الصهاينة ككيان لم يعودوا يهود فقط كما كان متعارف عليه في الماضي ، بل أصبح كيان يحتوي اليهود والمسيحيين والمسلمين ، فالحملات الصليبية فيما مضى وجدت الملاذ الآمن لها في تلك الأيام هي دولة الكيان الصهيوني وكذلك وجد المنافقين لمدعين انهم مسلمين الملجيء الثابت لهم في تلك الكيان المصطنع ، وقد نجح الصهاينة في تأجيج الصراعات بين المسلمين وذلك عن طريق زرع النعرات القبلية وبث مشاعر ما يسمى القومية العربية ونفخ بالونات الأنا والذاتية في الدول العربية من قبيل بعض الجمل والأقوال المتداولة مثل ( مصر دولة استراتيجية صاحبة أكبر حضارة ، المملكة السعودية الأرض الطاهرة المقدسة صاحبة السلطة على الدول العربية ، سوريا والعراق دول تفتقد للأمان لأنهم قبائل وعشائر يتسارعون لهذا ظهر الارهابيين هناك ، سلطنة عمان دولة صامتة ليس لها علاقة بالسياسة ، الأردن شعب يحب الصهاينة) كل تلك العبارات المتداولة تنتشر على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي ويرددها الناس كأنها حقيقة وينفث الذباب الالكتروني النار فيها اكثر حتى تشتعل وتتأجج الحرائق بين الدول العربية والاسلامية على حد سواء.

الحقيقة إننا نحمل هوية واحدة هي عقيدتنا الاسلامية ولا يوجد حدود بين الدول العربية والاسلامية ولا يعرف الاسلام ما يسمى قومية أو ما هو متعارف عليه في الجغرافيا والتاريخ من تقسيمات دولية وحدود تاريخية لأن الاسلام اخترق كل تلك الحدود ليجعلها في بوتقة واحدة ، ولو كان النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام يتمسك بأرض محددة لم يكن ليهاجر إلى يثرب رغم أن مكة هي الأرض المباركة وهي أحب بلاد الله إلى قلبه ولكنه لم يقف أمام المكان وقدسيته لأن القدسية لله وحده ، القدسية ليست للبلاد رغم ان البيت الحرام معظم ولكن ذلك ليس لذاته كبناء ولكن لكونه يقام به شعائر الله قال تعالى : ( (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) آية 32 سورة الحج. و القدسية كذلك ليست للسنوات و لا الشهور و لا حتى الأيام رغم أن هناك شهور لها مكانة مثل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولكنه ليس مقدس لذاته بل ان مكانته المميزة تعود لعظم الحدث الذي شهده هذا الشهر الكريم قال تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ آية 185 سورة البقرة

وكذلك يوم الجمعة الذي يعد ذا مكانة عالية في قلوب المسلمين ولكنه ليس يوما مقدسا لذاته بل هو معظم لغيره لأننا نقيم صلاة الجماعة التي تجمع أرواح واجساد المسلمين في كافة بقاع الأرض قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آية 10 سورة الجمعة .

تكمن عظمة يوم الجمعة في انه يوم ولادة آدم عليه السلام وان يوم القيامة سيقوم يوم الجمعة وهذا تصديق لقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في صحيحِ مسلمٍ فقد قال صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ).

لقد أضعنا أعمارنا في نزاعات فارغة على القومية والوطنية والدولية وهي صراعات صنعها الاستعمار الأجنبي بغرض شق صفوف الأمة الإسلامية وتمزيق جسدها لأن الاسلام لا يعرف وطن أو أرض وليس للقومية علاقة بالشرع الاسلامي والحدود بين البلاد لا يعرفها الاسلام ، وقد خلق الله الناس سواسية والعالم كله خلق لكي يعيش فيه الناس ولم تكن الحدود موجودة الا ما صنعته الطبيعة الالهية من بحار وجبال ووديان وسهول ، أما فيما عدا ذلك فهو لخلق الله ليس لأحد سلطة على أحد ولا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض الا بالتقوى .

قال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) آية 13 سورة الحجرات

زادت الحوارات والمشادات على مواقع السوشيال ميديا وأخذ المسلمين يبارزون بعضهم البعض ويراقب الصهاينة كل ذلك وهم يطيرون فرحا ولذلك ينفقون الأموال الطائلة من أجل زيادة تلك النقاشات والمجادلات وطرح الآراء بالحرية المزيفة التي يدعون انهم يتبعونها وهم ينفثون السم في كل كلمة وقد يعتقد أحدهم ان دولته هي العظمى فيتحمس في الدفاع المستميت عن وطنه فيسب هذا وذاك من أجل تلك التفاهات ويعتبرها قضية وهي في الحقيقة ليست الا فقاعة هوائية ينفخ الصهاينة فيها حتى تصبح كالبالونة الكبيرة التي تنفجر عندما تحين اللحظة المناسبة ، فقد يغتر احد البلهاء ويقول بكل تكبر وعنجهية أنا المصري ابن الحضارة والوطنية ليرد عليه آخر جزائري شعر بالاستفزاز لأنه اختص مصر دون الجزائر رغم ان الجزائر بلد المليون شهيد مما أثار غيظه فراح يسب المصري وتستفحل الخلافات الهزلية الغبية وتتسع الحوارات التافهة التي يتداخل فيها النخبة التي تدعي الثقافة من شخصيات جاهلة توظف تلك الأحداث من أجل الثرثرة وإقامة مؤتمرات الهلس وفي النهاية يشتهر هؤلاء الحمقى على حساب الشعوب العربية والاسلامية ، بل انهم يتطاولون في البنيان على أكتاف العالم أجمع ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل إلى مشارف النور