صلاة الحب و النصر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صلاة الحب و النصر

فلسطين بعد التحرير (قصة قصيرة)

  نشر في 25 أكتوبر 2021 .

فتح عينيه بصعوبة فبهره الضوء الساطع متدفقا إلى خلايا عينيه المورمتين..صدرت عنه آهة خفيفة قبل أن يبسط كفه فوق عينيه محاولا حجب الضوء...

حينها تم جهره بالضوء أيضا! قضى أياما عصيبة وهو معرض للضوء الشديد دون أن يستطيع إغماض عينيه المحمرتين بسبب الإجهاد..لم يستطع وقتها حجب ذلك الضوء اللعين،فيداه مقيدتان إلى الخلف،و كل جسده مربوط بالكرسي المتآكل الذي يجلس فوقه دونما حراك...

حتى لون جدران الغرفة الرتيب الذي يبعث في نفسه السآمة القاتمة و هو يتطلع إليه مجبرا كامل يومه طيلة أشهر اعتقاله،لم يعد الآن قادرا على تبينه..كان يكره تأمله لدرجة أنه حين ينقل لقسم التحقيق،تتملكه نوبة من الجذل لمغادرة هذه الزنزانة اللعينة و لو لدقائق رغم علمه بما ينتظره من فنون التعذيب في غرفة التحقيق!

خارت قواه يومها بعد أن ذاق صنوفا من العذاب،تحملها بجلد نادر و ثبات أبي،لينهار بعدها بسويعات و يفقد وعيه...

أجال عينيه بصعوبة في المكان،فتراءى له مغرقا في الضبابية دون أدنى وضوح..

فقط أدرك أنه من الممكن أن يكون في المستشفى..انتبه لأول مرة إلى يديه المضمدتين،ليزداد يقينه بأنه في حالة علاج..تمالك نفسه محاولا النهوض قبل يشعر بأحدهم يضع يديه على كتفيه في رفق مثنيا إياه عن النهوض،قبل أن يهتف هذا الشخص:"أرجوك لا تجهد نفسك يا جهاد، ارتح ..."

و خفق قلبه في قوة، إذ لا يمكنه أبدا أن ينسى صوتها،لقد كانت هي!

فتح جهاد عينيه حينها في ألم ممض ليتبين أنه قد تم نقله مع ثلة من الأسرى إلى إحدى المستشفيات...أحس بحرقة شديدة في عينيه المنهكتين،فحاول رفع يده بتلقائية لدعكها قبل أن ينتبه إلى أن كلتا يديه مربوطتان بالسرير بواسطة القيود. تناهى فجأة إلى مسامعه صوت أحد الجنود الصهاينة صارخا على مقربة منه في عربية ركيكة:_"و ما شأني أنا به؟!! فلتقم بجبر كسوره بسرعة حتى نعيده اليوم مع البقية إلى المعتقل..".

ليهتف شخص آخر هاتفا في حدة:_" لقد قمنا بجبر كسوره بالفعل،لكن حالته لا تزال غير مستقرة مما يستوجب بقاءه هنا مدة أطول حتى يتماثل للشفاء،كما أنه يعاني من تعب بصري شديد لم يستطع تجاوزه بعد و..."

صرخ به المجند الصهيوني مرة أخرى:_"فليذهب إلى الجحيم...إن موت هذه الشياطين اللعينة هي غاية ما نتمنى..إسمع يا دكتور نفذ ما طلبته منك و إلا سيكون لقيادتنا شأن معك!"

أجابه الطبيب في حزم:_"حسنا،لقد قلت ما لديك. كفى تعطيلا لنا الآن و غادر الغرفة. هيا دعنا نقم بعملنا لو سمحت."

همهم الجندي بكلمات غاضبة قبل أن يغادر الغرفة،ليقترب الطبيب من جهاد و يتأمله في إشفاق ثم يسأله:_"كيف تشعر الآن يا بني؟"

حاول جهاد في إعياء النظر إلى وجه الطبيب،فلم يتبين منه سوى بضع ملامح،ليدير وجهه متألما و هو يقول:"أصدقني القول يا دكتور،هل هناك احتمال بأن أصاب بالعمى؟"

أجابه الطبيب بنفس النبرة المنطوية على الإشفاق:"كلا يا بني اطمئن،إنه انتفاخ خفيف سيزول بمجرد العناية به.أنت ارتح الآن و لا تشغل بالك بهذا الأمر.أنا سأرسل خلف الممرضة و هي ستتولى الاهتمام بك."

لم يرد جهاد عليه،بل أغمض عينيه بشدة كأنما بدا مستسلما لقدره..

تمدد جهاد من جديد على فراشه في إذعان و هو يحاول التطلع إلى وجه الفتاة. بدا و كأنه يبذل قوة و جهدا كبيرين ليحاول التأكد منها،لتبتسم هي من جديد و تقول:"لقد قلت لك لا داعي لأن تجهد نفسك،إنك بذلك تزيد من سوء حالتك. يجب أن تستسلم كليا للراحة،فقد تعرضت إلى إصابة بالغة الخطورة،تم تجاوزها و الحمد لله. إلا أن ذلك لا يحول دون ضرورة خضوعك للمراقبة و.."

هتف بها مقاطعا:"هل أنت هي؟"

تأملته لحظة قبل أن تبتسم من جديد و هي تتناول كمادات ثلج لتضعها فوق عينيه مجيبة إياه:"من؟!"

هنا خفق قلبه من جديد،إنها هي، حقا هي!

أفاق جهاد من غفوة استسلم إليها جراء الآلام التي تنهشه. صدرت عنه أنات خفيفة و هو يحس ببرودة شديدة في عينيه،انتعش لها في واقع الأمر كثيرا.

أحدهم يمرر بلين كمادات باردة فوق مقلتيه،ليتلذذ برودتها التي بدأت تخفف تدريجيا انتفاخهما.

فجأة سمع صوتها:" _هل أيقظتك؟!"

كان صوتا لا يشبه أي صوت قد سمعه في حياته..لا يشبه حتى أهازيج جدته التي طالما طرب لها في صباه و لا صوت أمه منطلقا بالشدو و هي تجلس القرفصاء في فناء دارها،منهمكة في حياكة قميص صوف لشقيقه الأصغر..كان صوتا غريبا عنه و لكنه في نفس الوقت بدأ له مألوفا. صوت يحوي خضما كبيرا من الود و الرقة و الحنان.

سألها في صوت واهن ضعيف رغم محاولته أن يبدو أكثر صلابة و تماسكا:_"من أنت؟"

أجابته بنفس النغمة الحنون:"أنا الممرضة. كلفني الدكتور أن أقوم بمعالجة تورم عينيك. بالمناسبة كيف تشعر الآن؟"

أجابها في لهجة حاول أن يكسيها بعض الصرامة:"_بخير، إني بخير. أشعر أنني أفضل حالا".

كان يكره أن يتطلع إليه الآخرون بإشفاق و لو كان يسوم من العذاب ألوانا. ربما لم يكن قد تبين النظرات المشفقة التي تحاصره من الأطباء و الممرضين بمرآة العين و لكنه أحسها حقا كما أحس بمقت شديد تجاهها...

لم تجبه الممرضة و إن أحست بأنه لم يصدقها القول و بأنه فقط يكابر كي يخفي عنها آلامه،لتشعر بإعجاب ينمو تجاهه في داخلها. إذ طالما أعجبت بقصص المقاومين و بطولاتهم الفذة و انتصاراتهم الجمة التي طالما حققوها مثيرين بذلك الجزع و الرعب في أفئدة العدو الجبان الذي رغم وفرة جنده و عتاده يفزع لصاروخ يسقط على أحد بنيانه أو سيارة فدائي مفخخة تعترض إحدى دباباته..

ولربما كان دافعها للالتحاق بكلية التمريض رغبتها أن تلتقي يوما بأحد هؤلاء الأبطال لتبذل في سبيل إسعافه ما بذله هو من جهد لتحرير هذه الأرض المباركة...

دارت هذه الخواطر بعقلها في طرفة عين قبل أن ترفع الكمادات عن عينيه و تنهض ملقية عليه نظرة أخيرة و هي تقول:_"ليشفك الرب".

فغمغم جهاد في خفوت بكلمات شكر،لتغادر الغرفة.

_"أجل إنها أنت..متأكد من أنك أنت هي!"

هتف جهاد و قد أجهده الصباح و الإنفعال و هو يحدق فيها بإصرار و قد بدأت الغشاوة الضبابية تنزاح عن طيفها شيئا فشيئا.

أجابته في حنو:"بلى،إنها أنا.ها نحن أولاء نلتقي من جديد يا جهاد..لقد صدقنا عهدنا نحن الإثنين و التقينا في الزمن و الوقت المناسب،زمن النصر!"

اغرورقت عيناه بالدموع و هو يتأملها..إنه يراها الآن،يراها بكل وضوح؛الفتاة ذات القامة الهيفاء و القسمات الملائكية الهادئ.يفتر ثغرها عن ابتسامة عذبة و تتدلى على صدرها قلادة تحمل رسم الصليب.. و قفز إلى ذهنه فورا ذلك المشهد...

دخلت إلى الغرفة واجمة،كان جهاد حينها نصف مستيقظ،لكنه شعر بدخولها. جلست بجواره و قالت في هدوء:_"يتعين علي الآن أن أحقنك".

تأملها و هي تخرج الإبرة من الزجاجة بعد أن مسحت ذراعه بقطعة صغيرة من القطن،كانت تبدو مضطربة للغاية. نظرت إليه بدورها و همت بالتكلم غير أن التردد غلبها. لم يقل شيئا، وظل ينظر إليها منتظرا ما ستقوله.

و بعد هنيهة من الصمت تكلمت أخيرا. قالت في خفوت و هي تنظر نحو الباب في توجس:_"سيعيدونك إلى المعتقل اليوم.إنهم ينون أخذك من هنا بعد ساعة".

ظل ينظر إليها في صمت و كأن الأمر لا يعنيه. استفزتها نظرته تلك،فقالت في صوت عال:_"لماذا تنظر هكذا بلا مبالاة؟" سكتت قليلا لتقول من جديد بصوت خافت:_"أقول لك أنهم ينوون إعادتك إلى المعتقل من جديد. لقد سمعت أحد العسكريين الصهاينة يتبرم من وجودك هنا و خضوعك للعلاج،و يتوعد بقتلك بعد أن يجبرك على الإدلاء بكل ما لديك من اعترافات."

أجابها جهاد و نفس النظرة المفتقرة للمبالاة تعلو وجهه:_" و ما المزعج في الأمر بالنسبة لك ؟"

هتفت به في دعشة:"ألا يعنيك ما قلته لك؟ إنهم سيقتل.."

قاطعها في حزم:"أجل لا يعنيني هذا الأمر في شيء .إنني أعلم أن هذا مصيري منذ البداية و أكرم به من مصير. منذ أن انخرطت في سلك المقاومة و انا أعلم أن النهاية ستكون النصر سواء مت أو حييت. فإن مت فإنني سأحظى بنعمة الشهادة، و إن عشت فسأفخر بهلاك أعدائي و تحرير وطني الحبيب."

ردت عليه في التياع:_"سيقتلونك،لن تعيش. و سيحرم منك أهلك و رفاقك و محبوك. إنهم يقتلونكم فردا فردا في كل مرة..إن معتقلاتهم تزخر بكم..إذا استمروا في محاولة التخلص منكم..من سيبقى لفلسطين حينها؟!"

أجاب في قوة و دلائل العزم تبزغ في محياه:_"فليقتلونا،لترتو الأرض بدمائنا.لتمتلىء سجونهم بأسرانا. لن نستسلم أبدا و سيزداد شعبنا وعيا أكثر فأكثر. سيتفجر بركان الغضب الشعبي حين تحين ساعتهم و ستلتهم حممه فئرانهم و عتادهم و سطوتهم و قوتهم الجوفاء."

_"ولكن.."

_"لست أحتاج شفقتك و لا شفقة غيرك. فقلوبنا قدت من صخر و عزائمنا انبثقت من رحم الإباء."

رمقته بنظرة صارمة قبل أن تقوم بحقنه ثم نهضت في خطوات متثاقلة،لتستدير و تواجهه بنظرة صارمة:_"ربما لا تحتاج عطفي و لا شفقتي،لكنني أحتاجك.." نظر إليها في دهشة قبل أن تكمل "جميعنا يحتاجك،هذا الوطن يحتاجك و لن أتركك لهم" ثم غادرت.

ابتسم جهاد و هو يتأملها قائلا:_"ل تعلمين أنك لم تخبريني عن اسمك وقتها؟"

بادلته نفس الإبتسامة و هي تجيبه:_"جيفارا..جيفارا الخوري،من بيت لحم".

_"إنني لا أنسى حسن صنيعك أبدا."

_"لم أقم إلا بواجبي. لقد كان لزاما علي وقتها انتشالك من براثن جبروتهم.كان يجب أن تعود إلى مكانك الطبيعي وسط صفوف المقاتلين. لقد تعاهدنا حينها على النصر. وهاهو زمن النصر أتى!

مر وقت قليل،لتقتحم الغرفة فجأة و تواجهه في تحد و هي تعقد ساعديها أمام صدرها قائلة في حسم:_"لقد قررت أن أهربك من هنا."

بوغت جهاد بما قالته و هتف بها و هو يغالب آلام جراحه_" ماذا تقولين؟ هل تعلمين على أي خطر أنت تقدمين؟"

بدا و كأنها تجاهلت ما قال و هي تغادر قائلة:_"دع ذلك لي،ثق بي أرجوك". عادت بعد دقائق حاملة معها جرابا طبيا،لتحكم إغلاق باب الغرفة و هي تقول:_"هيا ارتد ما يوجد بداخل هذا الكيس بسرعة فلم يعد أمامنا متسع من الوقت".

و أقبلت عليه تفتح قيوده بمفتاح صغير و هو ينظر إليها في استغراب شديد.

ناولته بعدها الكيس و هي تقول له في لهجة آمرة :_" ارتد ما فيه و هلم بنا نغادر هذا المستشفى."

فتح الكيس و فحص محتوياته و هو يوزع بصره في حيرة بينها و بين الممرضة.

_"كف عن التحديق بي أرجوك و أسرع بفعل ما طلبته منك،فالوقت ليس لصالحنا أبدا".

ارتدى في إعياء الميدعة الطبية الطويلة و النظارة محدبة الشكل.ثم تحامل على نفسه و هو يغالب آلام كسوره ليلبس الحذاء الرياضي الخفيف.

_"لا تنس وضع الكمامة".

_"ماذا عن الجندي اللعين الذي ينتظر خارجا؟ ماذا ستفعلين بشأنه؟"

_"لا عليك،لقد تدبرت أمره".

غادرت الغرفة ليلحق بها سريعا رغم تضاعف أوجاعه.

تأمل المكان ليتبين له خلوه من أية عناصر عسكرية صهيونية. همست به الممرضة:_"اتبعني،بسرعة".

سارت به في ردهة ضيقة تنتهي عند بوابة كتب عليها منفذ النجدة.

_"من هنا،هيا بنا".

اجتازا البوابة معا ليجد نفسه في حديقة المستشفى. تبعها دون أن ينبس ببنت شفة و قد تملكه شعور مزدوج بالدهشة و الإعجاب معا. ياللفتاة! تخاطر بنفسها من أجل إنقاذ شخص لا تعرف عنه شيئا سوى أنه انتفض في وجه العدوان و تمرد عليه.

كانت الممرضة تمشي و هي تلتفت إليه بين الحينة و الأخرى لتستحثه على الإسراع. وصلت أخيرا إلى مدخل الحديقة ليغادراها. هناك قادته إلى حيث توجد سيارة صغيرة أسرعت بفتحها و هي تدعوه لصعودها.

_"هل هذه السيارة لك؟"

_"إنها لوالدي،لكنني أستعملها في الوقت الحالي".

_"كيف استطعت تدبر الأمر؟"

أجابته في بساطة دون أن تنظر إليه :_"لقد أثرت بلبلة فحسب".

_"وكيف ذلك؟"

_"ربما أخبرتك بذلك يوما ما".

_"و من يضمن لنا أننا سنلتقي مرة أخرى ؟"

_"لا تقل ذلك،أنا متأكدة بأن هذا اللقاء سيحصل.إسمعني الآن،سنتوقف في منتصف هذا الطريق لأنه من المؤكد أنه ستعترضنا دورية صهيونية هنا و بما أنك لا تحمل بطاقة هوية أو رخصة عمل،فستستقل سيارة أجرة كنت قد اتصلت بها و هاهي تنتظرك هناك في الشارع الموازي،إذ لا احتمال بأن توقف الدورية الملعونة سيارات أجرة".

نزل كلاهما من السيارة و وقفا في مواجهة بعض.

بادرها و هو يتأملها بنظرات تفيض امتنانا:_"أنا حقا عاجز عن شكرك".

أدرات رأسها نفيا و هي تجيب في تأثر:_"إنه واجبي،لا تنس أننا كلنا أبناء هذا الوطن المستباح."

صمت و هو ينظر إليها،لتردف هي في حياء :_"لي عندك رجاء أخير".

تطلع إليها متسائلا،فقالت:_"أرجوك لا تستسلم و لا تتخاذل.أريد للقائنا الثاني أن يتحقق،عندما تحين ساعة النصر،أريد أن أرانا معا في المسجد الأقصى و قد تطهرت قبابه العلية من أردان نجمة داوود".

أجابو هو يتأملها بعينين تفيضان إعجابا:"إذن إلى لقاء قريب بإذن الله".

صافحها في حرارة ليتحرك صوب سيارة الأجرة. و ظلت هي تشيعه بأنظارها إلى أن تحركت السيارة، ومع انطلاقها تفجرت دموعها و هي تهتف:"ليحفظك الرب".

_"ألن تخبريني الآن ماذا فعلت وقتها حتى استطعت تهريبي؟"

ابتسمت و هي تسرح بصرها و كأنها تتطلع إلى ذكرى بعيدة و قالت:_"كنت قد أزمعت الأمر على إنقاذك.فهرعت إلى العسكري الواقف أمام الباب و أعلمته أنك من الممكن أن تكون قد أصبت بفيروس كورونا لأن المريض الذي كان يشغل الفراش قبلك كان مصابا به و فارق الحياة. فزع و سألني إن كنت قد تأكدت من ذلك.فأخبرته بأن كل اعراضها تتواجد فيك. هنا قام بمرافقتي إلى غرفة التحاليل ليتأكد من أن العدوى لم تنتقل إليه باعتباره الشخص الذي أتى بك إلى المستشفى. وما إن ولج الغرفة التي كنت متأكدة من أنها فارغة حتى فاجأته من الخلف و قمت بتكميم فمه بمنديل مخدر.ثم بحثت في في جيوبه عن مفتاح القيود و تركته ملقى هناك و أغلقت عليه الغرفة وأسرعت بالقدوم إليك".

_"يا لشجاعتك !إنني أبارك فيك جرأتك وذكائك."

فقالت ممازحة:_"ربما كنت حقا لا أقل عنكم شجاعة أنتم المقاومون..".

_""هذا مؤكد،لكن أخبريني ماذا فعلت بعدها؟"

_"لقد اضطررت لترك عملي ليقيني باشتباههم في.و قضيت وقتي بالفرار من مدينة إلى أخرى إلى أن قامت المعركة الكبرى. وانت ماذا فعلت وقتها؟"

_"لقد عدت إلى فصائل المقاومة التي كنت أنتمي إليها قبل اعتقالي و الزج بي في سجن عكا. و ظللت أقاوم مع رفاق دربي إلى أن انتفض الشعب الانتفاضة الكبرى،و هبت شعوب العالم العربي والإسلامي تؤازرنا و تعاضدنا ليتحقق النصر الكبير "

_"إنه لانتصار عظيم و فوز جليل..لقد انتفخ سحرهم و تزلزل رهانهم و إنه لنصر من الرب مبين.

كنت منذ طفولتي أقرأ سير الأبطال و العظماء من أبناء هذه الأمة،فيهزني الحنين إلى نصر تخفق راياته في ساحاتنا،كنصر نبيكم الأكرم يوم الفتح و كنصر صلاح الدين الأيوبي يوم حرر بيت المقدس..و هاهي ذي القدس اليوم ترفل في أجمل أثواب الحرية...

_"لقد انبلج صبحنا أخيرا و إن لم أكن قد شهدت اليوم الأخير للمعركة بسبب إصابتي".

_"لكنك ستشهده منذ اليوم في كل أزقة القدس العتيقة.ستشهده في زياتين حيفا،في ليمون نابلس و في ياسمين غزة..ستشهده في إشراقة الفلاح المحيي على الأمل وفي ضحكة التلميذ الراكض إلى مدرسته في بهجة و شوق..ستشهده في آذان المسجد الأقصى و في دقات أجراس كنيسة القيامة..ستشهد هذا النصر يوما فيوما.."

_"و أنت كيف وجدتني؟"

_"إنها حكمة الأقدار! ألم أقل لك أننا سنلتقي يوما و سيكون النصر موعدنا؟! أنا لم أفقد أبدا يا جهاد ليوم بارقة أمل واحدة في لقائنا و انتصارنا.

لقد أصبت في إحدى المعارك الأخيرة و تم نقلك إلى هذا المستوصف الذي أتولى فيه إسعاف المصابين. لقد قدر لنا اللقاء من جديد!"

_"ما أعظمك يا الله !"

_"ما اعظم الرب حقا! لقد تمكنا أخيرا من هدم الحواجز التي تصدنا عن بعضنا البعض.فهبت الشعوب الأبية من المحيط إلى الخليج لنصرتنا و الذود عنا،بمختلف طوائفها. هذا ما نحتاجه اليوم،نبذ خلافتنا لبناء وطن ذي سؤدد و مهابة. فكما أخمدنا جذوة الخلافات بيننا و بذلنا أرواحنا جميعا لإنقاذ فلسطين و لم شتات شعبها المهجر،سنسير على نفس الطريق للحفاظ عليها فهي أمانتنا جميعا رغم اختلاف الأديان و الملل،وهذه قضيتنا من اليوم فصاعدا".

_"و إنك لنموذج لهذا النصر،فرغم اختلاف دينك عن ديني إلا أنك ساندتنى و عرضت نفسك للخطر من أجلي."

_"الترانيم الوحيدة التي كنت أميل إليها لم تكن إلا أغاني الثوار و السفر الوحيد الذي أؤمن به هو سفر المقاومة و قبلتي الاولى و الأخيرة هي هذا الوطن."

_"جيفارا..إني أشعر و كأن الروح بعثت فيا من جديد،و لكأن الحياة أشرقت بعد تجهمها..لقد شفيت يا جيفارا،لقد شفيت."

_"أمتأكد يا جهاد؟"

_"ونعم التأكد".

_"هيا بنا إذن!"

_"إلى أين؟"

_"ألم نتعاهد وقتها على الصلاة بالمسجد الأقصى؟! صلاة الحب و الإيمان!"



   نشر في 25 أكتوبر 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا