قمع واصلاح الانظمة الثورية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قمع واصلاح الانظمة الثورية

..

  نشر في 28 ديسمبر 2016 .

ما بين عامي 1953 و2013م، 60 عامًا من تاريخ مصر المعاصر؛ بدأ بالراحل البكباشي جمال عبد الناصر, وانتهى بالمشير عبد الفتاح السيسي، حُكامًا لمصر من العسكريين.

في عام 1953 رفع جيمس إيخلبرغر, خبير وزارة الخارجية الأمريكية بالأنظمة العسكرية في الدول النامية إلى الحكومة المصرية.

يستهل "جيمس" في بداية التقرير قائلًا: "جوهر الُحكم هو القوة, والحُكم ليس مُجرد اقتراح إجراءات عامة أو إصدار أحكام قضائية, ولكنه اضطلاع بهذه الإجراءات وتنفيذ لتلك الأحكام ولهذا كانت المحافظة علة السُلطة هدفًا في حد ذاتها".

يُفرِّق "جيمس" بين الأنظمة الدستورية والأنظمة الثورية "الحكومات الثورية", في المحافظة على السُلطة.

حيث إن الأنظمة الدستورية يتم فرض قيود عليها في "القوانين الأساسية" على سبيل المثال:

النظام الدستوري لا يملك إلقاء القبض على زُعماء المعارضة لمجرد أسباب سياسية، في حين أن الأنظمة الثورية لا تجد حرجًا في اتباع كل المسالك التي تضمن لها السُلطة، وتؤكد لها البقاء, ولا تخضع في تصرفاتها لقيود واضحة المعالم.

وفنَّد "جيمس" مبادئ المحافظة علة السُلطة على أساس مبدأين: أولهما؛ إجراءات القمع والإرهاب، وثانيهما؛ سياسة البناء والإصلاح.

ويقول: "المبدأ الأول: هو نظام ظالم وحُكم مُستبد, يفرض نفسه على الشعب عُنوة، ويرسم للمواطنين ما عليهم أن يسلكوه وينجزوه دونما رأي منهم أو مشورة،

أمَّا المبدأ الثاني: يتمثل في نظام شعبي وحُكم مقبول "دون اشتراط الشكل الديمقراطي له" يستمد قوته في التنفيذ من رضى الأمه به وتأييد المواطنين له".

والتاريخ لم يذكر أن أي نظام اتبع أي مبدأ بشكل تام دون شذوذ أو خروج عليه, لذا وجب على الأنظمة الثورية كما قال جيمس "انتقاء مسلك معتدل لا تفريط ولا إفراط"، "إن الثورة لا يجب أن تكون مجرد نظام ديكتاتوري ساذج, أو مُجرد دسائس ومؤمرات تُحاك في رُدهات القصور ودهاليزها".

كما يوضح جيمس أنه يتوجب على الأنظمة الثورية أن تحدد أهدافها على أساس النقطتين التاليتين:

- إيجاد الحلول لكل المشاكل السياسية والمعضلات الاجتماعية المُلحة, التي اقتضت قيام الثوره نفسها, حتى تتمكن الثورة من إزالة نظام الحُكم السابق.

- أن تكون قادرة على تطوير نظام دستوري جديد يُخلّد مُنجزاتها ويحافظ على مُكتسباتها.

إذا توافرت تلك النقطتان فإن النظام لن يجد نفسه مُضطرًا إلى الاعتماد كُليًّا على وسائل القمع والإرهاب لبقاء حُكمه إذا تبنى وسائل الإصلاح وسياسة البناء, لأن القمع بكل ما يعني من مخابرات/ مباحث/ أمن عام, لا يُمكنه البقاء طويلًا, لأنه يجب أن تحل الإصلاحات محله تدريجيًّا.

"قاعده الحُكم"

إن إجراءات الحكومة ومُنجزاتها هي التي تؤثر على قاعدة الحُكم, وهي التي تعني مدي رضي وتأييد الشعب للحكومة بل وقدراتها على ممارسة حُكمها عليه دون اللجوء إلى وسائل القمع والإرهاب.

تنقسم إجراءات الحكومة إلى قسمين:

- إجراءات مباشره تخص قاعدة الإرهاب والقمع

- إجراءات مباشرة تخص البناء والإصلاح

- الإجراء الأول: يعمل على زيادة فعالية الجيش ورفع درجة ولائه, وضمان إخلاص أجهزة المخابرات والأمن العام, وغيرها من الأجهزة الحكومية التي لها صبغه عسكرية

- الإجراء الثاني: تشغيل المنظمات الشعبية والأحزاب السياسية الموالية للحكومة, بالإضافه إلى إصدار بعض التسهيلات الدستورية مثل قانون الانتخابات التي يجب أن يُمنح بعض المميزات والمنافع للفئات والطبقات الموالية لنظام الحُكم القائم.

كما أشار جيمس في تقريره إلى 7 نقاط كخطوط عريضة يلجأ إليها قادة الحُكم في "الأنظمة الثورية":

1- اللجوء لأساليب القمع أمر لا بد منه وخاصة في المرحلة الأولى للثورة.

2- ألا يكون من ضمن أهداف النظام الثوري مُجرد الحصول على تأييد شعبي فقط, لأنه أمر مؤقت وزائل وإن الشهوة الجارفة في نفوس قادة الثورة لمجرد الحصول على تأييد الجماهير وضمان هياجها لصالحه يُعتبر بادرة خطيرة, وأنها لا ترمز إلا إلى الضعف والانهيار.

3- يجب أن يعتمد نظام الحُكم على دقة تخطيط سياسة الحكومة وعلى حُسن تطويرها, مُستخدمة في ذلك كُل وسائلها وأجهزتها لإثارة عواطف الناس والطبقات الكُبرى من الشعب لصالحها, بل والظهور بمظهر الحريص على مصالحها والمحافظة على حقوقها.

4- إجراءات السُلطة لها تأثيرات على قاعدة حُكمها لا تقل أهمية عن تأثيراتها المُباشرة.

5- إن التنظيمات الشعبية غير التابعة بشكل مُباشر لنظام الحُكم, لها أهمية خاصة في إنشاء وتكوين قاعدة الُحكم المؤيد للنظام.

6- إن الشكل الدستوري الجديد للنظام يجب أن يعتمد مباشرة على قوة سياسة الثورة في الإصلاح والبناء.

7- يجب أن تبتعد أجهزة المخابرات والمباحث عن الارتشاء والعبث, لتنفيذ تدابير قمع فعَّالة وللقيام بتحليل دقيق للقواعد الجماهيرية المؤيدة.

انتقل جيمس بعد ذلك إلى "سياسية الانجراف والمساومات من قبل قادة الثورة"

يقول "جيمس": يضطر قادة الثورة إلى انتهاج سياسة الانجراف والمساومات شيئا فشيئا, لأن الثورة لا تتمكن من إحكام قبضتها على أجهزة الدولة في بداية عهدها, ولأنها لا تملك مَنْح ثقتها لأجهزة القمع والإرهاب لشكِّها في كفائة تلك الأجهزة ونفوذها.

وأضاف: "لكن سُرعان ما تفقد سياسة الانجراف والمساومات فرصها كُلما اتضح إفلاس الثورة وبان للعيان فشلها, فتلجأ حكومة الثورة إلى "وسائل" القمع والإرهاب, وإذا نجحت تلك الوسائل ازدادت بطشًّا وعنفًّا، وهُنا تكون الثورة قد تفسخت, وانقلبت إلى نظام ديكتاتوري ساذج مُستبد.

"سياسة الانجراف والمساومات هي حليفة الثورة المُضادة"

إن سياسة الانجراف والمساومات كما أوضح "جيمس" هي حليفة الثورة المضادة,كما إنها جرثومة فتاكة في داخل جسم الثورة نفسها، لأن تلك السياسة تُشعر المواطن أنه لا اختلاف عن سياسة حكومة العهد البائد التي قامت الثورة لأجلها, "وسيتشكل دافعًا مُشجعًا لكل أولئك الذين يتطلعون إلى نسف الثورة وسحقها دون رحمة".

في نهايه التقرير تتطرق "جيمس" إلى وصف دقيق للهياكل الخمس التي يجب على الأنظمة الثورية إنشائها والتحكم بها في قاعدة القمع والإرهاب:

1- الأنظمة والقوانين

وأبرز ما قاله في هذا البند هو "يجب خضوع السُلطة القضائية برمتها، دون استثناء، لإرداة حكومة الثورة,كما أن كافة الأحكام القضائية الصادرة بحق المواطنين لأنظمة أمن الدولة, يجب ألا تكون مُخالفة لرغبة حكومة الثورة

2- قوى الأمن الداخلي

3- أجهزة المخابرات

4- الدعاية والإعلام وتنقسم إلى:

-يجب ألا تكون الدعاية سلاحًا أساسيًّا لضمان أمن الثورة

-على حكومة الثورة شن حملات دعائية مُركزة تهدف إلى إعطاء تبرير مُقنع لاستمرار استخدامها لوسائل القمع والإرهاب.

-أخيرًا يمكن السيطرة علة الصُحف والمجلات والإعلام عن طريق تعيين مُستشار لكل هيئة, بقصد إبداء الرأي بكل ما هو مُعد للنشر.

-القوة العسكرية

يجب دفع مُرتبات بانتظام وسخاء حتى تكون أحسن المرتبات في الدولة, وحتي يُصبح ذلك الجيش -باختصار- جيشًا مواليًّا.

كان هذا التقرير قد تم رفعه في عام 1953 بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بعام واحد، ولكن اتضح فيما بعد أنه صالح أيضًا لعام 2013 وفي أي مكان في الأوطان العربية وخاصة مَصر.



  • Usama Magdy
    صحفي , مهتم بالمعتقلين واللاجئيين والفقراء , بتمني وطن عربي افضل وارقي من شعوب الارض جميعاً . باحث في الشأن السوري , ومؤلف روايه جزر جيلبرت
   نشر في 28 ديسمبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا