أنا التي وجدتها ولم تجد غيرها..أنا التي احتضنت قلبك و جمعت أشلائه بعدما كسرته غيري..أنا التي طبطبت جرحك الذي فتحته غيري..أنا التي عفت عن جرائمك بعدما أعدمتك لأجلها غيري..أنا التي أوقدت الشموع حتى تستدل بها طريقك التي أغرقها الظلام بعدما غادرتك غيري..أنا التي غفرت زلاتك و احتملت ما لم تحتمله غيري..

     أنا التي مالت حتى تقيمك..انحنت حتى ترفعك..احترقت حتى تنيرك..دمعت حتى تسعدك..

     وأنا التي زهدت فيها..أنا التي أذقتها من كلماتك ما أدمنته حتى صارت مخدرات تغيب عقلها..أنا التي راضيتها بالوعود الملفوفة بالكذب..فالتهمتها على عجل خشية أن تندثر..وهي التي لا تصدق الوعود و إن امتثلت أمامها ووضحت وضوح الشمس في منتصف النهار..

     أنا التي منحتك روحها فصرت تقلبها بين يديك كالطفل يقلب لعبته على هواه..صار بقائي حقيقتك الحتمية التي لا دليل على وهمها..أما رحيلي فلم يكن يوما ضمن قائمة اختياراتك..

    أنا التي عزفت على أوتار حياتها و رغم أنك لم تتقن العزف يوما إلا أنك كلما حركت أصابعك كنت تسمع لحنا يطربك..لم تسمع يوما أنينا يزعجك..ولا صوتا يقض مضجعك..

     كنت النسيم الذي ينعشك تحت الشمس الحارقة ..وكنت الرياح العاتية التي تزعزع كياني..و العاصفة المدمرة..

     وها أنت ذا اليوم تقف بلا حيلة أمام الكابوس الذي لم يزر حلمك من قبل..تقف حائرا أمام رحيلي..انسحابي الصامت..عاصفتي الهادئة..ذهابي بلا عودتي..

     حتى إني لا أدري إن كان كابوسا سيؤرقك ما بقي من حياتك أم حلما مزعجا ستستيقظ منه لتجد من تحتضنك و تهمس في أذنك : "كان حلما فقط"..

   لكنك حتما لن تنسى أني كنت حلمك الشهي..وكنت حقيقتي المرة..

     لكني لا أرحل بسهولة..فامرأة مثلي لا تنتهي بهذه الطريقة ..و بهذه البساطة..امرأة مثلي تعشش في قلبك..تسكن شرايينك..و تجري مجرى الدم في عروقك..ستبقى عنوانا عريظا على كل صفحات حياتك..و خاتمة لكل فصولها..سيطاردك خيالها أينما حللت..فامرأة مثلي تبقى مصلوبة في ذاكرة من يعرفها ..ولا تموت أبدا..