رؤى الحجاز

فيصل البكري

أكثر العبارات التي رددها الكبير وتعلمها الجاهل وأيقن بها الصغير.

فكم حذر العقلاء والنبلاء من مغبة التغاضي عن التصريحات "الطرزانية" التي يكتبها البعض ثم ينشرها عبر مجموعته من أجل أن يطبل له رفاقه لينتشي ذلك "الطرزان" فرحا. رافعآ عقيرته دون النظر لعواقب ما يسطره ذما في الأخرين.

أتذكر جيداً أنني نشرت عام ١٤٣٤هـ. في صحيفة البلاد مقالا. بأنه بات من الواجب التصدى بحزم لكل من تسول له نفسه الذم والإفتراء على البعض من أجل كسب مزيد من نشوة المؤيدين والحاقدين أصحاب النفاق والشقاق.

وطالبت حينها الضرب بقوة على يد كل من لا يراعي قانوناً ولا يحترم ميثاقاً أياً يكن وضعه ومهما يبلغ نفوذه وسطوته.

وما أردت الوصول إليه وأنا أتابع ما سيقع فيه ذلك "الطرزان" الذي أفرح رفاقه بما كتبه على أحد أقربائه. متهما إياه بهدر المال للعزائم والولائم من صندوق المستحقين. بأنه سيساق مُقبل غير مُدبر بين ليلة وضحاها إلى أروقة المحاكم لينال عن ما اقترفه حكمآ شرعيآ لا مناص منه قد يصل للسجن والتعزير.

وبما أنني عاجز عن الدفاع عنه في ظل الأجواء الملتهبة التي نعيش فيها منذُ أزمة الشدة المنتصرية التي حدثت في أرض الكنانة.

فأحببت من خلال أسطر مقالي أن أنوره "مثوبة" لما سيقع عليه من اجراءات بعد الحُكم عليه أثناء إقتياده لمحبسه القادم.

كن ياعزيزي وأثق الخطى مطيعآ لأوامر رجال الأمن حتى لا تساق بالرفس والركل.

فمن طبل لك وأضحكتهم بما أتهمت به غيرك قد تواروا عنك وهذه سُنة الأغبياء.

ستصل لمركز الشرطة ثم يتم الزج بك لغرفة التوقيف.

فلا تتفاجئ إذا أرتميت في أحضان لونها سوداء ورائحتها أشد من رائحة الحذاء.

فتقبل الأمر بحلم بلا عناء.

غذاؤك كبسة مخلوطة بسلطة خضراء. ومن فوقها قطع من الدجاج يغطيها أوراق من الجرجير نصفها تميل للإصفرار.

فلا تبتئس مما تراه فالجميع قد أعتاد من كثر البقاء.

يومان وستسمع "الخفير" بصوت جهوري ينادي على معاليكم لترحيلك لفندق ذهبان.

تذهب طواعية دون اعتراض وما هي إلا نصف ساعة أو تزيد وستصل لفسحة كلها سياج محاطة برمال وجبال.

يستقبلك رجال يرتدون "بريهة" لونها حمراء.

يتولى واحدٍ منهم تفتيشك وأنت عاري بدون رداء. خوفا من إخفاؤك بودرة بيضاء.

تدخل على صالة فيها الكثير من السجناء.

يُطلب منك الوقوف أمام الكاميرا لإلتقاط صورة للذكرى من أجل إستخراج كارت يدوّن تحت صورتك البهية عبارة محكوم.

خذ يا عزيزي الأمر بدون حزن وبكاء.

تساق لصالة أخرى يتم فيها حلق الرأس تظهر حينها فروة رأسك تتلألأ مع الإضاءة الصفراء.

يمنحك خفير المستودع بدلة عرسك. لونها زرقاء وكيس بداخله غطاء.

ثم تسير مع خفير أخر يقودك للفندق الذي ستنزل فيها أيام وشهور.

يستلمك خفير "العنبر" ذات الشوارب التي يقف عليها صقر حوران.

ويدخلك لعالم جديد فيها النصاب والدجال.

تختار إحدى الغرف التي يسكنها ستة من أهل السوابق والإحتيال.

أصطحب معك كروت شحن سوا من فئة الخمسون ريالآ لتتمكن من التواصل مع أسرتك. فلا مكان للجوال داخل عنابر السجناء.

وإذا ما فكر أحد في زيارتك فكان الله في عونه من التفتيش والانضباط. فمن خلف حائط زجاج تتحدث معه عبر هاتف كالذي تتحدث منه مع سائقك وأنت في الدار. خمسة دقائق ويأتي من خلفك جندي ينزع من يديك سماعة الهاتف ويأمرك بالعودة للعنبر الذي تقضي فيه يومك وأنت تقول ما قاله الحجاج بن يوسف… مالي ومال سعيد.!

ومع بداية كل أسبوع تساق لساحة السجن ليكرمونك بمائة جلدة من يد الخفير "صنيطان" وأنت تقول يارحمن.

تقضي محكوميتك بكل هدوء ثم تخرج بأمان لتجد من ذميت فيه لا زال يقود المكان والله الموفق…