18 يناير 2004...وكلما تكبدت ذاكرتي عناء محو ملفات الماضي إلا وٱعترض طريقها هذا التاريخ قائلا:فَلْتَنْسَيْ مَا ٱسْتَطَعْتِي وَلْتَتَجَاوَزِينِي...تختلف الأحداث من حوله يوما تلو الآخر...تأتي ملفات جديدة...تغادر...تُنسى...وتحل محلها أخرى...لكنه يظل عالقا بزاوية من الذاكرة، بل وكل تفصيل من تفاصيله يحجز ركنه بعناية، فينطق:كان يوما باردا وٱشتد برودةً بالخبر الذي تلقيته فيه...الساعة تشير إلى الثانية صباحا...أمي و إخوتي نائمون...أبي الجندي يمارس مداومته الليلية...نائمة أنا...مرتدية بيجامتي الحمراء التي ٱقتناها أبي من أجل طفلته...ضائعة أنا بين صفحات أحلامي وكلي يقين أني سأفتح عيناي على عودة أبي...أهرول...أُقَبِّلُ وجه حبيبي...أتجه نحو الأكياس التي يحملها...أتشوق لرؤية ما الذي أتى به أبي لطفلته هذه المرة...فياترى هل سيعود؟ أَيَقِينِي في محله؟أم هو حلم كالبقية؟!!!...أمي...إخوتي...الكل مخدرين...تائهين بين دروب أحلامهم...الهاتف الثابت يرن...يعكر صفو لَيْلَتِنَا الباردة التي أدفأتها لَمَّتُنَا...ليلة بطعم الحنين لغالٍ غائب...يجيب أخُ الغالي على الهاتف...يطلب المُتَّصِل الزوجة...تسرع في هلع على نصفها الثاني...بل كُلِّهَا...حبيبها...سندها...أب طفلتها...يرفع المتصل من حدة قلقها بسؤاله: هل أنت حامل؟!..تجيب نبع الحنان و الحروف تتبعثر هنا وهناك:" لا،ياك لباس أسيدي"؟!...يقول: "الجندي ع.ش في العناية المركزة"...تُفْلِتُ السماعة من يدها...تسقط أرضا...تنهار...عيناها الغاليتان تنزفان بغزارة...الجميع محيط بها...تشردم رهيب و فوضى عارمة تعلو المكان...أصبح الدمعُ مَدَامِعاً بل بحيرات تأوي بجع الخوف و الألم...الكل يبكي ويندب ولا نعلم دافع البكاء بعد...أَ مواساة هي؟؟! أم تَنَبُّؤٌ خلفي لِطَبيعة الخبر الذي تم تلقيه على الهاتف؟!..لا نسألها شيئاً ..أَ تُرَاهُ خوفٌ من سماع شيء تأبى آذاننا ٱستقباله؟!.....خانتنا الكلمات وابتعدت عنا العبر...استجمع عمي قواه و اتجه نحوها متمايل الجسد كطفل صغير لم يثق بعد بأرض تتحمل خطاه....أخفت ملامح الحزن و لملمت دموعها قائلة" رجعوا كملوا نعاسكم ماواقع والو"...إلى أي درجة كنتي صادقة يا أمي؟...تُغلَق الغرفة فجأة... يتم ٱستبعادي...أمي تفسر الوضع لأخِ الغالي...لا تصلنا سوى وَشْوَشَاتِهِمَا و صَوْتَيْهِمَا الخافِتَيْن الَّذَيْنِ يزيدان من درجة تَوَثُّرِنَا...لم تتعدى المدة 5 دقائق حتى غادرا الغرفة...ترتدي أمي جلبابها وحجابها...يسرعان متجهان نحو السيارة...غادرا دون تفسير...أَنبكي؟أَنواصل نومنا؟أم نسلم أنفسنا لغثيان ومرارة الإنتظار ؟ ...لحظات وتأتي خالتي "ح"..يُستَعصى على لساني مناداتها بجارتنا...إنها أمي الثانية...تقول: "ماماكوم من دابا شوية غادة ترجع وصاتني نرد ليكوم البال على ماتجي"...دفئ مفاجئ...إطمئنان بدأ يغمر دواخلنا...أشرفت الشمس على الإشراق وأمي لم تعد بعد...إتصالات متكررة...وشوشات...تأويلات...ولا خبر واضح يشفي غليلنا...بَيْتُنَا يعج بالجيران...أحظروا الإفطار...نظرات الشفقة تَعُمُّ محياهم...أَ الوضع بهذه الخطورة؟أَلن يعود أبي؟!...جالسة أنا في حديقة المنزل لَعَلَّنِي ألمح عودة الحبايب الغاليين...يتبع
قلم أنثى...