(الضرورات تبيح المحظورات)
سلسلة مقالات : ( تمهّلْ ... تأمّلْ )
نشر في 03 مارس 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ساعة واحدة كانت كافية ليخرج (أوباما) معلّقا على خطاب (نيتنياهو) اليوم أمام مجلس الشيوخ الأمريكي حيث وجّه له صفعة قاسية قائلا: لم أتابع و لم أسمع خطابه و إنّما قرأتُ نصّ خطابه فلم أجد أنّه جاء بجديد بخصوص الاتفاق الذي سيبرم مع (إيران) .
نعم وقبل يومين دشن نيتنياهو خطابا عنتريّا أمام (الإيباك) وكعادته و أمام دهاقنة اليهود الأمريكيين و عتاتهم حيث أظهر الرجل دفاعه المستميت على (أرض الميعاد) مذكرا بمعنى أو آخر أن شعب الله المختار ليس فلتة من فلتات الزمان و إنّما هو قدر الله (يهوا) على الأرض .. لكنّ اليوم و أمام مجلس الشيوخ الأمريكي كان شيئا آخر و كأنه دخل هذا المجلس وهو يحمل على ظهره حائط المبكى و بالفعل بدأ خطابه بدموع التماسيح قائلا : أنا هنا ليس من أجل ممارسة السياسة .. لكن بعد دقائق معدودة بدأ يتزحلق سياسيا على قشورٍ من الموز و أخذ يدور و يلفّ حول الاتفاق المزمع إبرامه مع (إيران) و كيف أنّ (خامنئي) قبل أن يدخل المستشفى كانت آخر تغريدة له هي : ( يجب مسح إسرائيل من على وجه الارض) .. ثمّ زمجر وعربد حول الوضعيّة الغير المريحة استراتيجيّا التي بات فيها الشرق الأوسط و التي ستهدّد (إسرائيل) أمنيّا و وجوديّاً و أنّ الأمر سيزداد تعقيدا في حالة امتلاك إيران للسلاح النووي .
و يبقى السؤال المطروح للمحلّلين و المتتبعين للشأن السياسي الدولي هو : هل رجع نيتنياهو بخفي حنين من واشنطن ؟ بمعنى أدق : هل الاتفاق مع إيران سيشكّل منعطفا استراتيجيّا خطيرا على إسرائيل دون أن يكون ذلك في حساب أمريكا أمّها التي تبنّتها و دلّلتها ؟
للجواب على هذا السؤال أريد فقط الإشارة إلى مفهوم نظرية (النسق الزئبقي) و الذي نشرته سابقا على منصة (مقال كلاود) حيث ذكرتُ من خلال هذه النظرية الجديدة في العلاقات الدولية أنّ أمريكا لم تعد تطبّق مفهوم ( خطوة للوراء ثم خطوتان للأمام ) بل : ( خطوة ساكنة أو ثابة + خلط الأوراق حتى يظهر (جوكير) + خطوتان إلى الأمام ) .. إذن و عمليّا فأمريكا تدرك جيّدا أن إيران ابتلعتْ طعم ( المجال الحيوي) بمعنى أنها ستتوسع فقط في العمق العربي (السني) بدليل أن هناك أربعة عواصم عربية باتت في قبضتها و هنا تبدأ عملية خلط الأوراق : بمعنى ستكون هناك ورقة الاستنزاف المرحلي عسكريّا وهذا لا يتأتى إلا بخلق كيانات مسلحة سمّيها ما شئت ستعمل بدافع الدفاع عن العرض و الوطن و العقيدة بشنّ هجومات و مناوشات على الوافد الإيراني ممّا سيتيح استمرار الربح الهائل للمصانع الأمريكية ذات التوجه العسكري .. ثم ستكون هناك ورقة تشجيع العرقيات و الأقليات للقبول في دخولها في تحالف عضوي مع إسرائيل باعتبارها كيانا غير مرغوب فيها ليس عند الأنظمة العربية و إنما عند شعوب هذه الأنظمة ممّا سيحصّن إسرائيل مستقبلا من تداعيات أنها مجرد كيان غاصب .. ثمّ هناك الورقة الدبلوماسية المرنة التي ستلعب بها ربحا للوقت داخل أروقة مجلس الأمن و التي ستأخذ بالحسبان كيفيّة تعاطي الصين وروسيا مع إيران بالمنطقة .
نعم .. و بالملموس ستظهر الورقة الرابحة و التي عندها سيتدخل المارد الأمريكي بغطرسة و خشونة ليخطو خطوتين إلى الأمام ليقتلع عندها الحلم الإيراني في امتلاك أي سلاح نووي وهذا ما عبّر عنه كذلك (أوباما) اليوم أن وجود اتفاق بين أمريكا و إيران هذا لا يعني أن هناك ثقة بينهما بل العكس هو الصحيح و إنّما كما سبق شرحه أعلاه سيُترك لإيران هامشا للتوغل في المجال الحيوي للعرب و لكن الثمرة بل الكعكة فلن تكون إلا من نصيب العم (سام) .. يبقى السؤال الأخير : و أين العرب من كل هذا ؟ بحرقة أجيب : ليتني متّ قبل هذا و كنت نسيا منسيا .
بقلم : تاج نورالدين
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...