حكم الوصية بالثلث - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكم الوصية بالثلث

للشيخ / إبراهيم بن محمد الضبيعي رحمه الله

  نشر في 28 يوليوز 2022 .

 


مشروعية الوصية ثابتة بالكتاب والسنه يقول الله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه؛ يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ) رواه مسلم عن ابن عمر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مقدارها بحيث لا تزيد عن ثلث التركة ، وانها تصرف في سبيل الله وفي مصارف الوقف ، الا أن هذه الشعيرة قد اسيئ استخدامها ، حيث حصروها في النفس والذرية ، وفي العصر الحاضر اعتاد بعض الناس ان يوصي بثلث ماله لذريته وان يصرف ريعه بحجج وضحايا له ولوالديه ، ويجعلونه عادة في منزل او محلات ويسمونه سبيل ، وقد درج على هذا العمل الآباء عن الأجداد ، يفعلون ذلك عن حسن نيه ويظنون انه من الدين ، وقد استحسنته عقولهم ويقولون الاقربون أولى بالمعروف ، ولاشك ان الفقراء والاقارب هم احق بالإحسان والصدقات من الفقراء الاباعد ، لأنها تكون فيهم صدقه وصله رحم ولكن الزكاة والاوقاف والوصايا قد وضع لها المشرع الحكيم ضوابط وشروطا وبين مصارفها والمعروف شرعا ان السبيل من أسماء الوقف ، والوقف يصرف لأعمال البر ، او لجهات خيريه ، ومن شروطها ان لا يستفيد منها الواقف ولا ذريته ، وقد بحثت عن اصل هذا النوع من الوقف فلم اجد من اوقاف النبي صلى الله عليه وسلم ماله صله بهذا الوقف ، ولم يفعله احد من الصحابة رضوان الله عليهم ، ونظرت في باب الوصية فوجدت التحذير عن مثل هذا النوع من التوليج ، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( لا وصية لوارث ) ولما كان الوقف من افضل القربات ، وتسبيل المنافع على المحتاجين من ارجأ الطاعات فان الوقف على هذا الوجه أي التسبيل على النفس او الذرية لن يتعدى نفعه الواقف وذريته فريعه يصرف على حجة له ولوالديه واضحيه وعشاء يأكله أولاده ، ولم يكن للفقير فيه نصيب ولم يساهم في أي مشروع خيري ، ثم راجعت كتب الاحكام والفقه واستعنت بما ثبت عن علماء السلف رضي الله عنهم فمن النصوص الوارد في في هذا الموضوع ما رواه البخاري ومسلم عن سعد بن ابي وقاص قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ، وقلت يا رسول الله بلغ بي

من الوجع ما ترى وانا ذومال لا يرثني الا ابنة لي افا أتصدق بثلثي مالي في سبيل الله ؟ قال :لا قلت فبشطره قال لا ثم قال ( الثلث والثلث كثير انك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس ) ومعنى قوله عليه السلام ( انك ان تذر ورثتك اغنياء ) اي لا تزيد في الوصية على الثلث فتضر الورثة وليس معناه انهم ينتفعون بالوصية ، قال الامام النووي عند شرح هذا الحديث في صحيح مسلم ج 11ص 80 وفي حديث سعد هذا جواز تخصيص عموم الوصية المذكورة في في القران وبالسنة وهو قول جمهور الأصوليين الصحيح اهـ .

وقال العيني في عمدة القاري ج 14 ص 26 : وقوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ ) الاية اشتملت على الامر بالوصية للوالدين والاقربين وقد كان ذلك واجبا على اصح القولين قبل نزول اية المواريث فلما نزلت نسخت هذه وصارت المواريث المقررة فريضة من الله تعالى يأخذها اهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل امانة الوصي ولهذا جاء في الحديث السنن وغيرها عن عمر بن خارجه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول ( ان الله اعطى كل ذي حق حقه فلا وصيه لوارث ) اهـ ، وعن ابي امامه رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) رواه أبو داود و الترمذي .

قال الامام البغوى في شرح السنة .. كانت الوصية للأقارب واجبه في ابتداء الإسلام الى ان نسخت .اهـ وبمطالعتي لأحكام الوقف في الشريعة الإسلامية وجدت ما يراه أئمة المذاهب رحمهم الله فالإمام مالك والامام احمد والشافعي لا يرون جواز الوقف على النفس وقالوا لو أوقف على الفقراء بشرط ان يأخذ معهم من ريعه فالوقف باطل ، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر حينما أراد ان يوقف حائطا ( حبٌس الأصل وسبٌل الثمرة ) وقالوا ان الوقف صدقة و لا يصح ان يتصدق الانسان ويوقف على نفسه وقالو ان الوقف عقد بين جهتين ولا يتصور ان يكون الشخص نفسه هو الواقف والموقوف عليه وان الوقف لا يتم لا انتقاله من حوزة الواقف الى ملك الموقوف عليه وبوقفه على نفسه لا يحدث هذا الانتقال وقد خالفهم الأحناف فقالوا بجوازه . أ هـ

واذا تأملنا الغرض الذي لأجله شرع الوقف فلا نجده يتحقق في هذا النوع من الوقف قال في كشاف القناع على متن الاقناع ج 4ص 247 ولا يصح وقف انسان على نفسه عند الأكثر، نقل حنبل و أبو طالب ما سمعت بهذا ولا اعرف الوقف الا ما اخرجه لله ، ووجهه ان الوقف تمليك اما للرقبة او المنفعة وكلاهما لا يصح هنا اذ لا يجوز له ان يُملٌك نفسه من نفسه كبيعه ماله من نفسه . اهـ .

كما لا يجوز الوقف على الذرية يقول ابن مفلح في المبدع شرح المقنع ص 328 مساله : لو وقف على الفقراء ثم على ولده صح لهم دونه ، وهذا مثله لو قال أوقفت هذا البيت على المحتاج من اولادي واذا اغتنوا عنه يؤجر ويصرف ريعه لأضاحي وحجج لي ولوالدي ، فانه بهذا يكون وقفا منقطعا ومقتضى الوقف التأبيد على جهة معينه .

وعدم جواز الوقف على الذرية هو مذهب السلف وما أجمعت عليه الامة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وقد كتب ( زهدي يكن ) بحثا عن الوقف وقال في الوقف على الذرية ما نصه :ونقول الان انه لا يجوز الوقف على الذرية . وممن قال به عبدالله ابن مسعود وعبدالله بن عباس والامام علي رضي الله عنهم ومن كبار التابعين القاضي شريح كلهم وغيرهم يقولون بعدم جوازه أهـ .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله عن رجل أوقف على أولاده ثم على أولادهم فأجاب : هذه المسألة فيها قولان عند الاطلاق معروفان للفقهاء في مذهب الامام احمد وغيره . الفتاوى ج 31ص 80 ، وقال ابن قدامه في المغني ج6 مسألة لا وصيه لوارث وقال ابن المنذر وابن عبدالبر أجمع اهل العلم على هذا وجاءت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولان النبي صلى الله عليه وسلم منع من عطيه بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطيه فيما بعد الى ان قال رحمه الله :ففي حال موته او مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم اولى . أهـ

وبعد مراجعة الأبحاث الجادة والدراسات المطولة في هذا الموضوع توصلت الى اقتناع بوجوب على عدم مطابقة مثل مثل هذه الأوقاف والوصايا لتعاليم الإسلام لما فيها من الانانية وقصر المنفعة ، وترد عليه المأخذ والملاحظات التالية :

1- الغرض من الوصية ان يكون في سبيل الله وتعطى للفقراء الأقارب من غير الورثة .

2- اذا أوصى لاحد من الورثة في شيء فلا يصح الابعد إجازة الباقين قبل موت الموصي والا تبطل الوصية .

3- لا تصح الوصية او الوقف على هذا الوجه لمخالفته النصوص الشرعية التي تلقتها الامة بالقبول .

4- ان العمل بمثل هذا الوقف يثير العداوة والحزازات بين الورثة ، لانتفاع بعضهم دون بعض .

5- ان مثل هذا الوقف لم تتحقق فيه مقاصد التشريع الإسلامي ومنها اشاعه البر والإحسان وتعدد المنافع والواقع ان كل عمل لا يستند الى القواعد الشرعية فمآله الى الفشل ، وبنظرة فاحصه الى الاسبال بين يدي الناس اليوم نجد انها أصبحت مشكله عويصة الحل فكم تسبب عنها من خصومات أدت الى النزاع وقطعة الرحم ، فالسبيل الذي شمله التثمين اصبح هو شغل القضاة في المحاكم ، والاسبال التي زالت عنها الرغبة بارت بأيدي أهلها وانقطع ريعها فاهملوها ، وقد عمت شكوى الناس من سوء إدارة أصحاب العقارات الموقوفة وكثرت شكوى المستحقين من هضم حقوقهم وزادت الدعاوى في المحاكم ضد المتولين فيها .

    وختاما فان الواقف انما يبتغي بوقفه وجه الله وما اعده من الثواب للمتصدقين ، وعليه ان يبحث عن المسلك السليم ، وليكون عمله خالصا صوابا ، وان بناء المساجد والمصحات والدور للعجزة والايتام وسقي الماء ومساعدة المحتاجين هي ولاشك اجدى و انفع ،والله من وراء القصد .


  • 1

   نشر في 28 يوليوز 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا