يا لّله! قَصدتُ موقعًا بحثًا عن سندٍ لحديثٍ مَا، فطرقنِي العُنوان وأغرقنِي أعمقَ ممّا نويتُ وأنا أهمّ بتصفّح المقالِ..

"بين مجَالسنا ومجالس الصّحابة"

الله الله في تِلكم المجالس وفيها عُمر، وعُثمانُ وعبدُ الرحمنِ ومعاذٌ وعبِادُ الله بن عبّاس وبن عامرٍ وبن مسعودٍ وطلحةُ والزّبيرَ وسعد.. والكثيرَ الكثيرَ ممّن شهدَ لهم نبيّ الله :"أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم "

للهِ درّها من مجالسٍ، يجلسُ أحدهم إلى أخيه فيجدُ فيهِ شيئا من ريحِ رسولِ الله ويخيّل إليهم في تلفظاته أنّه صوتُ محمّد بن عبد الله .. في نظراتهم، في دعواتهم، وهم يثنون ركائبهم في رحاب المساجد المسجّاة برِمال صحارى جزيرة العرَب، يخالُ الناظرُ فيهم لوهلة أنّهم يخبّصونَ أقَاصيصَ من تاريخِ الجاهليّة حتّى يجلسَ بينَهم فتنكشفُ الغشاوة ويبانُ النّورُ عيانًا، نورُ المؤمنين، نورُ الصّادقين، نورُ التقاة الأوّابين.. إنّهم ءامنوا في أوْنٍ قُطّعتْ فيهِ الأطرَاف وكُشْطت فيه الجلود ليغلوا كلمة "إلهٌ واحدٌ" في الحناجر حالَ أن تُلفظ أو حتّى قبلَ أن تُنطق، مجرّد أن يبانَ على أحدهم أنّه ءامنَ لمحمد.. فيأبى الله إلاّ أن يكسيهم نورَه ويُلبسهُم فضله ويُسبغُ عليهِم نعمَهُ ظاهرِها قبلَ باطنها "ليَغيظ بهمُ الكفّار".

يلقى عندهم صاحبُ الحاجة حاجته، اولئك الذين إذَا اصطكّت بهم السبُل وشعُثوا واغبُروا ولم يجدوا لهمْ بابًا كانت لهم مجالسُ الصّحابة معراجًا نحوَ السّماء.. لا يرضونَ أن يتخلّف فيهمْ مؤمنٌ إلاّ وهزوه من عرى ثوبهِ وقلبِه هزّا عنيفًا يعيدُ الشّاردَ لمأمنه ..

في زمنٍ غيرِ بُعيدٍ، كنتُ أجدُ ريحَ هاتهِ المجالسِ وإنْ لم يكن الجالسون صحَابة لكن كانوا حديثي عهدٍ بالإستقامة -لنقُل حديثي عهدٍ بالإسلام، ثمّ فتُرت مجالسنا حتّى أمحقت ..

وتُركتُ وحيدًا شريدًا أنازعُ نفسي تارةً ألقَاها طيّعة وتارةً عصيّة كلّما ذكرتهم، لهجَ فيّ صوتٌ دونَ مشيئَة منّي "لا أحبّ الآفلين"..

هذَا الفيصلُ بينَ مجالسنَا ومجالسِهم، أنّهم كانُوا رجَالا مطمَعهم أن يكونَ المسلمونَ حصنَا حريزًا لدينِ الله فأحسنُوا البنَاء.

ونحن!! همّتنا أنفسُنا وشغلتنَا عن بنَاءِ جيلٍ همّه الدّين قبلَ أن يكونَ همّه التنافسُ السقيم، لا الحميد الذي ختامه مسك، ختامه رفعة .. تنافسٌ غايته "نفسي نفسي" !!

لفتة (باختصار شديد)