أهمية القصص في عصر من التفرق
بقلم: ايليوت اكرمان
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
في إحدى أماسي ربيع عام 2014 المبكرة صحبت ولدي الصغيرين إلى أسرتهما وتناهى إلى سمعي اهتياج خارج شقتي في بيبيك إحدى ضواحي اسطنبول
هرعت نحو النافذة وتراءى لي في الأسفل تجمع للمحتجين في الحديقة التي تتاخم القنصلية المصرية
مكبرات صوت وصفارات وخطب نارية. ارتفع الضجيج مع توافد أعداداً أكبر من المشاركين ليعبروا عن تضامنهم مع أفراد من الإخوان المسلمين اعتقلوا مؤخراً في القاهرة. وباختصار لم يكن هذا هو حشدي ولكنهم حضروا إلى بيبيك وهي ريفيرا ليبرالية على البوسفور ليرفعوا أعلامهم ويصدحوا بشعاراتهم. دفعني الفضول لإلقاء نظرة عن كثب
حملت مفاتيح البيت الموجودة على طاولة في البهو ولفت نظري وجود رواية كنت اطالعها في وقت مبكر من ذلك اليوم. لا أعلم لماذا ولكني أخذتها معي
ينفتح ممشى شقتي الطويل على مشارف الحديقة حيث تحشد المتظاهرين. بدت التظاهرة من هذا المنظور القريب أقل إرعاباً كموجات تبدت لسباح من الشاطئ. ولم يمض وقت طويل حتى شعرت بنظرات قاسية تحدجني وكي أظهر بمظهر أقل إرتياعاً تظاهرت بالمطالعة
بقيت في المظاهرة لعشرين دقيقة ولكنني فكرت كثيراً بتلك الليلة وبالأفراد القلائل الذين أشاروا بفضول إلى كتابي
منذ تلك السنين مرت تركيا بأسى عبر أزمة حكم عميقة لم تعرفها منذ تأسيس الجمهورية عام 1923
أوجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر استفتاء في الربيع الماضي رئاسة تنفيذية منحته سلطات هائلة تحولت تركيا إلى ديموقراطية بالاسم فقط وأقرب إلى دولة شمولية سلطوية مثل مصر والتي احتجت الجموع في تلك الليلة على تعدياتها
جاء تركيز أردوغان السلطات في يده بينما شهدت الديمقراطيات الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة تصاعداً للحركات الشعبوية والقومية والتي طرحت تساؤلاً عن الأولية الفطرية للقيم الحرة
انتشر التشاؤم بعيد ذلك الإستفتاء عبر معظم تركيا. بدا كأن الأنوار أطفئت في اسطنبول. كما خيم تشاؤم مماثل على مدن لندن ونيويورك. تكشفت، بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والإنتخابات الرئاسية الأمريكية ،عورات انقسامات داخلية ضمن الديمقراطيات الرئيسة . تلك التشرذمات التي تهدد بتقويض النسيج الاجتماعي لتلك الدول
لا يعوزنا في تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا دفق السياسيين و الشعبويين الذين يوجهوننا بصب اللوم على فئات بعينها و تخويفنا من آخرين وتحديد خصومنا السياسيين سواء من اليمين أو اليسار
تخدم القصص في هذه المجموعة غاية مختلفة. فهي تظهر مدى تماثلنا. عندما أقرأ قصة يالجين توسون الهزلية اللاذعة “مظفر والموز” التي ترجمتها آبي كومستوك جي وجدتني مشدوداً لطفلين تركيين بدينين وحالة عدم الأمان لديهم أثناء خروجهما لإطعام الموز الممنوع لشمبانزي أثير في حديقة الحيوان ونهاية تلك القصة التي تسقط ببراعة عبر رجع الانقسامات الثقافية والإجتماعية
أما القصص الأخرى في المجموعة فهي أكثر سياسية مثل “الكناري” لدينيز طرسوس والتي ترجمتها عائشة تورك أوغلو التي تنقلنا إلى الحيوات البائسة لعمال المناجم الأتراك-مثل أولئك الذين قضوا في أيار من عام 2014 بانفجار منجم سوما وهي حادثة ذات أهمية سياسية بالغة داخل تركيا- وترفع قضايا شائعة مثيرة للجدل حول استخراج الفحم الحجري في الولايات المتحدة
تصبح مثل تلك القصص في عالمنا المتشرذم بحدة ذات أهمية خاصة أكثر من ذي قبل للتخفيف من تشاؤمنا الجمعي
تستشعر الأعمال الفنية عبر عملية التحول الشعوري :الفنانون –سواء كانوا كتاباً أو مخرجين أو رسامين الخ- شيئاً ما أثناء إبداع فنونهم
كم مرة شاهدت فيلماً أدمع مقلتيك أو ذهبت إلى متحف ورأيت لوحة استحوذت على مشاعرك أو — كما في هذه المجموعة أنهيت قصة حركت أحاسيسك؟
إذا مررت بتلك التجربة يكون الفنان قد نقل مشاعره أو على الأقل جزءاً منها إليك
تمثل عملية الإنتقال الشعوري تلك تأكيداً لإنسانيتنا المشتركة وتقر أننا نستطيع تفهم بعضنا البعض عبر الحدود الثقافية. ومثل ذلك التأكيد في جوهره فعل من أفعال التفاؤل البليغة
وهي ترياق للتشائم الذي يخيم على معظم العالم بلا حدود
إذا فرقت السياسة بيننا فإن مثل تلك القصص توحدنا. ولذلك قبل سنين عديدة أخذت معي كتاباً بالفطرة في تلك الأمسية في اسطنبول
وبينما كنت أتجول في الحديقة كان لدى العديد من الأفراد الذين قدموا إلي تساؤلاً يؤرقهم عندما تحول نقاشنا إلى الكتاب الذي حملته:
كانوا يودون معرفة إن كان ترجم إلى لغتهم.
المصدر:
Words without borders
October 2017 issue
-
إبراهيم عبدالله العلومهندس زراعي. مترجم.