لقد أوجب الشارع على الصائم الذي يجد عنده فضلا عن قوته وقوت عياله يوم الفطر صدقة الفطر صاعا من غالب قوت أهل البلد مما يدخر من أحد الأصناف التسعة التالية: القمح، الشعير، السلت، الذرة، الدخن، الأرز، التمر، الزبيب، الأقط (لبن يابس أخرج زبده) طعمة للمساكين تغنيهم عن طواف المسألة في هذا اليوم.

لكن النقاش بين مخرجيها جاري على قدم وساق بين المتشددين القائلين بإخراجها كيلا لأنه الأصل، والميسرين الذين يقولون بإخراج قيمتها مالا للمصلحة.

والخطب في المسألة يسير إذ الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله. ففي البوادي وجب إخراجها كيلا لا مالا، لأنه لا توجد هناك حوانيت بقالة ليشتري منها طعاما يشبع بطنه وبطن عياله. أما في المدن فيجب إخراجها نقدا لا حبا، لأن فرح العيال ورب العيال بالريال، أما المكتال فيستفيد منه فقط التاجر المحتال الذي يشتريه من المحتاج بأبخس الأثمان.

ناهيك على أن إخراجها ببعض الأصناف في المدن الحديثة لا يحقق الفائدة المرجوة فمثلا: ما يفعل مريض داء السكري بالتمر والزبيب، وكذا القمح والشعير والذرة فهي تحتاج إلى طحن وهذا عسير غير يسير يوم إذن بالمدن، ناهيك أن كل صنف منها من حيث الجودة فيه الممتاز والمتوسط والرديء وعندما يجتمع مختلطا بين يدي المحتاج يصير لقطا وهو ما يطعم للدواجن (أي الفراخ) فيفقد قيمة سعر شرائه عند الهم ببيعه.

ومع ذلك لا نسلم لقولهم: (إن زكاة الفطر تخرج مالا، لأن غالب قوت أهل البلد لا ضابط له في المدن). فالعباد في أي بلاد إما أن يكون طعامهم الأساسي أرزا أو خبزا - من قمح أو شعير - أو ذرة أو تمرا مهما تنوعت الأطباق الجانبية.

وفي الأخير أقول لقاطني المدن ممن يصر على إخراجها كيلا بعدما علم ما في ذلك من تضيق وتضيع للمسكين، إن لم تستح فاصنع ما شئت، لكن أولا ضع نفسك مكان الفقير، أطرق بابك يوم الفطر وأعطيك كيس شعير، أكيد ستشبع بطنك بطعام الحمير وستنهق فرحا وسرورا يوم العيد بينما جارك يطعم لحما. ألا إن في إخراجها نقدا إنقاذ لأهل المدن لو كنتم تعلمون علم اليقين.