حول اصلاح التعليم العتيق بالمغرب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حول اصلاح التعليم العتيق بالمغرب

  نشر في 30 يوليوز 2018 .


أمر ملك المغرب محمد السادس الحكومة بمراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم بغرض تكريس التسامح والاعتدال.

وأوضح بيان للديوان الملكي صدر عقب اجتماع وزاري عقد في مدينة العيون أكبر محافظات الصحراء الغربية أن الملك أصدر تعليماته لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية بضرورة مراجعة مناهج ومقررات تدريس التربية الدينية، سواء في التعليم العام أو الخاص أو في مؤسسات التعليم العتيق (التعليم الديني التقليدي).

وجاء هذا القرار بمناسبة تقديم الحكومة رؤيتها لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي للفترة الممتدة بين عامي 2015 و2030.

وستتم مراجعة مناهج تدريس التربية الدينية في اتجاه "إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعي إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية" وفق بيان الديوان الملكي.

وشدد الملك محمد السادس على أن ترتكز البرامج والمناهج التعليمية على "القيم الأصيلة للشعب المغربي، وعلى عاداته وتقاليده العريقة القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة الغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر".

وكانت جمعية بيت الحكمة - التي تضم مثقفين ونشطاء ينتمون في أغلبهم لليسار- دعت إلى "تنقيح مقررات التربية الإسلامية من كل المواد والمضامين التي من شأنها تغذية التأويلات والقراءات الخاطئة للدين الإسلامي أو للديانات الأخرى".

كل هذه الإصلاحات كان الهدف منها هو العمل على تطوير هذا النوع من التعليم من الناحية التربوية والدينية لمواكبة المستجدات والتحولات الاجتماعية؛ قصد تزويد المجتمع بنخبة من العلماء المؤهلين للإسهام في البناء الفكري لأفراد المجتمع والذود عن ثوابت الأمة.

التجسير بين التعليم العتيق والتعليم العمومي: قراءة نقدية:

كل تلك الإصلاحات كان الغرض منها تحسين الأداء التربوي للتعليم العتيق؛ حتى يستمر في أداء وظائفه على كافة المستويات التعليمية والقيمية والتنموية.

غير أنه، ومع ظهور الظهير الشريف 13. 01 في 29 يناير 2002م، الذي قررت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (في المادة 17 من الباب الخامس) بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأُطُر والبحث العلمي (كما ينص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مادته 88 من الدعامة الرابعة للمجال الثاني المتعلق بالتنظيم البيداغوجي) خلق جسور منفتحة بين التعليم العتيق والتعليم الأصيل والتعليم العمومي، مع وجوب "تضمن البرامج الدراسية المطبقة بمؤسسات التعليم العتيق حصصًا إلزاميةً من المواد المقررة بمؤسسات التعليم العمومي في حدود الثلثين من الحصص المخصصة لهذه المواد، بما في ذلك مواد اللغات والرياضيات والرياضة البدنية" - بدأ التعليم العتيق يفقد خصوصيته.

فبخطة التجسير هاته، كُتب على التعليم "العتيق" أن يظل تابعًا تمُنُّ عليه المدرسة العمومية بمودَّتها؛ فكيف له أن يطلب مودتها وهي تعاني مرضًا معديًا لن ينجو منه إن اندمج معها (مرض "الضعف" و"الفشل")؟

إنَّ من نقاط قوة التعليم العتيق هو الإجماع حول المنطلقات والمرجعية، عكس التعليم العام (وهذا دافع للعناية به؛ لأنه أكبر داعم للهوية)، وبالتالي عندما نسعى إلى إدماجه بالتعليم العمومي الذي لا يزال يتخبط في مسألة المرجعية - فهو تهديد له ومنه، وبطريق التعدية تهديد للهوية الإسلامية، مما يدفعنا للقول بضرورة حفاظه على خصوصيته.

فكيف للتعليم العتيق أن يندمج مع نظام تعليمي يجعل من قيم حقوق الإنسان في بُعدها الكوني من مرتكزاته الثابتة كاختيار وتوجُّه؟ والكل يعلم ما لهذه العبارة من دلالات قيمية تحيل لا محالة إلى بعد أيديولوجي يتعارض مع المرجعية الإسلامية، أو على الأقل لا يتناسب معها؛ هذا من الناحية الدينية والهوياتية.

أما من الناحية التربوية، فإنَّ إلزام طلبة التعليم العتيق بنسبة الثلثين من الحصص المخصصة للتدريس لمواد التعليم العمومي بغرض "التجسير" معناه أن هذه الحصص تستغرق منها دراسة اللغات الأجنبية بما فيها الأمازيغية والمواد الاجتماعية والعلمية و"التربية البدنية" نسبة الثلثين، ويبقى الثلث للعلوم الشرعية! فهل ذلك كفيل "بتخريج العلماء بالشريعة الذين بهم يقوم الشأن الديني كله في الأمة، وتحيا بهم حركة الاجتهاد الراشد، والتربية الربانية" كما جاء في الوثيقة التربوية الإطار للتعليم العتيق؟

إن أهمية التعليم العتيق تنبع من مكانته في الساحة التربوية للبلاد، فبالإضافة إلى دوره التربوي - التعليمي والقيمي، فإنه صمام الأمان والأمن لهذه الأمة، والمدافع عن ثوابتها الدينية، والمحافظ على هويتها الإسلامية، وتراثها العلمي والحضاري.

وبالتالي، فإنَّ النهوض بهذه الأمة فكريًّا وعلميًّا وتربويًّا لن يتأتَّى إلا بالنهوض بالتعليم "العتيق" وتطويره دون إخلال بمقوماته، وذاك كفيل بتخريج كفاءات مؤهلة علميًّا وتربويًّا للقيام بمسؤوليتها في البناء الفكري والحضاري.

تغيير مناهج التربية الاسلامية، بأي معنى؟

في الواقع لا أحد من عقلاء الدنيا يرفض التطوير والاصلاح والمراجعة والنقد وخصوصا للمناهج التعليمية والتربوية في زمن سريعة تحولاته وكثيرة تحدياته، وخصوصا إذا مرت فترة معقولة وتم تشخيص محكم وتقويم علمي سليم لمجمل المنظومة التربوية بمدخلاتها ومخرجاتها ومناهجها ومضامينها وفي ظل طموحات المواكبة والريادة، ويكون الأمر من أهل الشأن المشهود لهم بالنزاهة الفكرية والموضوعية العلمية والبعد عن الأغراض غير المناسبة لهذا المقام، وتوفر لهم الوقت الكافي لهذه المهام الجليلة، وباستقلالية كبيرة عن الاملاءات والضغوط.

فأول شيء يجب فحصه وتمحيصه هو هذه الأهداف المعلنة للتغيير والإصلاح، ألا وهو الانسجام مع مقاصد الاسلام وقيمه السمحة وروح العصر، فبحسب ما أراه أن هذا الذي يطلب، موجود أصلا في منهاج التربية الاسلامية في مختلف المراحل التعليمية من المستوى الأول إلى مستوى الباكالوريا في التعليم العمومي، وأتحدى من يأتيني بشيء في هذه المستويات يتنافى مع مقاصد الاسلام وقيمه السمحة والمفهوم الايجابي لروح العصر الذي يحترم خيارات الانسان وحقه في الخصوصية الثقافية والحضارية بما يفيد التثاقف والتنوع في إطار وحدة التعايش الانساني، ولهذا يطرح على هذه الرغبة في المراجعة والتغيير، الجواب على جملة من التساؤلات المشروعة: ماذا يقصد بالضبط عند الراغبين في التغيير بمقاصد الاسلام وبالتسامح وبروح العصر؟ هل المعيار في تحديد معاني هذه المحددات هي نصوص الشرع ومنطوق الوحيين القرآن والسنة الصحيحة وإجماع السلف في القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية، أم معاني مملاة علينا من خارج المنظومة الاسلامية؟ وهل تمت فعلا مراجعة علمية لهذه المناهج ووجد تنافيها مع المعاني السليمة للأهداف المعلنة؟ ثم هل تم التأكد علميا من أن بعض المظاهر السلبية المعزولة كالعنف والارهاب مثلا هي نتاج منهاج التربية الاسلامية المعمول به في بلادنا؟ أم أن عينات من المدانين في تلك الأعمال تأكدت مستوياتهم التعليمية المتدنية وبأنهم في عمومهم ليسوا من خرجي المنهاج العمومي ولا منهاج التعليم العتيق، وإنما معظمهم نتاج مناهج أخرى تجري في سرية وعشوائية وبغير نظام ومن غير متخصصين، وبزاد إسلامي ضحل للغاية؟

ثم ما هو الأسلم علميا في بعض المواضيع التي يراد لها أن تكون حساسة كموضوع الجهاد والموقف من الآخر اليهودي والنصراني وغيرهما وبعض الأحكام التي فيها تميز الرجال عن النساء والنساء عن الرجال مثل موضوع الارث وتعدد الزوجات وغيرها، والعقوبات في الاسلام ونحو ذلك؟ هل يتم شطبها والسكوت عنها، أم يتم تحريفها والتعسف في تأويلها، أم تطرح بنظرة علمية رصينة وبسياقها التاريخي والحضاري وفي شمولية الدين وتوازن أحكامه؟

فالسكوت والتشطيب ليس حلا، مادام القرآن والسنة الصحيحة محفوظان من رب العالمين، فإن لم نفهم الناس نصوصهما بالفهم السليم المتوازن، ومن أهل النزاهة والاختصاص، بحث الناس عن معانيهما بالطريقة التي تتيسر لهم وبالشكل الذي لا ندري كيف يكون، ويبقى على كل حال طريقا محفوفا بكل المخاطر.

ثم التسامح المتحدث عنه هل يشمل أيضا المعتدين من الناس على الأعراض والأموال والعقول والأديان والبلاد والأوطان والمقدسات أم أننا نسالم من سالمنا ونقاوم من هاجمنا وعادانا وتجاوز كل الحدود لإهانتنا؟

وحديث البعض عن حذف ما يتعلق بجهنم والنار والعذاب وفتنة القبر للأطفال، حديث من لا يعرف طبيعة هذا الدين وكيف يربي النفوس بمن فيهم الاطفال، بالترغيب والترهيب، وأحيانا في الآية الواحدة كما قال تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن تقول أن تقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات "وهناك من يجعله بعد التشهد وقبل السلام، والصلاة تعلم للأطفال وهم أبناء سبع سنين وأول ما يحفظون قصار السور وفيها الزلزلة والقارعة والهمزة والتكاثر والغاشية والبينة والكوثر والماعون وغيرها وفيها ذكر للجنة والنار والعذاب، حتى ينشأ في النفس الطمع في نعيم الله والخوف من غضبه وعقابة، ونشأ أطفال المغاربة وغيرهم من المسلمين على هذا قرونا متعاقبة وبنوا حضارة وتقدما وأفادوا البشرية فما كان لهم من عقد أو أمراض نفسية أو شيء مما يتوهم بعض بني علمان. بل كانوا أسوياء بناة ومبدعين.

فإذا كان من إصلاح حقيقي وتغيير جاد، فليكن في اتجاه أن نسمع المسلم في مختلف المراحل التعليمية وحي ربه وسنة نبيه الصحيحة، بشكل كامل غير منقوص، في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملات والأخلاق والمؤسسات والعلاقات الدولية وغيرها من المجالات، وبفهم سليم كما فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التنزيل ومارسه في سيرته، وفهمه الصحب الكرام فيما اجتمعوا عليه وبمدلولات العربية كما كانت أيام نزول الوحي وبضوابط أصول الفقه ومقاصد الشريعة كما حددها العلماء الأعلام وعلى منهج مالك رحمه الله الذي ارتضاه المغاربة مذهبا، وبما يناسب حالنا وزماننا بتوازن واعتدال، وأي شيء نتركه من الدين لا نعلمه أطفالنا وأبناءنا هو مصدر الخوف والخطر. وأي تحريف للنصوص الشرعية هو إشاعة لفقدان الثقة في مؤسساتنا التعليمية الرسمية ورمي لفلذات أكبادنا في سراديب الغلو والتطرف، وزرع لألغام لا ندري متى تنفجر في وجه هذا البلد الأمين، والأنسب جدا أن توضع مهمة الإصلاح في أيد كفأة وأمينة وليس في مخالب من يعادي هويتنا الأصيلة ويشكك في مقدساتنا وثوابتنا وأصولنا ويطعن نبينا الذي تتشرف دولتنا ومملكتنا بالانتساب إليه، وحذاري أن نمكن المغرضين من قطع الشجرة التي نجلس عليها ونتفيأ ظلالها، وحق لنا غيرة ومحبة ان نقول متمثلين بعض ما قاله البصيري رحمه الله: واخش الدّسائس كلها "من بني علمان داخل البلاد وخارجها":

ولا تطع منهما خصما ولا حكما *** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّة ٍ لِلْمَرءِ قاتِلَة *** من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ.


  • 1

   نشر في 30 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا