" طفل واحد، أستاذ واحد، كتاب واحد وقلم واحد بإمكانهم تغيير العالم .. التعليم هو الحل، التعليم أولاً " ملالا يوسفزاي
كلّما طالعتُ سيرةَ عالمٍ أو كاتب أو قائد أهرعُ أولًا إلىٰ معرفةِ عمره الذي بدأ انتاجه العلمي به، متحسرة على أعمارِ كثيرٍ من شباننا التي تضيع وهو طالبٌ خلفَ المقاعدِ الدراسية، متلقّيًا ومستمعًا، ليس له عمل سوىٰ حفظ المقررات وإجراء الامتحانات، ثم يتم تصديره مع من معه بباغاوات يرددون ما حفظوا وما سمعوا دون أن يمتلكوا أدواتا يحللون بها ما سمعوا أو يفقهونه.
يقضي الطالب تسعةَ أعوامٍ في تحصيلِ التعليم الأساسي أو بعبارة أصح "لنيل شهادة التعليم الأساسي" وفي حين يُتَوقع من اسم هذه الشهادة أنها تؤهله فيما بعد للبدء في التخصص والبحث العلمي بأسلوبٍ أعمق وأدق، إلا أنه يُكمل السنوات التالية على ذاتِ النهج والمواد والأساليب، فينتظر حقبة أخرىٰ ليدخل الجامعة ويدرس التخصص الذي يرغب أو الذي يساعده في حياته العملية والمهنية، ولكنه بعد أن يتخرج من الجامعة يظهر له أنه لم يحقق أي قيمة علمية أو عملية تعادل قيمة ما أنفقه من وقتٍ وعمر وجهد أو حتى أن توازيه، إنها أشبه بجرعة للسعادة النفسية بالإنجاز ورفع القيمة الاجتماعية وليس ترجمة لقدراتنا العلمية والعقلية كما ينبغي.
ومن يطمح - وفق هذا النظام - للتخصص في أحد مجالات العلم والتعمق فيه، والبدء بإنتاج ثمرة من ثمرات علمه الذي يكون قد استغرق سنوات طويلة سيكون عندها على حافةِ القبر أو قاربها، وسيكون قد فقد طاقة الشباب وحماسه للعمل والإنتاج أصلا.
ثم بعيدًا عن القيمةِ العلميةِ للشهادة فإنه لكي يتمكن من الحصول على وظيفة بها عليه أن يمتلك سنوات أخرى من الخبرة وشهادات اللغات والتدريبات والدورات المطلوبة حسب كل مجال، ليجد الشابُّ نفسَه في متاهةٍ ليس لها آخِر ولا منها مَخرج.
لذلك كله فإني أرى أن الجامعات والمؤسسات التعليمية غدت أسواقًا للتجارة بأحلام الشباب واللعب علىٰ رغباتهم وحاجاتهم، ومن ثم الضرب بطاقاتهم وقدراتهم عرض الحائط، فإلىٰ متى سنبقى تابعين لسياسات لا تهتم لمصالحنا بقدرِ ما تهتم لتحقيق مصالح ذاتها؟!
ما الحل إذن؟
في الحقيقة لا أملك تصورًا كاملًا لما ينبغي أن يكون عليه الوضع، إذ يحتاج لدراسات وأبحاث متخصصة تنتقد هذا النظام وتبيّن ثغراته وتطرح البديل الذي تفترضه، فهذه هي أهمية أن نستشعر الثغرات الهدامة للأنظمة التعليمية الحالية وما تسير إليه، وأن نطرح المشكلة في كل ساحة فكرية وتربوية كخطوةٍ للعمل على حلها، والدعوة لذلك عبر مختلف الوسائل والأساليب، لكونه أمر يحتاج لزمن وجهود مكثّفة، تقع مسؤولية حملها على عاتق المثقفين والمؤلفين والإعلامين والتربويين جميعًا.
فالفكر أساس كلّ عملٍ وتغيير، وأرجو أن تكثرَ الكتاباتُ حول هذه القضية، وأن يأتي يومًا نجدُ فيه خطوات عملية لحلها.
إنّ المدارسَ والجامعات هي واجهةُ كتاب الأمة التي نقرأ فيها معالمَ الإنسان وأخلاقه وأفكاره وإبداعه، وإنَّ فشلها وانحطاطها يعني هدم هذا الإنسان وقتل إبداعه، وجعل العلم مادةً خامًا للمتاجرةِ بين أشخاصٍ يفتقدون أخلاقيات العلم وهم لا يملكون منه إلا اسمَه.
-
حنان حسن🍀ذاكرةُ البشرِ قصيرة والحرفُ يخلِّد الذكرى🌿