اعلم يا موفّق، أنه ورد في القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة. أن لله تعالى ذاتاً، وكل ذاتٍ حيّة توصف بأنها نفس، فلله تبارك وتعالى نفساً.

وأن لذات الله حدّ وغاية، حدٌ يدركه هو من نفسه، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدركه. وبالتالي، فله سبحانه وتعالى حجم لا يعلمه إلا هو.

وأن الله سبحانه وتعالى هو القدير الذي لا حدّ لقدرته. فكل ما تتخيل أن الله يقدر عليه، فهو قادر عليه سبحانه وتعالى وأكثر من ذلك بكثير، لا تدرك الأوهام كمال قدرته. فهو مستطيع لكل شيء.

إلا أنه سبحانه وتعالى يتنزه عمّا يرى هو سبحانه أنه لا يليق به وبعظمته وبكبريائه. لا لأنه لا يستطيع ذلك، فهو مستطيع لكل شيء، بل لأنه يتنزه عن فعل ذلك.

فلكمال قدرته سبحانه، يتحكم في حجمه، فلو شاء تعاظم حتى لا يكون شيء أكبر منه، وإن شاء أدنى من حجمه إلى ما شاء.

وأنه لكمال قدرته يجعل لذاته ثقلاً، وإذا شاء لم يجعل لها ثقلاً.

ولكمال قدرته سبحانه، جعل لذاته صورة، فليس الله تعالى مقيداُ في صورة لا تنفك عنه ولا ينفك عنها، ولو شاء سبحانه لم يكن له صورة، ولم يستطع أحد من خلقه أن يراه، وإن كان بجانبه.

وهو سبحانه يتجلى في الصورة التي يريدها ويختارها. وأن العباد سوف يرون صورته يوم القيامة، كما يرون الشمس والقمر، بأعين رؤوسهم، وبينهم وبينه مسافة، وبمقابلة.

وأنه يتجلى يوم القيامة لعباده في ثلاث صور: صورة يراه فيها جميع الخلائق عند الحساب. وصورة يراه فيها المسلمون والمنافقون فقط. وصورة، وهي أكمل صوره، ولا ينبغي أن يراه فيها سوى المؤمنون في الجنّة إن شاء الله تعالى.

وجعل لصورته التي اختارها لذاته، وجه، وعينان، ويدان، وقدمان. وجعل يديه يمين وشمال، وكلتا يديه يمين، في كمالها وعظمتها وجلالها وجمالها وبهائها. وجعل قدميه يمين وشمال، وهما مثل يديه في كمالها وعظمتها وجلالها وجمالها وبهائها.

وأن يديه وقدميه جوارح، فبيديه يبسط ويقبض ويطوي ويخلق ما يشاء، ويضع قدمه في النار، وتقول قط قط.

والجارحة هي الفاعلة، وجَرَح، بفتح الجيم والراء، بمعنى فعل، والجُرح بضم الجيم، وإسكان الراء، هو أثر الفعل.

وأنه سبحانه، تعتريه الانفعالات النفسية، فيغضب، ويرضى. ومع أن الله تعالى يغضب، إلا أن غضبه لا يدفعه إلى ظلم عباده. ومع أن الله يرضى، إلا أن رضاه لا يناله إلا من يستحقه. وذلك لكمال قدرته سبحانه، فهو يتحكم في انفعالاته النفسية، ولا تتحكم به.

وأنه سبحانه وتعالى يضحك حقيقة لا مجازاً، بمعنى الضحك الذي تعرفه العرب.

وأنه سبحانه وتعالى الرحمان، الذي كملت فيه صفة الرحمة، والرحيم، الذي تظهر الرحمة في أقواله وأفعاله.

وانفعالاته من الغضب والرضى والضحك والرحمة، صادرة من نفسه، بكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

وأنه لكمال قدرته، يتحرك، ويتنقّل، فيذهب ويجيء ويأتي، وينزل ويصعد، ويطوف في ملكوته. وأنه يفعل ما يشاء، وأفعاله صادرة من ذاته.

وأنه لكمال قدرته، يتكلم بصوت يسمع وحرف يفهم، وكلامه وصوته صادر من ذاته، بكيفية لا يعلمها إلا هو. وأن كلامه يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وإذا خرج صوته من ذاته، فلا يدرا ماذا يصير إليه، وهل الله يفنيه ويلحقه بالعدم، أو يرجع إلى ذاته كما صدر منها. وأنه لا يدرا ما كنه صوته. إلا أنه صوت يسمع. وهو في كنهه لا يماثل أصوات خلقه، والفارق بين صوات الله، وبين أصوات المخلوقات، كالفارق بين ذات الله تعالى وذوات خلقه، فصوت الله ليس بمخلوق، كأصوات المخلوقات.

وأنه قادر سبحانه وتعالى أن يكلم كل شعب بلغتهم، ويكلم كل دابة وطائر بكلامها، وكيف لا يستطيع ذلك، وهو من علم مخلوقاته لغاتها التي تتخاطب بها.

وأنه لكمال قدرته يسمع بسمع، وأن الأصوات تصل إلى ذاته، فيسمعها بكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه، ولكمال سمعه، وسع الأصوات، فلا يخفى عليه شيء من أصوات مخلوقاته، حتى أنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء، ويستطيع التمييز بين الأصوات، وإن على عجيجها وكثر صخبها وضجيجها، يسمعها في وقت واحد، كما لو كان لا يستمع إلا لشخص واحد.

وأنه لكمال قدرته يبصر ببصر، وأن الصور تصل إلى ذاته بكيفية لا يعلمها إلا هو، فيرى المرئيات، وبصره ليس مقيداً بعينيه، ذلك أنه لم يجعل لصورته عينان إلّا تجملاً، فهو يرى من جميع الجهات، ويرى جميع الصور، لا يخفى عليه منها شيء، حتى أنه يرى النملة السوداء على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء، ولا تحجب الصور بعضها بعضا عن بصره، بل يرى الصور وهي من وراء الصور، في وقت واحد، كما لو كان لا ينظر إلّا لصورة واحدة.

وأنه لكمال قدرته، عالم بعلم، وقد أحاط علمه بكل شيء، فمن وسع سمعه الأصوات، ووسع بصره المرئيات، لا يعزب عن علمه شيء، ولكمال علم الله تبارك وتعالى أنه يعلم ما كان في الماضي وما يكون في الحاضر وما سوف يكون في المستقبل وما لن يكون لو كان كيف يكون. وأنه كتب المقادير في الكتاب، من غير حاجة منه إليه، ولكن ليطمئن خلقه أن ربهم لا يضل ولا ينسى.

وأن جميع صفاته، متعلقة بذاته، وليست خلقاً من خلقه، بل صفات الله من الله، وليس من الله شيء مخلوق.

وأنه مع تعدد صفاته، إلا أنه شيء واحد في ذاته، فمع أن صفاته أجزاء وأبعاض في اسمائها وهيئاتها، إلا أنها شيء واحد، لأنه أحد في كل شيء، أحد في ذاته، أحد في كمال صفاته، أحد في ملكه، أحد في خلقه، أحد في أمره ونهيه، أحد في ربوبيته، أحد في ألوهيته.

وأنه سبحانه وتعالى كان ولا مكان ولا زمان. فخلق الأمكنة واصطفى له منها مكاناً وهو العرش، مع كمال غناه عنه، ولكنه كما أنه خلق الأكوان، وما فيها من مخلوقات، وأمر فيها ونهى، وسخّر عباده لخدمته وعبادته، من غير حاجة منه لذلك كله، فكذلك خلق العرش واصطفاه ليكون مكاناً له، من غر حاجة منه له. إنما الله يفعل ما يشاء لأنه على كل شيء قدير. فهو مستو على عرشه بذاته، أي: اعتدل في علوه وارتفاعه وصعوده واستقراره على عرشه، ولا يكون هذا إلا بمماساة على العرش وتمكن عليه، والعرب لا تقول استوى الشيء على الشيء إلا أن يكون مماسا له متمكنا عليه، وهو ما تعبر عنه العرب بالجلوس والقعود. وخلق الله الأزمنة وحدّ له منها زماناً، فمقدار يوم واحد عند الله تعالى، يساوي ألف سنة، من أيامنا.

وأنه سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، قد علا على مخلوقاته بذاته، فهو بائن منهم منفصل عنهم، بذاته، وعلا عليهم بسلطانه وغلبته وقهره.

وأنه قادر على أن يحل ويتحد في مخلوقاته، أي: يمتزج بها كما يمتزج السكر بالماء، ولكنه تنزه عن ذلك، لأن ذلك لا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، لذلك بان من خلقه، وانفصل عنهم، إلى أشرف الجهات، وهي جهة العلو، فهو متحيّز في جهة العلو.

ومن كمال قدرته سبحانه، أنه قادر على أن يتجلى في أماكن عدة في وقت واحد، فهو بين المصلي وبين قبلته، وفي نفس الوقت، نازل في السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، عند من عندهم الوقت ثلث الليل الأخير، وفي نفس الوقت هو على عرشه، فوق سماواته، عند باقي مخلوقاته.