أما آن لهذا الثقل أن يحيد؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أما آن لهذا الثقل أن يحيد؟

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 20 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

أما آن لهذا الثقل أن يحيد؟

هيام فؤاد ضمرة

مسكين نهر الأردن الذي يُحملونه فوق ما يحتمل من طاقة، مسكين هذا المتعرج النحيل المتلوي ألماً كم يلقى من طعنات الفصل والتجزئة، فمتى يا ربي يخرج هؤلاء العرب عن قولبتهم للحقيقة الدامغة التي تفقأ العيون، ويتجردون من تزييف الحقائق، أو تشويهها أمام معطيات الواقع الذي مزق جسد الأمة العربية بمشرط الاستعمار، ثم مزق عقولها ومبادئها وانتماءاتها، فصاروا أمة متشرذمة لا تمت لعروبة ولا إلى وطن عربي كبير، (كل من حارته إله) لا صلة قربى ولا علاقة جوار ولا حتى الرهان على أمة الأخيار.

هكذا أصبحنا نحن العرب كلٌ يغني على ليلاه، وليلاه لاهية في متسع لا حدود له، وكلٌ بالكاد أنْ يقود نفسه في ظلمة انتهاكات الزمان، فالعدو المنتهب للأوطان سرعان ما انقلب إلى صديق، وجار لطيف، ذو دم خفيف، وأصل عفيف.. سبحان مغير الأحوال و مبدل ما في أزلية العقل من السرحان لتحل عليهم من كل صوب الأهوال.

الذكاء الاستعماري الإنجليزي الفرنسي لم يقسم الأمة والجغرافيا العربية فقط بجرة قلم، بل قسم ضمائرها بحد بتار فأسال مع دمائها قيحا مختزنا من العنصرية البغيضة والجهالة المستعرة بالأعماق، فانقسموا ليتقاسموا المناصب والرواتب، وابتنوا القصور ليلوذوا داخلها بعيدا عن أصوات نداءات الشرفاء، فالشرف بات التهمة التي تخرجك من الملة.. فإياك إياك من عقل سديد وفكر للحق عنيد.. قف عند باب العبور وفكر مليا قبل أن تخطو وتقع بالمحظور، فهيهات هيهات الزلة في زمن تنتابه موازين العبرة بالبدعة والمنة.

نهر الأردن يعاني جفاف دموعه قهراُ لكثرة ما تلقى من طعنات الغدر والمؤامرات وانقلاب الأمة على ذاتها وعلى عروبتها، رافعين شعارات الإنسلاخ بلا حياء ولا خجل، فالعذرية العربية انتهكت في عقر دارها وما عادت الجباه تلقى بالاً للطخات العار التي تلوثها سخاما وتحيلها اسودادا قاتماً،

بات هذا النهر المنكوب يعاني حالة التوحد والعالم العربي يعيش حالة التفكك اللئيم، والتعري الذليل، كلٌ يلعب على هواه، ونداءات التقارب التي شارفت أن تحقق وجودها أو كادت، سرعان ما أصاب العقل العربي فيروس التحول، فانقلبوا على أنفسهم، وتجردوا من لبوسهم العربي، وتخلوا عن فكرة ايجاد وسيلة لتحقيق اتحاد من أي شكل يوحد الكلمة والموقف، لتجمعهم كلمة الغرب على هدف عجيب يخرجهم عن الغاية تحت حجج غير منطقية وأحيانا مفتعلة، وارتدوا كذبة حديثة باتوا يتغنونها ويحضرون أنفسهم لحالة التعري الأخير لاستقبالها، ألا وهي التضاؤل حد الخنوع التام أمام قوة لا قبل لهم على مواجهتها، أو هكذا جعلوهم يظنون.. لتأتي كورونا وتخبر العالم أن القوة الكبرى ليست إلا وهم تلعب عليه دول التخابث الاستعماري الأكبر، لتتحول الدولة العظمى إلى مستنقع الوباء لفيروس لا تراه العين المجردة.

وما زال هذا النهر يشهد مظاهر الانقلاب وتفجر المؤامرات وكأنها رقصة الموت الأخيرة التي يرقصها المشرف على الموت القريب، يرقصها على نغمات اللحن الجنائزي الأخير، فيئن توجعا، ويبكي حال أمة تزحلقت فانزلقت نحو الهوة العميقة، وباتت توشك على الارتطام العظيم، فهل حقا يظن العرب أن حظهم سيتغير بمجرد أن يلقوا من أيديهم عصاهم، لتنقلب ورداً وحريراً يتقلب عليه نعيماً من كانوا في يوم من الأيام الأعداء الألداء؟

هل يعود العرب ثانية إلى العادة الوثنية في تقديم الأضاحي البشرية للنهر العظيم لرده عن الفيضان؟.. على نهج الأسطورة الفرعونية ومثلها الأسطورة الرومانية التي ذكرها المؤرخ الروماني تيتوس ليفيوس.

لست متيقنة لأي مدى ستسير هذه الأمة قدما في تخلفها المكين، وهي تلقي بالأضاحي سلسلة طويلة لا أراها ستنتهي وحد السيف يجز الرقاب عشوائيا بلا توقف، ولا أستطيع أن أجزم إن كانت أضاحي اليوم تقبلها الآلهة الجديدة وتسترضيها بالقدر الذي يجعلها تمتثل لترك العرب يعيشون بسلام، لائذين بحصون دولهم دون أن يطالهم الفيضان الشيطاني العظيم المدمر، فالأهداف عند أعداء الأمة تتغير بتغير المصالح، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بمرحلة التغير والتبدل، أو حتى حجم الأضاحي التي ستلقى ليلتهمها فك النهر بلا رحمة.

نهر الأردن النحيل الذي تم إحياء شاطئيه بغابات النخيل، ما زال يعيش بشوق الترقب ينتظر اليوم الذي ستغوص به أرجل أهل شرق النهر مع أرجل أهل غرب النهر في آن معا،ً ليؤكد انهما ليسا إلا وطناً واحداً لا تنفصم عرى علاقتهما الأبدية التي اختلط بها الدم والعرق في آن معاً.. فهل يعود الدم العروبي لشرايين هذه الأمة وتحيا بهم انتماءاتهم العروبية من النهر إلى المحيط؟

في الأردن نطمح بمواقف قوية وواضحة معززة بفكر وطني حر وشريف، وجلالة ملك الأردن يعيش هاجس تحقيق العدالة بالقدر الصحيح والمعقول، وهو يشهد تقلب دولة الاحتلال مع تغير مواقفها ومصالحها ومزاجيتها مع حصد الاستثناءات والفوائد والمصالح دون الالتفات لغيرها ودون إعارة لاحترام المواثيق الموقعة عليها لما اتفق عليه قبلاً، وسرعة تنكرها لما تم الاتفاق عليه في اتفاقيات ماضية، بل إنها تتنكر للمواقف الثابتة، فلا شيء بقانونها ثابث طالما هي تسعى لتحقيق حلمها الأكبر، بالتمدد قدما بالقدر الذي تستطيع تحقيقه على حساب كائن من يكون، فلا سابقة تاريخية لفئة دينية ان تعتبر أي أرض مرت مهاجرة عنها ومنحها أهلها حق المرور، وطناً لها الحق أن تطالب به بعد آلاف السنين.

إننا نعيش اليوم مشهدا غريبا لا قبل لنهر الأردن رغم صمته أن يتقبله وقد أعياه الصبر، فأمس أتانا بني الفرنج غازين يحملون مطامع الاحتلال الكنسي المسيحي ليرتكبوا مجازرهم الرهيبة بالعرب المسلمين العزل دونما رحمة بالنساء والأطفال والشيوخ المقعدة، بما لا يتماشى مع شرائعهم الدينية المسيحية التي أتوا تحت حجتها.. واليوم يأتينا بني صهيون شرذمة من شتى أصقاع الأرض يحملون المطامع اليهودية ليخلقوا على ثرانا وجسد شبابنا ودماءهم الزكية دولة اليهود، يجمعون بها اليهود من شتى الأجناس، فهل ترانا سنقف مجرد متفرجين على مسرحية اليوم العجيبة؟.. هل ترانا سنصفق كمثل الحمقى لانهيار عروبتنا وفلسطينيتنا كما تفرجنا بصمت على انهيار عراقنا وشامنا ويمننا وليبيا العربية وانقسامات السودان، وخلق دول قائمة على الدين والعرق امعانا بالتمزيق؟

فاشهد يا نهر الأردن من جديد على المجريات التي تضخم الإنهيار العربي، لننتقل لقضايا ثانوية تلهينا عن القضية الرئيسية، حسب المخطط الذي يرسمه خبثاء الاستعمار بأيدي ملوثة بالخديعة والمكر.. فحتى توقِف المنادين بحقهم بوطنهم السليب، اخلق لهم مشكلة أكبر ليتحولوا في مطالبهم باتجاه حلها، وهكذا سيظل الحال بتحويل اتجاهات العرب من خلال خلق مشاكل جديدة أكثر أذية.. والغد سيرينا ويريك يا نهر الأردن ما لا قبل لنا على احتماله.. فهل تراك ستنقلب على طبيعتك الصامتة وتنفجر في وجوهنا صارخا معربدا متنكرا انبطاحنا الذليل؟


  • 4

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 20 يوليوز 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Abdou Abdelgawad منذ 3 سنة
عرض تحليلى رائع وعميق نسأل الله السلامة لوطننا العربى ولشعوبه المغلوبة على أمرها المنكوبة بحكامها .. تحياتى وارجو لكم التوفيق دائما
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا