التفاهة
تأثيرات التسطيح على المجتمع. | يوسف الدرقاوي
نشر في 28 يناير 2024 وآخر تعديل بتاريخ 29 يناير 2024 .
تأثيرات التسطيح على المجتمع.| يوسف الدرقاوي
بالعقل والمنطق من المفترض أن يكون شباب ومراهقي العمر الحالي أكثر ذكاء ومعرفة ومهارة وحتى صحة من شباب ومراهقي الأجيال القديمة بسبب توفر سبل الراحة وتقدم العلم والتكنولوجيا وسهولة التعلم والوصول إلى المعلومة.
من المفترض أنه الشاب أو المراهق المتوسط في زمننا يتفوق بمراحل عن شاب من نفس السن من 1000 سنة مثلا وللأسف هذا مجرد افتراض.
في أبحاث ودراسات كثيرة من أماكن موثوقة أكدت أنه هناك انخفاض مستمر في مستوى الذكاء الصحة الجسدية والنفسية في جيلنا مقارنة بالأجيال السابقة وهذا راجع لأكثر من سبب ولكن دعنا نتفق أنه الاختلاف الرئيسي بيننا وبين الأجيال السابقة هو "Media" أو "social media"، تطور ثقافة الاستهلاك السريع والمكثف للمحتوى ولكم المهول من الشهرة والمال المرتبط بهم خلق رغبة عند كل الفنانين وصناع المحتوى بمختلف أشكالهم، أنهم يستهدفونه الوصول لأكبر كمْ من المشاهدات ولأكبر قاعدة جماهيرية ممكنة بأي ثمن ونتيجة لهذا أصبحت هناك ظاهرة التسطيح (Dumbing Down)، التسطيح ببساطة هو التبسيط المبالغ فيه والمفرط للمحتوى سواء كان تعلمي أو ترفيهي، سينما أو فيديوا، لعبة أو ثقافة.
بداية المصطلح كانت قديمة نسبيا تحديدا ثلاثينيات القرن الماضي، مع كتابة الأفلام وكان هدفه هو تبسيط العمل الفني ليصل لجمهور أكبر من الناس الأقل تعليما وثقافة، يمكن أن يكون الهدف المبدئي من التسطيح غايته نبيلة وهيا تبسيط المواضيع وتقليل تعقيدها لكي تكون قابلة لجذب انتباه عدد أكبر من القراء والمشاهدين وبالتالي نشر المعرفة فيستفيد المتلقي وكذلك الفنان أو صانع بالانتشار وكل الأطراف سعيدة.
ولكن تطبيق الواقعي لهذا الكلام فيه بعض المشاكل نوعا ما، الكثير من المشاكل التي ستتطرق لها بتفصيل في بقية المقالة.
"إذا زاد الشيء على حدة انقلب إلى ضده" فأصبحنا نلاحظ أن الموضوع بدا ينتشر بشكل مبالغ فيه نوعا ما، في السنوات الأخيرة من انتشار المحتوى التافه السطحي وانتشار "ترندات" الغبية، انتشر الغباء والأكيد انخفاض معدل الانتباه "Attention spam" عند الغالبية، فمثلا إذا ألقينا نظره على المحتوى الذي يتابعه أخوك الأصغر أو الذي تتابعه أنت شخصيا سوف تجد بعض الأنماط المتكررة تقريبا مع جيل كامل، أولهم وأغلبهم هو أخبار العامة وأخبار المشاهير (فلان يتضارب مع فلان وفلان يسب فلانا...) وأخبار تافه عن حياة شخصية لمشاهير، بالأحر مجرد خبر تافه ماله إي قيمة في حياة إي الإنسان ولكنه جاذب للانتباه، نهيك عن المحتوى المكرر والاستهلاكي من التحديات و "flog 's" العائلية وردات الفعل وترندات التيك توك وتطول القائمة إلى ما لا نهاية من المحتوى الذي يحقق مشاهدات ويستهلك الوقت بشكل كبير ودون فائدة تذكر، والفائدة التي أقصدها هنا سواء الفائدة علمية أو الترفيهية.
دعنا نتفق أن هذه الأشياء دائما ما كانت متواجدة ولكن في الفترة الأخيرة موضوع زاد على حدة ووصل لمرحلة صعبة، وهنا نتساءل لماذا ازداد انتشاره وما هي أسباب وجوده وانتشاره...؟
نتيجة لكل هذا فالمشاهد المتوسط سيصبح غالب وقته وعقله ممتلئا بالفوضى التافه التي سوف تأثر بالتبعية على حياته، تخيل معي أن الشخص منذ طفولته في دوائر المحتوى الفارغ هذا، هل عندما يكبر سيصبح عالم، دعنا نبسط الأمر هل عندما سيكبر ويصبح الأب هل سيكون قدوة لأبنائه أو رجل ناجح في حياته أو شخص مؤثر في المجتمع بشكل إيجابي وجيد، عزيزي القارئ اعتقد أنك تعرف الإجابة.
الإنسان وليد بيئته، وفي وقتنا الحالي مصطلح البيئة يشمل تاريخ المحتوى الذي تستهلكه بشكل يومي وتأثير هذا موضوع على الشخص والمجتمع في العموم ينقسم إلى ال أكثر من نقطة.
إذا رأيت صورة لشخص بنيته العضلية قوية وسئلت تتوقع ماهيا عاداته الرياضية والغذائية ، من المنطق أنك ستقول إنه ملتزم بالتمرين والأكل صحي بشكل يومي لسنين طويلة، نفس المثال بالضبط ينطبق على الوعي والذكاء بشكل عام هو عضلة إذا مرنتها بشكل جيد ومستمر واتبعت نظاما صحيا تكون النتيجة علماء ومفكرين وأشخاصا قادرين على بناء المجتمع وأمة قوية.
ونتيجة للمحتوى السيء الذي يستهلكه الانسان بشكل يومي تنخفض كفاءته ومستوى وعيه وكل شيء تقريبا، بداية بدينه وعقيدته وصولا إلى مشاكله شخصية، وهذا الذي يقودنا إلى المشكل والخطر الثاني ألا وهو زيادة الانحراف، شخص صاحب مستوى وعي متواضع يأخد مبادئه وافكاره من فيديوهات "سوشيل ميديا" صنعها اناس كل اهدافهم نادية لا غير وفي غالب لا يكونون من اصحاب مبادئ هذا الذي يجعلهم فريسة سهلة لشهواتهم ولكل شيء خطأ لمجرد كونه مربح بشكل اسرع او براق بشكل ما، فبعد كل هذا لا يجب ان نسأل لماذا يظهر في المجتمع المخدرات والسرق والسطو(...) وحتى أشياء التافهة البسيطة.
الموضوع ليس بشكل مباشر مثل ما تتخيله ولكنه تراكمي، وفي وقتنا الحالي الموضوع اصبح ينتشر ب وتير اسرع، وبعد ما تمر بهذه السلسلة من الإنهيارات الأخلاقية والمعرفية يصبح عقلك ضحلا وخبراتك شبه معدومة وغير قادر حتى على حل مشاكل التي تواجهك في حياتك اليومية، وان انتشرت هذا العدو في صفوف كافة المجتمع فستصبح نتائج كارثية.
ولكن السؤال هنا هل هناك في المجتمع جزء يستفيد على حساب الجزء الخاسر او بالأحر هل من مستفد؟
كل الظواهر الاجتماعية يكون فيها شخص مستفيد وشخص خاسر، وفي حالتنا هذه واضحة جدا من المستفيد. هو الجهة المسؤولة عن إنتاج المحتوى ومنصات نشره، استفادتهم بالتأكيد تزيد ان كانت حالتك بالبؤس الذي تكلمنا عنه، وفي هذه الحالة يكون سهلا جدا استعبادك واستهلاك وقتك ومالك وصحتك لمكاسبهم، فسوف تقوم بشراء آخر أنواع الهواتف وتقوم بآخر " ترند " على تيك توك وتشاهد آخر مقاطع وهكذا...
وهنا عندما نتكلم بهذا الشكل معك حاليا أنت منطقيا سوف ترفض الموضوع ولكن نحن نتحدث على تحركات مجتمعات كاملة فالسباحة عكس التيار أصعب بكثير مما نتخيل، هذا إذا عرفت أنت داخل أي تيار أساسا.
مع طرحنا للموضوع وخطورته نصل إلى مرحلة السؤال هل لا يوجد مخرج؟
العكس تماما الحل سهل وبسيط وبالفعل في جزء من الماس تطبقه ولكن جزءا قليلا جدا بالنسبة للأغلبية المنغمسة في الاستهلاكية المضرة وحل هنا ينقسم إلا طرفي صناع المحتوى والمستهلك.
فأول شيء على صانع المحتوى الحرص على تقديم محتوى يحترم عقل المشاهدين و متلق بصفة عامة، وبكل تأكيد أن يكون مفيدا بدل الاستسهال في المحتوى الرخيص والمكرر والنقطة الثانية هيا تحري الدقة في المعلومات المنشورة والأفكار التي يروج لها وهذه الأهم، وهنا لسنا نتحدث عن نقل معلومة الغلط بال حتى على التأثير الذي يمكن أن تصنعه حتى لو كانت صحيحة، طريقة الطرح هيا التي تصنع الفرق. ثالث نقطة وهي التطوير المستمر للمحتوى وجودة الأفكار، النقطة الرابعة وهيا تشجيع وتقبل النقد واخده بعين الاعتبار، وخامس نقطة هي افهم دينك وعقيدتك جيدا فأنت كصانع محتوى لا تقدم شيء يتخالف مع تعاليم ديننا الإسلامي وأنت كمشاهد لا تشاهد ما يخالف عقيدتك، (عفانا الله وإياكم).
وآخر شيء دور المشاهد، فدور المشاهد أهم من صانع المحتوى، فهو الذي يعطي قيمة لشيء فلهذا عليه أن يختار المحتوى بعناية واهتمام.
وأود أن أضيف نقطة آخر وهيا تأتي يد بيد مع النقطة السابعة وهيا احترام وقتك وعقلك عن طريقة تجنب محتوى التافه وفارغ زائد مراجعة الدورية لأنماط استهلاك المحتوى وتأكد من أنها تضيف شيئا لحياتك، بالاختصار حل مشكلة هو تعاون الطرفين، بين المجتمع وصانع المحتوى وكل طرف يحترم عقل ووقت الطرف الآخر والأهم الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع والحفاظ عليه وهنا نستذكر ونخدم بحديث نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ).
-
يوسف الدرقاوييوسف الدرقاوي من مواليد ماي 2003 بقرية المعازيز نواحي الخميسات متدرب في معهد التكوين المهني حي السلام