مبدأ البالون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مبدأ البالون

الكاتب : أحمد الصالح

  نشر في 31 ديسمبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

المبدأ الأمريكي في التعامل مع 90% من القوى الصاعدة في الشرق الأوسط سواءً أكانت دولاً أو جماعات هو مبدأ "البالون"، فهي تغضّ الطرف عن هذا البالون حتى ينتفخ ويكبر ويأخذ أكبر من حجمه الطبيعي ثم بعد ذلك تفجّره بدبوس صغير، أو ربما تتركه ينتفخ حتى ينفجر من تلقاء نفسه.

وهذه ليست سياسة أمريكية جديدة إنما هي منهج معتمد في إدارتهم لقضايا العالم وخاصة الشرق الأوسط والتحكّم بموازين القوى فيها، فهي تميل في بادئ أي صراع إلى السكوت والتزام الهدوء أو إن هدّدت كان تهديداً أجوفَ لا يتجاوز البيانات الاستنكارية وخطابات الشجب، وبأحسن الأحوال تقود حرباً إعلامية ضد الطرف الذي تنوي التخلّص منه، ولكنها لا تتحرّك فعلياً حتى تنضج الطبخة وتكتمل مراحل خطة "البالون". 

تقوم هذه الخطة على ترك الغير يتمدّد في مناطق لا تضرّ الأمريكان ولا تؤثر على مكتسباتهم الاقتصادية والسياسية، ثم ما يلبث الطرف المتمدّد قليلاً حتى يجد نفسه في وضع غير وضعه الطبيعي كالبالونة المنفوخة تماماً، هو يظنّ أنه قد كبر وزاد حجمه وتضاخمت قدراته، لكنّه بالحقيقة لا يتجاوز كونه بالون مملوء بالهوء رقيق البنية لا يقاوم وخزة دبوس، أو ربّما يتمزّق من تلقاء نفسه دون أي تأثير خارجي.

نظام صدام حسين 


ظنّ صدّام حسين نفسه في فترة من الفترات أنه قوة ضاربة في الأرض، وقد كانت له صولات وجولات رابحة بغض النظر عن كونه محقاً فيها أو مخطئاً، ولكن الصمت الأمريكي في فترة التسعينيات كانت فخّاً له لينفخ بالونة النظام العراقي الامبراطوري، فدخل في صراعات كثيرة : حلبجة والحرب الإيرانية وحرب الكويت حتى تآكلت منسأته وتهاوى نظامه تدريجياً بسبب كثرة الحروب وكثرة الأعداء، ثم حوصر العراق فترة من الزمن وجاءالغزو الأمريكي البريطاني عام 2003 لتفجّر البالون الذي انتفخ خارج الحدود الفعلية له.

ولو أنّ صدام ونظامه كانا بعيدين عن 90% من الصراعات العبثية التي خاضها في الكويت وضد المدنيين الكورد، لما استطاعت قوة على الأرض أن تخترقه أو تغلبه لكنه الفخّ الذي نُصب له فوقع فيه بلا إدراك. 

الاتحاد السوفييتي 

الحرب الباردة التي خاضها الأمريكان ضد السوفييت وحروب الوكالة في الكوريتين جعلت الاتحاد السوفييتي يأخذ في نفخ البالون ظاناً أنه قوة قاهرة، وخاصة عندما دخل في تسليح مصر والعراق وسورية آنذاك، ودخوله في المستنقع الأفغاني الذي ما انتهى منه إلا بهلاك القوة العسكرية السوفييتية، هذا الاتحاد الذي نشأ على أنقاض حرب أهلية في روسيا القيصرية وامتدّ جغرافياً إلى شرق أوربا في بيسارابيا، وقُدّرت مساحة الاتحاد في أوج نهضته بسدس مساحة الكرة الأرضية، ولكن هذا الانتفاخ على امتداد عرقيات وقوميات غير متجانسة بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي الذي فرضته الحرب الباردة، والأزمات الداخلية والخارجية التي واجهت اتحاداً بهذا الحجم جعلته جاهزاً للانفجار على نفسه عام 1991 وعادت روسيا الاتحادية وحدها تلملم بقاياها وتجمع شتات قواها المهزومة شرقاً.


داعش

أو ما تسمي نفسها الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة التي تحوّلت من نظام العصابات المختبئة في الجبال إلى نظام الدولة والسلطة، وخضعت لها مساحة جغرافية تساوي مساحة دولة بريطانيا، ثم ما لبثت أن وجدت نفسها محاطة بعشرات القضايا والمشاكل والعوائق، فقد تم الزجّ بها في أتون صراع داخلي ضد الثورتين السورية والعراقية، ثم وُضعت قبالة المدّ الشيعي والمدّ الانفصالي الكوردي ناهيك عن التحالف الدولي الذي حاربها في نهاية المطاف، فعادت الدولة إلى الوضع الطبيعي بل أسوأ من ذي قبل ولو أنها تريّثت في كثير من معاركها وخاصة فيما يتعلق بسحق المقاومة العراقية وإفراغ مناطق السنة العراقيين من السلاح على حساب تفرّدها في الحكم، بالإضافة إلى الشقاق الكبير في سورية بينها وبين فصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية، والطلاق البائن بينونة كبرى بينها وبين القاعدة، والدبّوس الذي مزّق البالون الداعشي وهو الصراع مع الأحزاب الانفصالية المدعومة بالتحالف الدولي، لما آلت بها الحال إلى ماهي عليه اليوم أثراً بعد عين.

إيران

هي الأخرى انتفخت وزادت وتعاظمت ظاهرياً، وتحوّلت من الدولة التي تستقطب عاطفة الشعوب متاجرة بالقضية الفلسطينية إلى دولة شيعية طائفية مفضوحة في عالم سنّي محافظ، ودخلت كالاخطبوط بألف ذراع في الشرق الأوسط فما بين ميليشياتها في العراق وأذنابها في سورية ولبنان وصولاً إلى الحوثيين، ولا ننسَ تجاربها الفاشلة في الخليج من حيث دعم الشيعة البحرينيين والسعوديين، ووجودها على شكل أحزاب سياسية في الكويت، كلّ هذا الحجم لا يناسب إيران ولا يتناسق مع حجمها الطبيعي، وهذا ما جعلها تضع ملفها النووي في دائرة الاستسلام للمفاوضات وكذلك فقدت الكثير من أذرعها خاصة في البحرين والسعودية واليمن إلى حدٍ ما، مما خلّف أزمة اقتصادية واجتماعية داخلية انتهت إلى بوادر انتفاضة أو ثورة شعبية قد تستثمرها السعودية بمؤازرة المعارضة الإيرانية لينفجر البالون الإيراني قريباً على ما يبدو.

تركيا والسعودية

قد ننتقد البطء السعودي والتركي في حلّ الكثير من الخلافات التي تهدد حدودهما كلّاً على حدة، ولكن لمن ينظر بعين السياسة والإدارة السياسية للأزمات يجد قيادتي تركيا والسعودية اختلفنا أو اتفقنا وأعجبتنا أو أزعجتنا قراراتهما لكنها تصب في بوتقة عدم الانتفاخ وتجنّب إنشاء بالون تركي أو بالون سعودي يسهل تفجيره، فتجد كلاً منهما على اختلاف السياسات الخارجية للبلدين لكن قيادتي هاتين الدولتين كلما خطتا خطوة نحو الخارج عجّلا بخطوات نحو الداخل ترسيخاً لدولة أكثر متانة وصلابة وتجنّب التمدد الأجوف.

لكلّ دولة حجم طبيعي وعادي لها، والتمدّد أوالتوسّع قد يكون رغبة لدى أي دولة ولكن ينبغي أن يكون على أسس متينة وخطط مدروسة بعناية، والالتفات إلى جسم الدولة والحذر من أن يكون جسماً فارغاً بقشر رقيق كي لا تهلك بأول ضربة غير محسوبة.



  • Ahmdalsalh485@gmail.
    كاتب مقالات ومحتوى في عدة مجالات وعلى عدة منصات معروفة
   نشر في 31 ديسمبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا