هل الماركسية اللينينية ثورية أو رجعية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
هل الماركسية اللينينية ثورية أو رجعية؟
نشر في 07 شتنبر 2014 .
هل الماركسية اللينينية ثورية أو رجعية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
أبدأ بالتعريف الشخصي للمفاهيم التي سأستعملها في هذا المقال غير الأكاديمي:
- ثورية تعني تُطور مكاسب المواطن النسبية مثل مستوى المعيشة المادي و الاجتماعي للعامل و الديمقراطية التمثيلية و انتخاب رئيس الدولة و حرية الفن و التفكير و الإبداع و استقلالية النقابات و التعددية الثقافية و الحزبية و الدينية و احترام حقوق الإنسان و احترام سيادة الشعوب و غيرها من المكاسب، و هذا ما لم تفعله - للأسف الشديد - الماركسية اللينينية.
- رجعية تعني التراجع عن كل هذه المكاسب و هذا ما فعلته - للأسف الشديد - الماركسية اللينينية.
قلت الماركسية اللينينية و لم أقل الماركسية، و أقصد بالأولى الماركسية التي طُبِّقت في الاتحاد السوفياتيي و دول أوروبا الشرقية و يوغسلافيا و ألبانيا و لا زالت تُطبَّق حتى اليوم في الصين و كوريا الشمالية و كوبا و فيتنام. لا يعني هذا أنني أستثني من النقد النظرية الماركسية نفسها و هي التي كانت تمثل المرجعية الفكرية الوحيدة تقريبا للينين، و لكنني شبه واثق أنه لو كان ماركس و لينين أحياءً لاختارا مثلي النموذج الاشتراكي الديمقراطي المطبق اليوم في الدول الإسكندنافية، و لانتقدا بقسوة مثلي أيضا التجارب الستالينية و الماوية.
منهجيا، سأنقد الماركسية اللينينية انطلاقا من مبادئ النظرية الماركسية نفسها:
- بشّرت الماركسية بجنة فوق الأرض فحقق ستالين و ماو معتقلات و مجاعات و فظاعات فوق الأرض.
- بشّرت الماركسية بتحرير العامل من الاستغلال و التبعية و الاستلاب للدولة البورجوازية و الطبقية الرأسمالية، جاءت الماركسية اللينينية و ألغت الأخيرتين لكنها عوضتهما بأبشع منهما:
1. مكان الدولة البورجوازية أرست أشرس جهاز قمعي سلطوي في التاريخ، يقولون للدفاع عن الثورة من أعدائها الخارجيين و الداخليين و هو في الواقع قَمَعَ و قتل و رحّل و هجّر و شرّد و سجن الملايين من المثقفين و المعارضين. يقولون ستالين هزم هتلر و يتغاضون عن ذكر تبعات النصر التي غيرت حسب رأيي مسار و مستقبل الشيوعية في العالم منذ 1944 :
أولا، هزمه بإعانة مادية عسكرية كبيرة على شكل هبة ملغّمة و طُعم مسموم من عدو الشيوعية الاستراتيجي ممثَّل في دول الحلف الرأسمالي الامبريالي.
ثانيا، حسب تحليلي غير العلمي دخلت الماركسية اللينينية في نفق الفشل و الانهيار منذ مؤتمر يالطا سنة 1945 (و بعد أقل من نصف قرن سقطت فعليا و نهائيا سنة 1989 ، تاريخ سقوط جدار برلين، و دفنوها سنة 1999، تاريخ استرجاع مقاطعة هونج كونج من قِبل الصين التي أصبحت منذ ذلك الحين نظاما برأسين، نموذج شيوعي متعايش مع نموذج رأسمالي و البقاء للأصلح!) حيث أمضى ستالين مع روزفلت و شيرشل على وثيقة تقسيم العالم بين المنتصرين الثلاثة في الحرب العالمية الثانية التي بموجبها قَبِل ستالين بتقوقع الشيوعية الأممية في بلد واحد هو الاتحاد السوفياتي و بموجبها أيضا تخلى مكرها أو انتهازيا أو طوعيا عن نصرة عمال العالم الذين دعاهم لينين "يا عمال العالم اتحدوا" و أعطي أوامره بعدم استلام السلطة للأحزاب الشيوعية الستالينية القوية حينذاك في العالم الغربي الرأسمالي كالحزب الشيوعي الفرنسي الذي سلّم السلطة مجانا لديقول.
- بشّرت الماركسية بتحسين مستوى المعيشة المادي و الاجتماعي للعامل مقارنة بوضعه المزري في الدول الرأسمالية المعاصرة، جاءت الماركسية اللينينية فأصبح العامل، غير المحظوظ في "جنتها الموعودة" في الاتحاد السوفياتي سابقا و اليوم في الصين و فيتنام و كوريا الشمالية، يظهر و كأنه بروليتاري رث جنب زميله العامل نصف المحظوظ في "الجحيم الرأسمالي المنبوذ" في الدول الغربية و اليابان و كوريا الجنوبية. في "الجحيم الرأسمالي المنبوذ" يتمتع العامل بأجر أعلى و تغطية صحية أفضل خاصة في أوروبا الغربية، يقولون من الاستعمار و نهب ثروات بلدان العالم الثالث و هل البلدان الشيوعية لم تفعل ما نهت عنه الماركسية نفسها؟ فعلت مثل زميلاتها الرأسمالية أو أكثر، استعمرت جاراتها (روسيا استعمرت جاراتها البلدان الأخرى المكونة كرها لِما يُسمى زورا و بهتتانا الاتحاد السوفياتي و استعمرت بعدها دولة أفغانستان، الصين استعمرت جارتها دولة التبت، فيتنام استعمرت جارتها دولة كمبوديا) و ساندت أنظمة ديكتاتورية لنهب ثرواتها الطبيعية أو استعمال موانئها الإستراتيجية (الصين ساندت نظام موبوتو في الزايير سابقا و نظام البشير في السودان، الاتحاد السوفياتي ساند نظام صدام و بشار).
- بشّرت الماركسية بإنسان حر يصنع تاريخه بنفسه، جاءت الماركسية اللينينية كالقضى العاجل فأصبح مستقبل شعب بأكمله تقرره حفنة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الواحد و في كثير من قضايا الشعب المصيرية يُفتي "إمام" واحد معصوم يُدعى لينين أو ستالين أو ماو أو كاسترو أو أنور خوجا أو إيميل سونج.
- بشّرت الماركسية بحرية الفن و الأدب و الفكر و الإبداع، جاءت الماركسية اللينينية فخيبت آمال المثقفين جميعا و كممت أفواه المعارضين أو قتلتهم أو اعتقلتهم بنفس التهمة السخيفة "ثورة مضادة" و دجنت الفن باسم الواقعية الاشتراكية لخدمة الدعاية الشيوعية المزيفة مما مسخ مسرحي مبدع مثل بريشت الذي خلعته الشيوعية من عرشه كفنان حر و جعلت منه فنانا ملتزما بوقا موظفا لسخافاتها.
- بشّرت الماركسية بالحرية، جاءت الماركسية اللينينية فألغت الديمقراطية و لم تعوضها بديكتاتورية البروليتاريا (مع العلم أن البروليتاريا بالتحديد الماركسي للمفهوم لم تكن إبان الثورات الشيوعية أغلبية و هي لم و لن تكون أغلبية حتى في البلدان الرأسمالية بل على العكس أصبحت طبقة في طريق الانقراض بفضل المكننة و الروبوتيك) بل عوضتها بديكتاتورية الحزب الشيوعي الواحد، ديكتاتور على العمال و الفلاحين و الموظفين و العلماء و الفنانين و الأدباء و جميع المثقفين و المتدينين و الأقليات و الأرض و السماء، و ألغت استقلالية النقابات و التعددية الثقافية و الحزبية و الدينية و احترام حقوق الإنسان و احترام سيادة الشعوب و عوضتها بالحزب الواحد (الشيوعي طبعا) و الدين الواحد (الإلحاد في عهد ستالين يُدرّس في الجامعات و الكنائس و الجوامع تُهدَم فالدولة الشيوعية إذن ليست عَلمانية) و الثقافة الواحدة (الشيوعية هي مستقبل الشعوب الأوحد و نهاية التاريخ).
- إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي إسلامي، شاء اليسار التونسي اللائكي - على المنوال الفرنسي - أم أبَى!
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 7 سبتمبر 2014.
التعليقات
تحية أوجهها مباشرة لأصدقائي " الماركسيين اللينينيين" التونسيين:
تحية من القلب و ليست تحية مجاملة. رغم الاحترام الشديد الذي أنه لكم، كتبت اسمكم بين ظفرين لأنكم لستم ماركسيين لينينيين. أطلِقت هذه التسمية على المثقفين الصينيين، رفاق ماو في الثورة الصينية الشيوعية، و قد كانوا فعلا كذلك، كانوا مثقفين محاربين جنرالات حرب طبقية. أما أنتم فعرفتكم و صاحبتكم و عهدتكم مسالمين غير محاربين. لماذا تتمسكون بالماركسية اللينينية مرجعية مسكوت عنها و تمارسون الاشتراكية الديمقراطية في خطابكم و نشاطكم السياسي فتخسرون الاثنتين معا و تخسرون معهم شعبيتكم و نضالاتكم على مدى نصف قرن و تجنون في الانتخابات ما لا تستحقون؟
أنا أسألكم بكل حب و تقدير و صدق: لماذا لا تتصالحون قولا و فعلا، سرا و علنا، مع ناخبيكم المحتملين المتدينين المعتدلين و مع اليساريين الاشتراكيين الديمقراطيين و تنقدون صراحة و علنا فشل الماركسية اللينينية و تعلنون علنا تبنيكم للاشتراكية الديمقراطية مرجعية فكرية و ممارسة سياسية؟
النقد التالي إذن لا يعنيكم أنتم بالذات!