( مختوم بالشمع الأحمر ) رسالة من شبح الى بنيامين ناتنياهو: " اقبل بالصفقة مع السنوار يا بيبي، فمشاكلك الحقيقية تجدها في تل أبيب ... و صدقني ان قلت لك انها لم تبدأ بعد!" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

( مختوم بالشمع الأحمر ) رسالة من شبح الى بنيامين ناتنياهو: " اقبل بالصفقة مع السنوار يا بيبي، فمشاكلك الحقيقية تجدها في تل أبيب ... و صدقني ان قلت لك انها لم تبدأ بعد!"

الموضوع: حرب غزة

  نشر في 27 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 28 نونبر 2023 .

في سلسلة الرسائل المختومة بالشمع الأحمر، توجه شخصية مهمة رسالة خيالية تماما و سرية للغاية الى شخصية أخرى، بخصوص موضوع حيوي و طارئ لا يقبل التأجيل، إلا أنني و لحسن الحظ عثرت على نسخة من الرسالة، و لأنكم أصدقائي، فقد قررت مشاركتكم بمحتوياتها، شرط ان تكتموا السر ...



لم يصدق رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين ناتنياهو " ان هذا الاجتماع الناري قد انتهى حقاً حتى رأى بأم عينيه آخر موظف يغادر القاعة. كانت مناظرةً حامية الوطيس بينه و مؤيديه من جهة، و بين "يواف جالانت" (وزير الدفاع) و " بيني جانتس " (عضو الكنيست و مجلس الحرب الإسرائيلي) و مؤيديهما من جهة أخرى. أولئك الفشلة المثيرون للشفقة! لم يكن أي منهم ليحلم بأن يجلس على كرسي وزاري لو لا انه اختارهم و فضّلهم على من هم أكفأ منهم، لا لشيء سوى ان المعارضة حولت حياته الى جحيم، فلم يجد بداً من التحالف مع هؤلاء الرعاع المتعصبين لكي يُشَكِّل الحكومة. فها هو ذلك الأحمق الثرثار " إيتمار بن غفير " يدعو الى تصعيد وتيرة الحرب و زيادة غلة القتلى في غزّة، و يصدح نهاراً جهاراً امام العالم كله بآخر شيء يحتاجه رئيس الوزراء الإسرائيلي حالياً، رغم ان الجبان لم يفتح فمه بكلمة واحدة يوم السابع من أكتوبر. كان الوضع فوضوياً للغاية في تل أبيب، بين حرب التصريحات بين كبار مسؤولي مجلس الحرب الإسرائيلي، و التناقض الصارخ بين خطط "ناتنياهو" و رؤية وزراءه و جنرالاته، حيث أصر كل واحد من الرجال الثلاثة (ناتنياهو و جالانت و جانتس) على عقد مؤتمراته الصحفية الخاصة منفرداً، فَكَثُرَ كلامهم، و تعددت أخطائهم، و تشابكت حبالهم، و لم يتفقوا على أي شيء، ليكون المشهد ساخرا و معبرا للغاية، فها هي إسرائيل التي كانت تسخر من جيرانها العرب على تخلفهم و ضعفهم و قد أضحت أسوأ منهم جميعاً. حدث هذا كله أمام العالم أجمع، فلم توفر وسائل الإعلام جهداً في اصطياد العثرات و الزلّات، و هذه الأخيرة في صورتها الرسمية أرحم كثيرا من وسائل التواصل الاجتماعي التي يستحيل التحكم بها. بدا لناتنياهو ان الكون كله يتآمر عليه، و في خضم هذا المصاب الجلل، جاءت تصريحات وزير التراث الإسرائيلي "أميحاي الياهو" التي لا تصدق و الذي دعا فيها (و بكامل قواه العقلية) الى قصف غزة بالسلاح النووي لتضع الجميع في موقف شديد الحرج، حتى ان ناتنياهو نفسه و معه بعضٌ من أعتى صقور الصهاينة المخضرمين نأوا بأنفسهم عن هذا الجنون. كان من الواضح لناتنياهو ان وزراءه يحاولون القضاء عليه قبل أعداءه، و لن يجدوا وقتاً أفضل من اللحظة الحالية لتنفيذ مخططاتهم. أخذ رئيس الوزراء المتعب خطوات متثاقلة الى شرفة غرفة الاجتماعات، و التي أطلت على الحديقة الداخلية لمبنى الكنيست الإسرائيلي و نظمت فيها طاولات جميلة مرتبة من أجل جلسات العشاء الودية اذا رغب أعضاء البرلمان في الجلوس في الهواء الطَلْق ، بعيداً عن أعين المتطفلين. انهار "بيبي" على أحد المقاعد الوثيرة و سكب لنفسه قدحا من الشراب المعتق المخبأ في جيب سترته الداخلي و المخصص للحالات الطارئة و أشعل سيجار " كوهيبا سيجلو رقم ٥." المفضل لديه و الذي خبأه في الجيب الآخر. لم يكن هناك مخرج سهل من هذه الأزمة، فان استمر في ضرب غزة و محاولة استئصال حركة حماس من جذورها، فسيخاطر بانقلاب المجتمع الدولي ضده، خاصة و ان عدد الضحايا من المدنيين قد تجاوز الأحد عشر ألفاً، و لا يمكن لحلفائه الغربيين التغطية على مجازره أكثر من ذلك. واما الاحتمال الآخر فهو الاستماع للمقترحات التي تتحدث عن صفقة قادمة لتبادل الأسرى مقابل وقف إطلاق النار و ادخال المساعدات للقطاع. و أيا كان خياره، فقد علم ناتنياهو بلا أي شك ان مستقبله السياسي قد انتهى تماماً. و علم أيضا ان هناك كلاباً مسعورةً في الكنيست و وزارات الدفاع و الخارجية و الأمن الداخلي ستطارده و لن تهدأ حتى تدمره بلا رجعة، فلا يمكن للمرء ان يكون رئيساً للوزراء لأكثر من ستة عشر عاماً دون ان يكوّن بعض الأعداء هنا و هناك. استرخى ناتنياهو على كرسيه يحتضن نسائم الفجر الباردة، بعد يومه المتعب المليء بالمشاجرات و المناكفات، و روحه الحزينة مثقلة بالشامبانيا، فغلب النوم عينيه و غَرِقَ في أحلام مضطربة قلقة. وجوهٌ قديمة رحلت عن عالمنا من زمن بعيد، بعضها مألوف و أغلبها لأناس غرباء، يصرخون به و يمسكون بثيابه بأياديهم الملطخة بالدماء. نساء تبكي، أطفال ميتون تحت أنقاض المباني، جثث متحللة لرجال قضوا تحت التعذيب في أقبية الموساد و الشاباك، و هذا الرجل العجوز بنظاراته الغامقة السميكة و لكنته البولندية الواضحة، يبتسم له بعينين غامضتين، و اخوه "يوني " – الذي قتل في عملية " عنتيبي " في اوغندا - ينظر له بخيبة أمل و اشفاق، و هذا الملثم الفلسطيني يرتدي كوفيةً مخضبة بالدم و يمسك بجثة فتاة صغيرة لم تتجاوز الخامسة، يقترب منه حتى استطاع ناتنياهو ان يشم رائحة البارود و الدم و الموت، حاول ايقاف الرجل، حاول دفعه بعيدا، لكن الفتاة فتحت عينيها فجأة و نظرت اليه قبل ان تطلق صرخة عظيمة. استيقظ ناتنياهو من نومه المسموم متوترا، جلس مستقيما على مقعده يفرك عينيه. نظر حوله، لكن المكان كان خاليا تماما. لاحظ ان منفضة السيجار بجانبه احتوت على سيجار آخر يكاد ينتهي، بجانب سيجاره هو المنطفأ. و كانت رائحة البيرة البولندية تملأ المكان لسبب ما. بجانب المنفضة، كان هناك مظروف بني متوسط الحجم، كُتِبَت عليه بالعبرية العبارة التالية: " لعيني رئيس الوزراء فقط ". أمسك ناتنياهو بالمظروف و فض ختمه الشمعي الأحمر، ثم بدأ بالقراءة :

المُرسِلْ: مناحيم بيجين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق

المُرْسل إليه: بينيامين ناتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي.

التاريخ: --/--/----

*

عزيزي بيبي، لن أسألك عن حالك الآن، فما أراه و أسمعه عنك في كل مكان يغني عن السؤال. من بينكم آل ناتنياهو جميعا، لم يعجبني شخص بقدر ما أعجبني ابنك "يائير"، ذلك الشاب الحصيف النبيه. فبينما كان والده يحشر البلاد و العتاد ليشعل النار بغزة و أهلها و يبيدهم عن بكرة أبيهم، مُرسِلاً الآلاف ليَقتلوا او يُقتلوا، كان هو مسترخيا على شواطئ ميامي الدافئة كأن الأمر لا يعنيه على الاطلاق، و من يستطيع أن يلومه؟! أستطيع بكل ثقة ان أحزر انه لو كان ابنك موجودا بين الجنود الذين سيرسلون الى غزة، لفكرت ألف مرة قبل ان تعلن الحرب يا بيبي، فالرجل منا يستطيع مواجهة الصحافة و الاعلام و رجال البرلمان و المعارضة، لكن أخبرني بالله عليك من الذي سينجيك من براثن "سارة" ان أرسلت ابنها الى حتفه؟ تلك معركة لا يمكنك الانتصار بها، و حسناً فعلت ان تجنبتها، رغم ان مثل هذه الحكمة لم تعد من شيمك مؤخراً. ما أود معرفته منك حقاً هو كيف وصل بنا الحال الى هذا الوضع الكارثي؟ ما الذي فعلته يا بنيامين؟ كيف استطعت – بمفردك – ان تهدم حلماً قديماً بذلنا جميعاً لأجله الغالي و النفيس حتى تجلى أمامنا واقعا لمسناه و عايشناه؟ أتعلم ان شعبنا انتظر لأكثر من ألفي عام قيام دولته على أرض الميعاد؟ لقد زرعت في مجتمعنا بذور الحرب الأهلية، بمغامراتك السياسية المراهقة. ألا تعلم ان المحكمة العليا تعتبر خطاً أحمراً لا يمكن المساس به؟ دعنا من ذلك الهراء الذي صدعت به رؤوسنا في مقابلاتك مع "بيرس مورجان"، فكلانا يعلم جيدا سبب قيامك بكل ذلك، و لا أعلم حقيقةً ما هو أسوأ: حقيقة ان رئيس الوزراء يريد تطويع المحكمة العليا لسياساته حتى يتفرد بالمشهد السياسي (و يتجنب المحاسبة القانونية أيضاً)، ام ان جرائمه التي ارتكبها و التي شوشت على حساباته الاستراتيجية هي من السماجة و السخف بحيث جعلتنا مثار للتندر و السخرية في كل مكان. لا أستطيع تخيل ان أعلى موظف حكومي في دولتنا لا يغسل ملابسه بالأسابيع! و لا يحلو له ان يلبس النظيف من الثياب الا اذا طُهِّرَت بالمياه العذبة البراقة التي لا تجري الا في حنفيات البيت الأبيض. كما اني لا أتصور أيضا انك ساذج لدرجة تصديق ان صديقك المخملي " ارنون ميلشان " قدم لك كل تلك الشامبانيا و علب السيجار الفاخرة لأنه يحبك و يؤمن بسياساتك. لقد تخلى عنك ببرود عند أول بادرة للمتاعب، شأنه في ذلك شأن أي شخص يملك خمسة مليارات دولار في حساباته الكثيرة الوثيرة، يمكنه بها أن يشتري أي شيء و أي شخص، حتى لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه. الفرق الوحيد بينكما هو ان "ميلشان" لا يُمكن المساس به، على عكسك انت يا بيبي. لم تتعظ من الذي حدث لرجال قبلك، و أبديت إصرارا عجيباً على التوسع في الاستيطان و تهجير العرب و زيادة الاعتقالات العشوائية دون ان يكون لك خطة احتياط تعود لها اذا ما ساءت الأمور، و الأسوأ انك تقوم بكل هذا دون اكتراثٍ لأي أحد. حاول على الأقل إخفاء بعض الأمور التي ليست في صالحنا كما كنت أفعل انا سابقاً. ليس عيباً ان تتراجع للوراء كي تكسب بعض الوقت للمناورة، لكن المُشين فعلاً هو ان تعود لاهثاً وراء السلطة بعد ان طردك الناخبون من منصبك كأي نائب برلماني شاب يريد المجد و الشهرة، رغم علمك جيدا انه لا يوجد مواطن إسرائيلي واحد يطيق حتى سماع اسمك، بل ان معارضيك كانوا على استعداد للتحالف مع الشيطان نفسه للإطاحة بك. اننا نواجه الآن تحدياً وجودياً يا بنيامين، فإما ان تصمد دولتنا و تزدهر ليعيش فيها احفادنا، او يكون مصيرها مثل مصير سابقاتها. لقد أوغلت في الدم كثيراً يا بيبي، حتى بمعاييرنا نحن. استبحت الأعراض و الأملاك، هدمت بيوتاً بأكملها على رؤوس أصحابها، و دعنا لا ننسى قافلة اللاجئين الذين "نصحتهم" بالتوجه الى جنوب القطاع، قبل ان تقصفهم طائراتك و هم في الطريق. لقد جعلتني فخوراً في ذلك اليوم، لولا ان وسائل التواصل الاجتماعي رأت و سمعت كل شيء. ذلك اللعين "ايلون ماسك" يكاد يعد علينا أنفاسنا على منصته التافهة، ذلك الجاحد الناكر للمعروف! أنسي كل أفضالنا عليه؟! لكنه سيعرف الحقيقة قريباً، فلا أحد يتجرأ على تحدينا في وسائل الاعلام. عندما كنت أقود قوات "آرجون" قبل زمن بعيد، ضربت العرب بالحديد و النار، لم أوفر طفلاً و لا شيخاً و لا امرأة. و فعلت كل ذلك دون ان يتهمني أحد بشيء، بل انهم كافئوني بجائزة نوبل للسلام! أتعلم كيف فعلت ذلك يا بيبي؟ كنت ذكياً و حذراً، لم أترك أدلةً ورائي، لم يكن هناك شهودٌ يدينونني، لم اسمح لأحد بتصويري، لكن الأهم من ذلك كله انني كنت أتحكم بلساني و أعرف ماذا و كيف أقول ما أقوله أمام أولئك الصحفيين الأغبياء، و هو شيء يبدو صعبا عليك انت و جماعة المهووسين الذين أحطت نفسك بهم مؤخراً. حتى عندما جلست على طاولة واحدةٍ مع ذلك الثعلب العجوز "أنور السادات"، لم أوقع ورقة واحدة قبل ان أضمن تحييد أقوى و أكبر خصومنا في تلك المرحلة، الا و هم المصريون. حتى ان كلفني ذلك سيناء الحبيبة، و التي يبدو انها تصر على تعذيب شعبنا دوماً. أظن حقيقةً ان علاقتنا بأرض إسرائيل الكبرى هي علاقة حب من طرف واحد. لكنني لست مستعداً بعد للتخلي عن هذا الحب، و أحسبك تشاركني الرأي. لقد خيبت أملي كثيرا يا ولدي، كم كنت أتمنى ان اراك تتعلم من دروس التاريخ، و تستخدم الحيلة و الذكاء لتحرير أسرانا من قبضة العدو، بدل الاندفاع كالثور الهائج لتدمير غزة و تسويتها بالأرض دون ان تحقق أي شيء على الإطلاق غير تشويه سمعتنا و شيطنتنا أمام العالم. لقد أخطأت كثيرا يا بيبي، و لو كنت مكانك لبدأت بإصلاح الأمور من الان. أَخْرِس سمودريتش و بن غفير و الياهو، فهؤلاء السفهاء لا يمكن ان ينطقوا بشيء مفيد. أوقف بناء المستوطنات و حملات الاعتقالات التعسفية. تصالح مع "جالانت"، و عُد الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. توقف عن لعب دور الحمل الوديع امام الكاميرات رجاء، فنحن نعلم قبل غيرنا ان أرض فلسطين هذه ملك لأصحابها، لقد حصلنا على فرصتنا هنا من قبل و ضيعناها ... مرتين! فالتوراة نفسها نهتنا عن العودة الى أرض صهيون، التي يبدو انها لم و لن تبادلنا الود ابداً، فلا داعي لاستحضار نبؤات قديمة للتدليل على حقٍ خسرناه نحن قبل آلاف السنين. انظر بعمق الى عيني الرجل الذي تراه في المرآة كل يوم، و حدد بنفسك ان كنت فخورا بما تراه. اقبل بالصفقة مع السنوار يا بيبي، فمشاكلك الحقيقية تجدها في قلب تل أبيب، و صدقني ان قلت لك انها لم تبدأ بعد!

مع خالص تحياتي ...

مناحيم.   



   نشر في 27 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 28 نونبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا