صكوك الغفران الضائعة (3)
الجزء الأخير
نشر في 21 يوليوز 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
توقفت فضائية النمسا بث برنامج "كيفن" السياسي بشكل مؤقت وذلك بسبب سوء حالته الصحية.
علمت "ريتا" بهذا الأمر ولتطمئن عليه اتصلت بصديقه "جوان" ليخبرها عن حالة "كيفن" الصحية:
"ريتا": مرحبا.. كيف حالك يا "جوان".
"جوان": "ريتا" الآن! اتصلت بك عدة مرات ولم تجيبي ولا مرة واحدة، الآن يا ريتا.
"ريتا": اتصلت بك لأطمئن على حالة "كيفن" الصحية، أريد التكلم معه، هل هو بخير.
"جوان": حقاً هل يهمك "كيفن"! رحلتِ ولم تنظري للخلف ثانية واحدة، وشرحت لك أن "تانيا" موجودة فقط في ذكريات "كيفن" القديمة وطفلها ليس من "كيفن" والرسالة كانت قديمة ولم تصدقي، بل الأسوأ من هذا أجهضتِ طفله.
"ريتا": كف عن اللوم يا "جوان" كفى، أريد رؤية "كيفن" بأي مشفى هو ولمَ حالته الصحية حرجة؟.
"جوان": كبده متعب، ولا أظن أن "كيفن" سيرحب بقدومك.
أغلقت "ريتا" الهاتف ثم ارتدت ملابسها وذهبت إلى العنوان الذي تلقته من "جوان".
وجدت "كيفن" نائم في غرفته، بل هي لا تدري هل هو نائم أم أنه في غيبوبة، لم تتحمل رؤية هذا المشهد، مشهد قاسي بالنسبة إليها، بعد ثواني قليلة خلعت حذائها واستلقت قرب "كيفن" على سرير المشفى واضعة يدها على قلبه.
دخل الطبيب الغرفة ليتابع حالة "كيفن" وما أن وجد "ريتا" بجانبه قام بتوبيخها وقال لها: ماذا تفعلين يا فتاة! لا يجوز ذلك.
لمعت عينتا "ريتا" بالدموع ثم قالت للطبيب: هل هناك علاج للندم.
قال لها الطبيب متعجبا: لا أدري لماذا.
"ريتا": أحاول أن أتظاهر بالسعادة والدفء ولكن خيوط الحزن تتبعثر مني إلى الخارج، دموعي تخونني في كل مرة، ربما هذه الدموع دخلت معركة مع الكبرياء منذ الأزل ومازالت تنتصر.
ماذا أفعل بهذا البركان الذي بداخلي يكاد يحرق كل خلية في قلبي، إلى متى سأتظاهر بالتفاؤل والإيجابية وكل ما بداخلي مكسر مهترئ منفي.
ماذا نفعني التظاهر بالخير والحقيقة الداخلية مرة جداً، دخلت مطباً أوقع بي من سابع سماء لسابع أرض، رأيت الدنيا رمادية، لا أشعر بطعم الطعام هو متشابه على حد سواء، لا أفرق بين التواريخ والأيام، كل ما حولي خالي من الروائح وكل الأشخاص متشابهون ولهم الصوت ذاته، أما بالنسبة للمدن والشوارع والزوايا هي كذلك جميعها متشابهة لا أفرق بين صحرائها وأنهارها.
يقولون أن الحزن فترة مؤقته إذا لمَ حزني يبقى ملاصقاً بي، هل دخل معركة مع الوقت وحقق انتصاراته العظيمة، حاولت أن أجيد فلسفة الاحتواء ولكني ما أزال أفشل لأني لم استطع أن أحتوي نفسي اولاً، نعم فقد فقدت نفسي فقدان عميق.
كياني ممزق..... أريد "كيفن".
استيقظ "كيفن" على صوت "ريتا" ثم عبس بوجهها وقال لها: اذهبي من هنا يا "ريتا"، اذهبي لا أريد أن أسمع صدى صوتك أنه أشبه بمعزوفة وجع.
ردت عليه "ريتا" قائلة: احتجت إلى آلاف الشرايين لتساعدني في تثبيت قلبي لأني كنت أشبه بشيء مجهول الأثر، وذلك لأني ضفت إلى نفسي جرعات زائدة من الشوق، وكنت أتعثر برائحة الأمس باستمرار.
قال "كيفن" لها وهو يبعدها عنه: تباعدت الأزمنة من أمام عيني دون أن أشعر لأن عقلي الباطن كان معقد لدرجة أن الكلمات خانتني في وصفك يا "ريتا"، فقد وصفتك بأمور جميلة لا تمد لك بصلة، أو ربما كانت تمد ولكنك استطعتِ أن تخفيها جيداً، كنت أظنك سمفونية معقدة من العشق ولكن في الحقيقة أنتِ لا شيء، كما كنت أظنك تحملين مشاعر لا تقوين على حملها وفي الحقيقة هي مشاعر لا فائدة منها، ربما توهمت حين ظننت أني أشتق قوتي من لمساتك لكن في الحقيقة كنت أرمي نفسي إلى نيران الجفاف، ثم وجه حديثه إلى الطبيب قائلاً: أيها الطبيب أخرجها من الغرفة أرجوك.
خرجت "ريتا" من الغرفة، وفور خروجها قال الطبيب لكيفن: ألم تقسو عليها أيها الشاب كادت أن تموت من قسوة كلماتك، رد عليه "كيفن" قائلاً: لا تقلق أيها الطبيب ألم تسمع بمقولة "مايك إيفريت" : "إذا وقع كاتب في حبك لن تموتي أبدا".
افترقا "كيفن" و"ريتا"
ربما قوة المشاعر بينهما هي السبب حيثُ أنها لم تهدأ ولا للحظة واحدة، ومن المنطق أن المشاعر الباردة الخالية من الشغف هي التي تبقى إلى الأبد، أو ربما تكبر القلوب هو السبب، أو صكوك الغفران مازالت ضائعة.
مر عامين على يوم فراقهما.
في أول يوم من أيام الخريف تعطلت سيارة "كيفن".
ذهب مسرعاً إلى فضائية النمسا، حيثُ لديه مقابلة مع نجم كرة المنتخب النمساوي اللاعب "دياتمار كوباور" ومن المتوقع نسبة المشاهدة لهذه المقابلة ما يزيد عن المليونين.
أثناء عبوره شارع "كرنتنر" سقطت منه ورقة من الأوراق المعدة لمقابلته مع نجم المنتخب النمساوي، من سوء الحظ لم ينتبه لها، ومن حسن الحظ كان خلفه فتاة في العشرينات من العمر انتبهت لهذه الورقة.
إنها النهاية أو ربما البداية.
بقلم: سهام السايح
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل