غرور ونرجسية ترامب..
غرور ونرجسية ترامب..
نشر في 10 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
غرور ونرجسية ترامب..
هيام فؤاد ضمرة..
ليس منا من يشكك في عقلية ترامب الاقتصادية فهو رجل سوق محنك بلا منازع يمتلك قدرة عجيبة على خوض العمليات التجارية والاقتصادية ببراعة ورؤية سديدة بدليل نهوضه من كبوات عديدة تعرض لها خلال جمعه لثروته، ومن ثم نجاحه في تجاوزها ليظل على انطلاقته إلى الأعلى حتى البقاء في القمة، وليس منا من لا يتفهم نفسيته النرجسية وثقته الزائدة بنفسه حد تملكه جنون العظمة ومجاهرته بما يشعر به علانية سلبا كان أم ايجاباً فهو الذي امتلأت حياته بقصص النجاح منذ عهد شبابه الأول كرجل أعمال وكمذيع لبرنامج تلفزيوني مشهور وكممثل ومتعهد مصارعين عنيفين حتى نجاحه في تسلق سلم رئاسة أكبر وأقوى دول العالم ليجلس على قمة هرم العالم بلا منازع وبامكانه تحريك قطع الشطرنج بلعبة تبدو له بسيطة تكاد تخلو من التحديات، فهذا الرجل وجد العالم كله ينحني له ويقدم له أدوات القوة والعز والثروة، ويضع بيده مفاتيح النجاح الاقتصادي والمالي والسياسي فهو إذن المحظوظ بلا منازع.
ويظهر ترامب بكامل مظاهر غروره خلال مهره توقيعه على أي من الاتفاقيات أو القرارات التي يتخذها، متخيراً حجم الخط الكبير وراسماً توقيعه بكلِّ حرص مالئا ومتوسطا الصفحة بحركاته العديدة كأنما هو يرسم سكة لقطار سريع يقبل على الانطلاق، ولايتوانى من عرض توقيعه على الملأ بكل فخر وعنجهية.
بالنظر إلى طفولة ترامب نراه قد تلقى تعليمة في مدرسة تابعة للنظام العسكري المتشددة في تطبيق قوانينها وهي مدرسة خاصة للأطفال أصحاب الطبيعة صعبة المراس ممن يصعب ضبطهم إلا في ظروف التشديد في القوانين.
وعلى ما توقع له علماء النفس الذين درسوا حالته في مراحل مبكرة من بدء حملته الانتخابية فقد تخوفوا من أن تدفعه نرجسيته لارتكاب ما لا يرتكبه عاقل، ولهذا أشار لتلك الخاصية نفس علماء النفس عندما اتخذ قرار لا يحق له اتخاذه حسب كل القوانين والاعراف الدولية والقيم الوطنية حين أعلن مدينة القدس العربية المحتلة من قبل الصهاينة عام 1967م والتي هي أصلا عاصمة الفلسطينيين، على أن تتخذها دولة الاحتلال الغاصب عاصمة لدولتها اليهودية، واتخذ على الفور قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب عاصمة دولة الاحتلال الفعلية إلى القدس مدينة القداسة والسلام لثلاث ديانات سماوية، وهو قرار غير واقعي وغير عقلاني ولا عادل ولا منصف.
سؤال كان تساءله علماء النفس قبل وصول ترامب الرئاسة: إن كان ترامب في حال وصوله للسلطة أهلاً للتحكم بالرقاب؟.. وهل سيمارس نوعا من الديكتاتورية الغبية ويتخذ قرارات خطيرة تتركز فيها العنصرية المعروفة فيه بشكل أساسي؟.. بل تساءلوا: هل مثل شخصية ترامب يمكن أنْ تؤتمن على وضع مفاتيح القنبلة الذرية والأسلحة الخطيرة بيده وتحت قراره؟
والجواب أتى سريعا باتخاذه قرار حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحت الحجة المفتعلة في محاربة الارهاب، وهو قرار عنصري بحت يخرج عن نطاق العقلانية ولا يمت إلى الواقع في شيء، ولا أظنه إلا متخذا ذلك كذريعة لبسط نفوذه والضغط على المسلمين ودولهم بالتنازل عن مبادئهم الاسلامية بما في ذلك الجهاد، فأمريكا في واقعها تعج بالمنظمات الأمريكية الارهابية وهناك في أمريكا ما يزيد عن ستين منظمة أمريكية تعتبر من أخطر المنظمات الإرهابية في العالم، ثم إن الارهاب كما هو معروف منطقياً ليس له دين ولا ملة بل هو فكر ينحرف عن جادة الصواب يغلبعليه التحيز والعنصرية، ومن الظلم أن يربط الإرهاب بالدين الاسلامي وبالمسلمين المسالمين، خاصة أنه قد ثبت بالحقيقة القاطعة أن المنظمات الإرهابية التي ادعت أنها اسلامية هي في حقيقتها صناعة مخابراتية أمريكية واسرائيلية بامتياز وهذا ما أكدته مصادرهما نفسها..
والأحداث الخطيرة التي جرت في بعض الدول العربية قد جرت بفعل فاعل من المخربين الأجانب المدسوسين بين الصفوف، وأن أكثر الذين تضرروا من الإرهاب هم من العرب والمسلمين لأن أصابع الشر زرعت بينهم الفتن فانساقوا لها وهم مغيبي الشعور، وكان واضحاً أنّ هناك مخطط لإثارة الفتن في البلاد التي تجمع المسلمين بأهل ملل أخرى يقف وراءها شياطين الأرض من الصهاينة اليهود فهذا ديدنهم عبر التاريخ لا يغيرونه ولا يفارقونه، وما من مصيبة أصابت المسلمين والعرب إلا كانوا بخبثهم الموصوف والمعروف خلفها.
وشخصية ترامب غير المستقرة وغير المحسوبة المخرجات، وشعوره المفرط بأهميته وندرة قدراته، تعيد إلى أذهاننا سيرة شخصيتين تاريخيتين نرجسيتان سفاكتان للدماء نكبتا العالم بالحروب وأغرقتاه بالمآسي، هما الرئيس الألماني أدولف هتلر زعيم الحزب النازي ذي الأصل النمساوي وانتهى نهاية مأساوية مهزوماً شر هزيمة، ونابليون بونابرت أول أباطرة فرنسا، خاض الكثير من الحروب في شتى أصقاع العالم وانتهى هو الآخر نهاية مأساوية في المنفى، إذن فالنرجسيين يجرون أنفسهم ودولهم إلى الهزيمة والانتهاء بالصورة المأساوية.. فهل يخبئ الزمن نهاية غير عادية لنرجسي هذا العصر وقد بالغوا بالظلم والعنصرية؟.. والظلم ظلمات غالباً ما تنفتح إلى ظلام أشمل وأشد قتامةً واحتداماً.
ولأن النرجسي يتضخم فيه شعور التفرد والذاتية وتعظيم الأنا الجوانية كما تتدنى لدية مشاعر التعاطف مع الآخرين لهذا يفتقد في داخله شعور لسعة الضمير، فالنرجسية في واقعها هي اضطراب مزمن في الشخصية ويمتلك صاحبها سلوكيات غير اعتيادية وأحياناً غير منطقية، فالنرجسية غالباً ما تصيب الأشخاص الذين يتعرضون منذ طفولتهم لعلاقات أسرية باردة المشاعر غير متعاطفة وغير مستقرة، لهذا يبحث النرجسي عن أقارب يقربهم منه ليكونوا حوله فيبثوه القوة التي تخفي ما بداخله من ضعف مستور، فتراه يقف رافعا ذقنه للأعلى متمثلا القوة في نفسه لقصد مداراة ما يمور داخله، وهذا بالفعل ما شاهدناه في غالبية النرجسيين السياسيين عبر الماضي وفي الحاضر، فترامب يتحرك وابنته وزوجها إلى جانبه ليستشعر قوته، ومثله كان يفعل نابليون فيحيط نفسه بأقربائه.
واستثارة النرجسيين والضغط على أعصابهم يحولهم إلى العناد والعنف، فهم وإن أشعروك بمظاهر قوتهم هم في الحقيقة في غاية الهشاشة إلى درجة غير متوقع رد فعلهم العنيف، وهذا لا ينطبق على كل النرجسيين وإنْ انطبق كل ذلك على شخصية ترامب بصفة خاصة، ففي الوقت الذي أتاحت الظروف في شخص ترامب سمات النرجسية والتي أهلته ليكون رجل أعمال ناجحاً ونجماً تلفزيونياً متميزاً ومتعهد مصارعة مهووس بالعنف، فهي أيضا نفس السمة التي يمكنها أن تجعله قائد سياسي بالغ الخطورة، والمستقبل سيريني بهذا الرجل ما لا يخطر على البال لأنه ممتلئ في داخله بشعور التحيز والتطرف والعنصرية والتطاول على حقوق الآخر ونبذ الآخر أو استغلاله بصورة شرهة، وهي من علامات السايكوباثيين المضطربين.
هناك شعور مسيطر على المحللين والمراقبين أن تهور هذا الرجل سيجر أمريكا إلى الغلطة الكبرى حيث لا إمكانية للعودة.. فهل حقاً أن ترامب سيأخذ أمريكا إلى هوة المخاطر التي من شأنها أن تقلب واقع الحال إلى الأهوال؟
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية