخيمة للمال الحرام أيضًا أنه لا يدوم ولا يحل به إلا الخسارة وسيذهب مع الريح آخذًا معه الحلال ولو بعد حين فالقليل من الحرام يتلف الكثير من الحلال ويفسده ويطيح به كما أنه يعرض صاحبه للعقوبة في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة، وينزع البركة من الرزق والعمر ويؤدي إلى ظلمة القلب ، والكسل عن آداء الفرائض والبعد عن الطاعات.
قال إبن عباس -رضي الله عنه- "إن للحسنة نورًا فِي القلب وقوة فِي البدن وزيادة فِي الرزق ومحبة فِي قلوب العباد، وإن للسيئة سوادًا في الوجه وظلمة فِي القلب، ونقصًا في الرزق وبغضًا في قلوب العباد".
فالمال الحرام طريق محفوف بالمخاطر، ملئ بالأشواك والتعرجات لا يعرف للإستقامة سبيل ولا لراحة البال موطنًا ولا للنجاة ملاذ.
فيا من تحرص على جمع المال وتفني عمرك وتعرض نفسك لعضب الرب من أجله فلتعلم جيدًا: أن المال يشتري سريرًا لكنه لا يشتري النوم ويشتري دواء لكنه لا يشتري العافية ، ربما يشتري كل شيء لكنه لا يشتري السعادة.
فالسعادة بيد الله، وما عند الله لا يُنال إلا بطاعتِه.
فادية صقر
إلى اللقاء في الجزء الثاني