رؤى الحجاز

فيصل البكري

دار حديث يوم أمس فيما بيني وبين عدد من الأصدقاء على ذكرى إجتماعنا الشهري المعني بتوثيق تاريخ جدة داخل السور.

فقد أثار أحد الأصدقاء قصة عرض "شبشب الزنوبة" في الأسواق الذي كُنّا نشتريه زمن الطيبين بريالين. بأنه يباع اليوم بسعر ٢٠٠ ريال. على أساس أنه "ماركة" مع أنه لا يوجد براعة إختراع في إنتاجه وصناعته. فهو يُصنع في أقبية المنازل ولا يحتاج لعمالة أكثر من عدد أصابع اليد. فمفهوم "الماركات" ما هي إلا كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدقها البسطاء وطالت الفقراء.!

لقد أستدركت ماضينا الجميل حينما صال وجال "شبشب الزنوبة" بين قصور الأغنياء وعشش الفقراء. وحط رحاله بين أرجل الكِبار والصغار رجالآ ونساء. وكان حاضرآ بشكل كبير في مواسم الحج والعمرة. ما جعل لباسه جزء من "مذاهب" الحجاج والمعتمرين.

والأهم من كل ذلك… تخرج من وراء "لسعاته" الأطباء والمعلمين والمهندسين والمفكرين والأدباء وكان أثرا بعد عين برخص ثمنه وغلاء مزاياه.

فجميعنا ذاق مرارة لسعاته من "أمهاتنا" وتكمن حلاوته حينما يُسمع رنين صوته في أُذن المتشمتين علينا من أبناء الجيران.

فقد ولد في مجتمعنا منذُ زمن الأجداد والمخطوطات.

وربما يقول البعض أن هذا "الشبشب" العالمي يقتصر على اللبس فقط.! لكنه يتميز في مجتمعنا "الحجازي" بعدة صفات من أهمها… التعددية في الألوان ليرضي جميع الأذواق.

فهو مسطح لين الملمس ناعم المظهر ضد الماء ولا يسبب الماً للقدم أو الظهر.

طيب العشرة ويقف مع صاحبه على الحلوة والمرة.

يُعلم فنون الأدب والسلوك والعلم والمعرفة وفن حماية الأقدام من السير حفاة. 

ومن مزايا رؤيته في المنام كما جاء في تفسير "إبن سيرين" بأنه أمارة على ما يشعر به "الرائي" من قلة الحيرة بسبب عجزه عن الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية،

لم يرضخ للتيارات الغربيه فقاوم حتى حصل على ماهو عليه من شهرة وشعبية في مجتمعنا. وأصبح اليوم واحدا من ضمن الموضة التي يرتديها الفنانيين والمشاهير في الوطن العربي.

حيث نجد في كل مجتمع طبقة من الناس منهم الأغنياء مدمني شراء "الماركات" ليس لجودتها ولكن ليتظاهروا بأنهم ممن يقتنوها. وهو شعور وإحساس بالتميز عن الأخرين. ولذلك أصبح نصيب "الشبشب الزنوبه" الذي طال لسعاته الكثير من الأغنياء. كان له السبق في العودة إليهم على هيئته البهية السابقة ولكن بصورة يعلوها المباهاة بثمنه الباهض.!

وفي المقابل نجد بعض النساء من الطبقات المتوسطة يحاولن تقليد الأغنياء ليرتقوا على حد تفكيرهن بالتميز على حساب كاهل الزوج. وقد تكون النتيجة "الطلاق" كأحد الأسباب الرئيسية الذي يقع بين الكثير من الأزواج.

فهنالك العديد من المنتجات التي تحمل أسماء معروفه وذات جودة عالية وبأسعار تكون في متناول الجميع لشراؤها. ولكن ليس من المنطق شراء "شبشب زنوبه" يباع في حراج العصر بثلاثة ريال لنشتريه من المولات بسعر مئتان ريال. فهذا إسفاف وإسراف حتى ولو كُنّا أثرياء. وصدق الناس القُدم لما قالوا: اللي عنده قرش يبغا يرميه. يشتغل في اللي ماله فيه. وتحياتي للشبشب العتيد والله الموفق…