لذعة كورونية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لذعة كورونية

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 22 يوليوز 2022 .


لذعة كورونية

..هيام فؤاد ضمرة..


قصير هو الليل بحلكة أوقاته حين يتدارى قمره خلف أكمات العتمة؛ سرعان ما يغتاله الصبح بمدية شعاعه لتتفجر نافورة النور، طاردة أشباحه المظللة بالوهم، فأعجب كيف تغريني طريق تزينت بلآلئ وزمرد وياقوت، وموتي يرسل إشارات مروره على قارعتي، قد يَشفْ حد السيف غمده، وقد أضنى روحي حده الثمل، فانبعثي حياتي من مرقد غيبك، وروحي بك أضناها غمارا في قوله الجهر، ما بيدي انسياق روحي، وأنساقي يجابه زحفها الأجل.

متعبة نفسي والخيبة تحط على رأسي قلنسوة ثقلها، والصداع يضرب برأسي مطارقه حتى يكاد يحطمه، ويفتح به فجوة تفنى باحتراقها منارات النُّجب، يومان مثقلان بالعناء مضيا تاركين في فمي غبار وهني، يسحبني الإعياء لأدنى نقطة باردة، كصقيع متجلد كسرته أقدام زمن عابر، كنت كقتيل طريق مهجور، غارقة بالغياب، وما زال الإعياء متشبثا بذوائب إرهاقاتي، يخاتل قوى وعيي، يقصي ذاتي عن ذاتي، مؤسف ألا يشعر بك الآخرون، وأنت تهوي في قاعٍ بلا قرار، والدم في قلبك المنهك هارب من شعث، فيزيدونك إرهاقا ومرضا واكتئابا.

أين مني شريط يُصوِّر حالة بؤسي واحتراقي، فكلي غارق في اتون حمم ملتهبة، وهناك من يلقي بحطبه الجاف فوقي، مستعرضا مهاراته وقدراته وسلطته،

إيه يا زمني وأنت تتسرب مني لأضيع بشقوق الألم، والأنين يرهق بدني وينشز صوت كماني، كأني ما رفعت ساريات علمي، ولا عليت أضواء ثقافتي، ولا كنت نفسي التي تساوقت على زهوة الأمل، واهٍ يا نفسي من غُلب نفسي، أتوق للعودة إلى ذاتي، إلى نفسي التي لطالما هدهدتني بالسلام الحقيقي، وهامستني بعبارات سعدي، والرضى يملؤني من رأسي لأخمص قدمي، كاشتهاء طفل أتوق لحسِّ أمي، لوجهها ونبرة صوتها، لأناملها تنغرس في خصلات شعري، فينبعث منها نور أثير يتغلغل في خلاياي، يوقظ في مشاعري طعم الارتواء.. لله ما اطيب ريحك يا ست الحبايب.

الطرق كثيرة واتجاهاتها متشعبة، وإننا بوعي راسخ نختار طرقا بعينها، نؤثر ان نغلقها لأننا نبحث عن السلام الداخلي، سلام أرواحنا التي تطالبنا العيش بمنتهى السلام في المساحة المتبقية من عمرنا، وإنه لعمري عين الصواب، فالروح تبغي سكونها مع لطف الله وقد هفت وتشققت إلى لهفة الجبر وسماحة الأكنان.

هناك من يقترب منك ليذرو نثار من درر جميلة أثيرة، تملأ عالمك بحياة جديدة منعشة، تكتنفها الاضواء الملونة تستأثر بها النجوم لتبرق عيونها في أفق السماء، فتشرع له أبوابا ما كانت انفتحت، وتنظف له طريقا اعشوشب لطول زمن الهجران، تظن أن الحياة تعيد إليها ألق الوجود، وأن هاتفاً يأتيها من ثنيايا السحاب من خالق معبود يُسكن قلبها الرضى والسكينة.. آه يا أنا كيف أحرر أناي وفي أذناي يتردد صدى نداء.. أين إذن منك أنا، وأين تذوي بك روح مجرحة اتعبتها مناكدة الجدال المشدود على حبال الوجود، وعبارات تترجم المعاني بغير حقيقتها، فتأتي الترجمة خاطىئة لتغرس في مشاعرك أشواك مؤلمة، فيصير الأنين فيك صمت جريح، ويصير احتراقك لهب يتقلب عليه طير ذبيح.. أتعبني الإرهاق وروحي تتوق للإنعتاق، لأن لا عدالة إلا عدالة السماء.

لا شيء يدمي القلب كخيبة أمل ترتطم بروحك، فتترك بك انبعاجا يعاند مطرقة حداد صلدة، مما قد يصادفك وأنت تنتعل إرهاقات سنينك، فيما أنت تقطع الجزء الأخير من رحلة حياتك الطويلة، متخذا وضعية السلام مع نفسك، محتفظا براحة بالك بعيدا، منزويا مع هدوئك ويراعك الذي آنسته روحك، فتمازجا كدواة شهقت وقد أسكرها أن رواها فيض الحبر، فيما أنت تتخذ لنفسك مقعدك القصي، في زاويتك الأثيرة التي رعت هدوء نفسك، ومنحتك السعادة التي تلائم عمرك، لتفاجئك بأن تتسرب يدا من تحت عباءة الغياب، تؤذيك تحت عذر الرغبة بعونك، كصخرة ذلك الدب التي هشمت رأس صاحبه، في محاولة طرد ذبابة، فإذا كان من حقهم أن يتخذوا دورا في حياتك، فليس لهم الحق أن يكسروا اعتدادك بنفسك وحجتهم محبتك، فلا شيئ يكسر خاطرك كخيبة الأمل ويجعلك تؤثر الاستغراق بالصمت كلالة، طاويا ذاتك على وجع داخلك.

واضح أن كشف مواطن الضعف فيك يفقدك القدرة على حماية نفسك، فلا تبالغ بالتفاني فتأتي ترجمتهم لنفسك غير عادلة بل جارحة، فهم بقرارة أنفسهم يدركون رغبتهم لأن يتملكوك قطعة أثيرة تم اعدادها بحجم طموحهم فيجعلهم ذلك غارقين بأناتهم، متجاهلين مميزات شخصيتك، ورغائب نضوجك، يناظرونك بعين ذاتهم المحبة.. إن الحب امتلاك، وان الامتلاك استحواذ، وإن الاستحواذ استغراق حتى الغرق، فمن ذا يجفف دمعة الغيم حين تسح على خد السماء؟ .

يبعدني فايروس الكورونا عن عالم صحوي، فيأخذني الاحتراق بين ثنايا غياب اجدافه يستغرقني، غير واثقة تماما من رحلة الإياب، إذ تحفزني نفسي المتهاوية في أتون انسلاخها عما يدور بأنحاء حسي، وعظمي الموجوع منخور لست بقادرة أن أطوي لجهده أوصال جسمي، أسأل الدنيا يا دنيا أمهليني من تسرب روحي خارج صدري، أعيديني إلى لوني ولو كان خافتا مخطوف بريقه، كأني صحراء قاحلة تتردى بشحوب وجهها وشقوق بشرتها، استبدل الكلام بأنين وايماءات صامتة كأني فقدت أبجديتي في قاع ذاكرتي، فصرت الطريحة الفاقدة لعزم النهوض، قد فرغ مستوعبها من طاقة الاحتمال وطاقة وعيي.                                                                                                                                                                                                      


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 22 يوليوز 2022 .

التعليقات

يحتار القارئ وهو يتابع كتاباتك ، اي مغنطيس يجدبه اليك : اهو جمال العبارة ام دقة الاشارة؟؟ أ عمق التفكير ام بلاغة التعبير ؟؟
دام قلمك نديا ، سخيا بالاثنين معا ..
مع مزيد من التألق والعطاء.
لك مني مودة فكرية عالية
الاستاذ محمد خلوقي.
من المغرب
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا