حاكم يرتدي ساعة قيمتها مليار وبلاده لا وجود فيها لمستشفى واحد، إن كان يرتدي مليارا في يده فهو حتما يرتدي مليارا أخرى في قدميه ويرتدي جواربا بمليارين ويتناول طعاما بمليار أخرى، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن ثروة طائلة تسرف في لاشيء في وقت يموت الكثير من الأبرياء الذين هم في أمس الحاجة لهذا المبلغ لإجراء عملياتهم الجراحية واقتناء أدوية تمنحهم حق البقاء على قيد الحياة، لا أحد يعلم ما قد يفعله هوس الموضة بالبشر، لنضع مقارنة بسيطة بين ساعة الحاكم الثمينة وبين حال البلاد، إنه فارق كبير فثمن هذه الساعة يمكن استثماره في بناء مستشفى مجهز بتقنيات حديثة أو إنشاء جمعية أو تلاث لإيواء العجزة والمتخلى عنهم وما إلى ذلك، ما الجدوى من ارتداء ساعة قيمتها مليار وشعبك لا حول له ولا قوة ؟ ما الجدوى من كونك أغنى أغنياء العالم وأرواح على عاتقك تلفظ آخر أنفاسها، ما الجدوى من أن تكون ملك الموضة وتاريخك فاسد ؟ لا جدوى من الأمر سيدي...

إنه لمن المؤسف حقا ما أصبحت عليه هذه البلاد، من المؤسف جدا ما أصبحنا عليه...أصبحنا نعيش في دولة لا كرامة فيها للمواطن، دولة تدعو للمواطنة وماهي بوطن، نعيش في وطن تموت فيه الأحلام قبل أن تولد وإن حلم أحدهم وسألته عن حلمه وهدفه سيقول لك أنه يتمنى أن يغادر هذه الأرض بأسرع وقت ممكن، وطن أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه أشبه بسجن للموت، وطن أشبه بأرض قاحلة غادرتها الأمطار غاضبة، أشبه بحظيرة تحاصرها الذئاب والوحوش من كافة الجوانب فما كان بيد العناكب سوى الهرب لتنجو بنفسها، حظيرة ملعونة ابتلعت أمواج بحارها شبابها، وزجت محاكم ذئابها بأبريائها، واستغلت الدعاية لقطع رؤوس كل من عارض شرها..وبعد الآن لا أحد يرغب في العيش في ظلامها..

وطن أشبه بكابوس مرعب يطاردك في أحلامك العدمية، وطن لا شيء فيه يدل على أنه وطن، أرواح ابتلعتها البحار وأخرى حاصرتها الجبال وأخرى رحلت إلى السماء صارخة في الليل، وذئب ينعم بخيراتهم بعد منتصف الليل، هل تعلم ماهو الأسوء في الأمر كله ؟ عندما ينقلب الراعي على قطيعه، وهذا ما يجب أن نؤمن به كرعية، يستمر الراعي البشري في حماية قطيعه من الذئاب في الغابة، والقطيع تقع في حب راعيها الذي طالما أشعرها بالأمن والأمان، لكنه في النهاية ينقلب عليها ويتحول إلى ذئب حين ينتهي الأمر بالقطيع في فرن درجة حراته تعادل حرارة شرارة ولاعة الجحيم، ثم ينادي الراعي ذئابه ليقاسموه الوليمة....وهذا ما يحدث في هذه الأرض وفي كل أرض تحكمها سادية الطغاة..

لن ينعم القطيع بحياتهم إلا بزوال الرعية، وهذا مايقتضي شن ثورة وحرب طاحنة يكون وقودها الطفاة وحطبها الذئاب، الدم بالدم وزوال الطغاة بالوقوف في وجه المشانق وإلا للحياة لا أحد سيعانق، حينها ستكسر الرعية قيود العبودية والاستعباد، وتكسر حواجز الطفيان وتطرد الفزاعات من أرضها...لن تحتاج إلى راع يرعاها بعد الآن فهي تحررت أخيرا...