النية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

النية

إنما الأعمال بالنيات

  نشر في 12 نونبر 2015 .

لما للنية من أهمية بالغة في حياة المسلمين؛ اخترت لكم موضوعاً مهماًّ عن النية من شرح الشيخ محمد سعيد رسلان لـ (منظومة القواعد الفقهية) للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله.

من الصفحة 99 إلى الصفحة 114

شرح البيت الحادي عشر من المتن.

من كتاب:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح رسالة

القواعد الفقهية

تأليف فضيلة الشيخ

عبدالرحمن بن ناصر السعدي

رحمه الله تعالى

شرح فضيلة الشيخ

أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان

حفظه الله تعالى

فَصْلٌ

(النِّيَّةُ وَأَثَرُهَا فِي الْعَمَلِ)

11- (وَشَرْطٌ النِّيَّةُ فِي كُلِّ عَمَلْ)

بِهَا الصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ لِلْعَمَلْ"¹".

وهذه القاعدة أنفعُ القواعدِ، وأجَلُّها"²", وتدخل في جميع أبواب العلم؛ فصلاح الأعمال البدنية، والمِلَلِيَّة: أعمال القلوب، وأعمال الجوارح إنما هو بالنية، وفساد هذه الأعمال بفساد النية.

فإذا صلَحت النية صلَحت الأقوال والأعمال، وإذا فسدت النية فسدت الأقوال والأعمال، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى). [أخرجه البخاري (1) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه]"³".

والنية لها مرتبتان:

إحداهما: تمييز العادة عن العبادة، ذلك أن الصوم مثلا هو ترك الطعام والشراب ونحوهما، ولكن تارة يتركه الإنسان عادة من غير نية التقرب إلى الله في هذا الترك، وتارة يكون عبادة، فلا بد من التمييز بينهما.

الثانية: تمييز العبادات بعضها من بعض؛ فبعضها فرض عين، وبعضها فرض كفاية، وبعضها راتبة أو وتر، وبعضها سنن مطلقة، فلا بد من التمييز.

ومن مراتب النية: الإخلاص، وهو قدر زائد عن مجرد نية نفس العمل، فلا بد من نية نفس العمل، والمعمول له، وهذا هو الإخلاص"⁴"، وهو: أن يقصد العبد بعمله وجه الله، لا يريد غيره"⁵".

فمن أمثلة هذه القاعدة: العبادات كلها، كالصلاة فرضها ونفلها، والزكاة، والصوم، والإعتكاف، والحج، والعمرة –فرض الكل ونفله- والأضاحي والهدي، والنذور والكفارات، والجهاد، والعتق، والتدبير.

ويقال: بل يسري هذا على سائر المباحات، إذا نوى التقوي على طاعة الله، أو التوصل إليها كالأكل والشرب، والنوم، واكتساب المال، والنكاح، والوطء فيه، وفي الأَمَة، إذا قصد به الإعفاف، أو تحصيل الولد الصالح، أو تكثير الأُمَّة"⁶".

وهاهنا معنى ينبغي التنبه له، وذلك أن الذي يخاطب به العبد نوعان: أمر مقصود فعله، وأمر مقصود تركه.

فأما المأمور به فلا بد من النية، فهي شرط في صحته"⁷"، وفي حصول الثواب به كالصلاة ونحوها.

وأما ما يقصد تركه، كإزالة النجاسة في الثوب، والبدن والبقعة، وكأداء الديون الواجبة.

فأما براءة الذمة من النجاسة إذا أزالها، والديون إذا قضاها، فلا يشترط لها النية، فتبرأ الذمة، ولو لم ينوِ، وأما حصول الثواب عليها فلا بد فيه من نية التقرب إلى الله في هذا، والله أعلم.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) الذي في الأصل لا يستقيم به وزن البيت:

ونيتنا شرط لسائر العمل ........

2) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «شرح منظومة أصول الفقه وقواعده» (234) : «وهذه القاعدة, وهي الحكم على الإنسان بنيته مستفادة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».

وهذا الحديث من أجمع الأحاديث وأعظمها، وعليه مدار أعمال القلوب كلها، ولا يمكن أن يقع فعل من عاقل مختار بدون نية إطلاقاً».

قلت: لو كلفت أنسانا أن يفعل فعلا بغير قصد ولا نية، فقد كلفته بالمحال، لا يمكن أبدا أن يكون؛ ولذلك لما ذهب رجل إلى ابن عقيل، فقال له: إني انغمست في النهر، أربعين مرة بقصد الطهارة وأرى أني لم أطهر بعد. فما ترى؟

بقصد الغسل، انغمس في النهر وخرج هذا العدد أو ذكر عدداً قريباً منه.

قال: والله أرى أنه لا يجب عليك الغسل أصلا.

قال: كيف؟

قال: لأن الأبعد مجنون.

لأن الذي ينغمس في النهر عشر مرات، ويرى أنه لم يطهر بعدُ، هذا مجنون.

فقال: أرى أنه قد سقط عنك المطالبة بالغسل أصلاً، لا تتعنت.

فلا يمكن أبدا أن يقع فعل من عاقل مختار بدون نية إطلاقا.

ولذلك من الأمراض التي تحيط ببعض الناس ما يتعلق بالوسوسة في الوضوء أو في الغسل أو في الصلاة أو ما أشبه. لأنك لو أرجعتها إلى محض العقل، لوجدت العجب قائماً.

الرجل يخرج من بيته قاصداً المسجد بنية الصلاة، سمع الأذان فخرج، أو هو يتهيأ للصلاة قبل الأذان، فخرج إلى المسجد قاصداً الصلاة، ثم يقف في الصف يستحضر النية، أي نية؟

ولذلك كان بعض العوام بجوار رجل يوسوس في النية في المسجد الحرام، فالرجل قال بعد عناء: نويت أصلي الظهر في المسجد الحرام وراء الإمام فلان، ولما همَّ بأن يكبر، قال له العامي: انتظر بقي شيء، قال: في يوم كذا في شهر كذا!!

لأن الله عز وجل يعلم ما تفعل وما تريد وما تقصد، بل يعلم ما تسر، فأنت قصدت المسجد للصلاة، الله يعلم ذلك، وأنت خرجت قاصدا الصلاة، فإذا وقفت في الصلاة لا تحتاج إلى ما يقع من هذا، ولكن هذا مرض نفسي، يقال له: الوسواس القهري، قد يقع في الوضوء، أو الغسل أو الصلاة أو الطعام أو الشراب في أمور كثيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

ولكن لا يمكن أن يقع فعل من عاقل مختار بدون نية أطلاقاً.

«وهذه النية عليها مدار الجزاء من ثواب أو عقاب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما لكل امرئ ما نوى» [أخرجه البخاري (1) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه].

وينبني على هذه القاعدة مسائل كثيرة، حتى إن بعض العلماء قال: إن هذا الحديث نصف العلم؛ لأن العلم هو العلم بالأحكام، والأحكام: إما ظاهرة، وإما باطنة.

فالباطنة ميزانها حديث عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنيات».

والظاهرة ميزانها حديث عائشة رضي الله عنها: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [أخرجه مسلم (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها].

قلت: وأخرجه البخاري معلقا مجزوما به عنها رضي الله عنها.

«وهذا صحيح، وهما بمعنى قولنا: إن شَرْطَي العبادة الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص يكون بالنية، والمتابعة تكون بالعمل الظاهر.

ولهذا قال العلماء –رحمهم الله- : إن الدين كله يدور على هذين الحديثين. بل لو قيل: إن الدين كله ينبني على هذا الحديث «إنما الأعمال بالنيات» [أخرجه البخاري (1) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه]، لم يكن بعيداً؛ لأنه حتى العمل الظاهر لو كان موافقاً للشريعة في ظاهره ولكنه بدون إخلاص فهو باطل».

3) قلت: هو عند مسلم بلفظ: «إنما الأعمال بالنية».

4) هذا يغفل عنه كثير من الناس.

5) هذا الأمر الكبير الذي ذكره المصنف رحمه الله ممَّا يتوجب الإِلتفات إليه، أنت عندما تتوضأ، فأنت تنوي استباحة الصلاة مثلا أو رفع الحدث، هذا الذي نويت كما مر ذكر ذلك إنما هو نية نفس العمل.

فأنت تنوي الوضوء، يعني تنوي استباحة الصلاة أو تنوي رفع الحدث، فهذه نية نفس العمل، ولكن لو ضممت إلى ذلك نيتين أخريين، فقد وصلت حينئذ إلى مرتبة الكمال الخالص والإخلاص الكامل فيما يتعلق بإخلاص هذا العمل، لأن هذا العمل قد فرضه الله عليك.

يعني إذا قمت إلى الصلاة فلا بد من الطهارة، فأنت تتوضأ للصلاة إن كنت محدثا حدثا أصغر، فأنت تنوي طاعة الله –تبارك وتعالى- بالإتيان بنفس العمل، فتنوي استباحة الصلاة أو رفع الحدث، وتنوي متابعة الرسول.

وهذه تغيب!

فتنوي عند الوضوء أن تتابع النبي صلى الله عليه وسلم وأن تتوضأ كما كان يتوضأ صلى الله عليه وسلم، وتنوي أيضا المعمول له هذا العمل، وهو ما ذكره الشيخ بلفظ الإخلاص، فتنوي بالوضوء وجه الله –تبارك وتعالى-.

وكذلك في الصلاة, وكذلك في سائر ما ينوى، فتجمع هذه النية، وهذا هو الإتباع الحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يتوضأ كما علمه جبريل، فهذا أمر لم يكن من عنده، وإنما بتعليم الله تعالى إياه، فهو متبع لما أمره الله رب العالمين باتباعه، ثم هو صلى الله عليه وسلم ينوي هذا الفعل الذي هو مقدم عليه، ثم هو يأتي بما كلفه الله رب العالمين به على وجهه.

أنت من أجل أن تكون في هذه المرتبة الثانية، فأنت تنوي متابعته هو صلى الله عليه وسلم، وأما الأمر الثالث، فهو أن تنوي المعمول له، يعني أن يكون حاضراً في ذهنك أن هذه عبادة، والعبادة لا بد فيها من الإخلاص، فأنت تتوضأ لله رب العالمين، وكذلك في الصلاة والصوم وسائر ما ينوى له.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «شرح منظومة أصول الفقه وقواعده» (234) : «ومن تأثير النية في العمل أنك قد تجد رجلين يصليان ساجدين؛ أحدهما يسجد للشمس، والثاني يسجد لخالق الشمس، وصورة العمل واحدة، لكن من يسجد لله فعمله مرضي عند الله، ومن يسجد للشمس فعمله مسخوط عند الله.

ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء؛ أي ذلك في سبيل الله؟!

قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» [أخرجه البخاري (2810)، ومسلم (1904)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه].

فبين صلى الله عليه وسلم أن الرجلين قد يقاتلان جميعاً أحدهما في سبيل الله، والثاني في سبيل الطاغوت.

وكم من طالبين للعلم في مكان واحد، وأمام مدرس واحد، وبينهما كما بين السماء والأرض؛ باعتبار النية.

فالنية لها تأثير كبير في تصحيح العمل وتكميله، أو إبطاله ونقصانه».

6) وهذا إنما ضرب مثلاً للمباح الذي تسري فيه النية لكي يثاب المرء عليه، والحق أن ذلك لا يكون إلا في صورة واحدة من خمس صور تتعلق بالنكاح؛ لأن النكاح قد يكون واجبا وقد يكون مندوباً إليه، وقد يكون مباحاً، وهذا الذي قصده الشيخ رحمه الله.

وقد يكون النكاح مكروهاً، بل قد يكون حراماً إذا كان لا يقوى على تكاليفه مما يتعلق بالوطء أو بالإنفاق، وهو على يقين بأنه إذا ما نكح ظلَمَ، فإنه لا يجوز له حينئذ ولا ينبغي أن يفعل ذلك.

أو إذا كان متيقناً –وهو لا يخشى على نفسه العنت- أنه إن تزوج ظلَمَ أباه وأمه، أو قصّر تقصيراً كبيراً في حق من الحقوق الواجبة عليه، إلى غير ذلك.

المهم أن النكاح تعرض له الأحكام التكليفية الخمسة، فالشيخ رحمه الله يقصد حكماً واحداً، وهو ما يتعلق بالنكاح.

وبالنية تتحول العادة إلى عبادة، بالنية الصالحة، تتحول العادة إلى عبادة، الناس يأكلون ويشربون ويتناكحون، وهذه كلها مما جعله الله رب العالمين في الغريزة والطبيعة البشرية، ولكن هذا الذي يعتاده الناس ويأتون به عفواً صفواً رهواً من غير ما نظر، هذه الأمور يمكن أن تتحول إلى عبادات.

لو أراد الإنسان أن يحول أكله إلى عبادة لله رب العالمين ينوي التقوي على طاعة الله وذكره وعبادته، والضرب في الأرض لتحصيل الرزق أو لنشر العلم أو لطلبه، فيتحول الطعام والأكل إلى عبادة.

وكذلك ما يتعلق بالمنام، إذا نوى بالنوم أن يحصل نشاطاً وقوة على مداومة الطاعة والعبادة لله رب العالمين وتحصيل قوة ونشاط للضرب في الأرض لتحصيل الرزق الحلال أو لطلب العلم أو لبثه، يكون النوم عبادةً لله – تبارك وتعالى-.

حتى ما يتعلق بإتيان الرجل أهله إذا نوى بذلك إعفافها أو إعفاف نفسه أو تحصيل الولد الصالح، فكل ذلك يكون عبادة لله – تبارك وتعالى-؛ لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «وفي بُضع أحدكم صدقة».

قالوا : يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته، ويكون له بها أجر.

قال : «أرأيتم لو جعلها في حرام يكون عليه وِزر؟! فكذلك إذا جعلها في حلال يكون له بها أجر».

وقد اختلف العلماء في هذا الأمر على قولين : هل يشترط النية في هذا الأمر أو لا، يعني هل يشترط أن ينوي أن يكف عن الحرام بإتيان الحلال؟

والصواب: أنه لا يشترط لأنه ليس لذلك ذكر في الحديث.

فحتى إتيان الرجل امرأته فيما شرع الله رب العالمين في غير حيضةٍ ولا دبر، له بها أجر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فاستعمال النية على الوجه الصحيح من أهم المهمات، بل يمكن أن تكون بالنية سابقاً وأنت قليل العمل، لا لأنك تقصر في العمل، ولكن لأنه معجوز عنه، يعني لم يؤتك الله رب العالمين قوة على الجهاد في سبيل الله والجلاد، أو لم يمكنك منه، على قواعد أهل السنة في ضبط هذه العبادة العظيمة التي هي ذروة سنام الإسلام، فماذا تصنع؟

تنوي؛ فإن الإنسان إذا نوى الغزو والجهاد في سبيل الله، كُتِبَ له الأجر ولو مات على فراشه، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والأدلة على ذلك متكاثرةٌ، منها:

حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لأصحابه وهم عائدون من الغَزَاة: «إن ورائكم بالمدينة أقواماً، ما سِرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا شاركوكم في الأجر، حبسهم العذر».

أقوامٌ ظلوا بالمدينة لم يتحركوا، لم يخرجوا في الجهاد، ولكن كانوا معذورين، كانت عندهم أعذار تقطعهم عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم مجاهدين في سبيل الله، فبقوا في المدينة، في الماء البارد والظل الظليل، بين أهليهم ونسائهم وأموالهم وفي دورهم، ولكن بنِيَّاتهم الحسنة الصالحة.

ما سار إخوانهم من الغزاة مسيراً ولا قطعوا واديا إلا شاركوهم في الأجر، قال: «قطعهم العذر»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

فالإنسان لو راعى هذا الأمر – وكثير من المسلمين لا يراعي هذا الأمر- آتاه الله رب العالمين أجراً عظيماً، وعندك حديث الأربعة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما هذه الدنيا لأربعة نفر، رجل آتاه الله مالا وآتاه علماً، فهو يقضي في ماله بعلمه، فهذا بأرفع المنازل».

أوتيَ مالاً وعلماً، وهو يمضي ويقضي، وهو يتحرك في هذا المال في دائرة الشرع الأغر على مقتضى العلم الذي آتاه الله رب العالمين، فهذا بأرفع المنازل.

«ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن الله آتاني مالاً لكنت مثله، فهما في الأجر سواءٌ».

هذا لم ينفق ديناراً ولا درهماً، ولكن نيته الصالحة رفعته إلى هذه المرتبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء.

«ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله بجهله، لا علم عنده، فهو يخبط في ماله في معصية الله – تبارك وتعالى- فهذا بأحط المنازل».

«ورجل – وهو الرابع مسكين- لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فيقول: لو أن الله آتاني مالا لكنت مثله»، أي مثل هذا العاصي الذي آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله في معصية الرب جل وعلا.

فهذا المسكين لم يحصِّل شيئاً، والآخر استخدم ماله في معصية الله، فقضى به ليالي في الملذات، وربما شرب الخمور، وربما في مباشرة المحرمات ومواقعتها، إلى غير ذلك، فالمهم أنه حصَّل متعة.

وأما هذا المسكين لم يؤتَ مالاً ولا علماً، ومع ذلك «يقول: لو أن الله آتاني مالاً لكن مثله، فهُما في الوزر سواء».

النية أمر عظيم، ولذلك يقول الأول:

مَنْ لِي بِمِثْلِ سَيْرِكَ الْمُدَلَّلِ تَمْشِي الْهُوَيْنَى وَتَجِي فِي الْأَوَّلِ

تمشي الهوينى: يعني تمشي على مهلك.

وتجِي في الأول: وتأتي سابقاً.

لِمَ؟ بِنِيَّتِهِ، هو يبيت ليلته وقلبه معلق عند عرش ربه، يسجد لله رب العالمين، قال: أوَيَسْجد القلب؟!

قال: «نعم يسجد القلب للرب سجدةً، إذا سجدها لم يرفع منها إلا يوم القيامة».

بالإنابة والخشوع وتمام التوحيد لله رب العالمين والاستسلام لله –جل وعلا-، إذا وقع ذلك، انتهى الأمر.

فينبغي علينا أن نجتهد في تحصيل النية وهي القاعدة الأولى، وهي التي يفرق ربك –تبارك وتعالى- بها عمل العاملين، فهذا مقبول العمل وهذا مردود عليه عمله، ولو كان العملان على صورة واحدة، كما مر في مسألة السجود.

كم من مصلٍّ لله رب العالمين!

وكم من صائم!

وكم من باذل!

وكم من منفق!

وكم من جواد!

كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على عظم هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام، وهو النية، في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في [صحيحه] في أول من تُسَعَّرُ بهم النار، فقال: «أول من تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة ثلاثة».

ثم ذكر العالم، وفي روايةٍ : «القارئ» أيضاً.

ذكر العالم فقال: «أول من تسعر بهم النار يوم القيامة» : فذكر العالم القارئ: فيؤتى به، فيسأله الله رب العالمين عن نعمه عليه وآلائه الواصلة إليه، يسأله الله رب العالمين عن هذا العلم الذي أدَّاه، فيقول: يا رب، تعلمت العلم وعلمته لأجلك.

يقول: كذبت، وإنما تعلمتَ العلم وعلمتَه لكي يقال: عالم، وقد قيل.

ثم يؤمر به فيُسحب على وجهه حتى يلقى في النار».

هذا أمر خطير، ولذلك من أول ما يتوجب على طالب العلم أن يُحَصِّله: النية الصالحة، ما هي نيتك في الطلب، ولماذا تطلب العلم؟

ينبغي أن تقف طويلاً، لا أن تنقطع عن العلم لكي تحصل هذه النية؛ لأن السلف يقولون: طلبنا العلم لغير الله، فأبى العلم إلا أن يكون لله.

لأن العلم إذا كان مستقيماً، فلا بد أن يردك إلى الجادَّة.

فالإنسان ينبغي عليه أن يصحح نيته لله رب العالمين ما استطاع، لا أن يوسوس ولا أن ينقطع عن العلم ويقول: أنا لو طلبت العلم، وأنا لا أحرر النية الصالحة، فمعنى ذلك أنه سينطبق عليَّ هذا الحديث الذي ذكره أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا لن أطلب العلم وإنما أرضى بالجهل.

هذه من أكبر المعاصي، وإنما ينبغي على الإنسان أن يجتهد في تحرير النية ولا يوسوس.

الثاني وهو من المرتبة الأولى أيضاً من النوع الأول: قارئ.

قرأ القرآن يعني حمله في لسان السلف، وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقال: القرّاء، وهم الذين يحملون كتاب الله –تبارك وتعالى-.

«قارئ يؤتى به، فيسأله الله رب العالمين عن نعمه عليه، فيعرفها، يقول: يا ربِّ، أنا قرأت القرآن، وأقرأته لأجلك، يقول: كذبت، وإنما قرأت القرآن وأقرأته لكي يقال قارئ، وقد قيل».

فيؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار.

من أعجب الأمور ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من الثلاثة : وهو ما يتعلق بالشهيد، لأنك يمكن أن تفهم ما يتعلق بالعلم، لأن الإنسان إذا حصّل العلم حصّل به جاهاً ظاهراً، أو مكانةً مرموقةً، أو أكرمه الناس لأجله، إلى غير ذلك من تلك الأمور الباطلة.

فقد يعجز الإنسان عن ذلك لما يحصّله من الملذات في الدنيا والمنافع فيها ، وكذلك الجواد المنفق هذا يحصّل الثناء من الناس عليه وهو حي.

وأما الشهيد، فهذا يموت، هذا يُقتل، فإذا حرص الإنسان على أن يستشهد وأن يموت ليُذكَر بعد الممات، فهذا أمر عجيب، وهو يدلُّك على تأصل هذه الغريزة في النفس البشرية هي محبة الثناء، أن الإنسان يحب من الناس الثناء عليه.

وهذا أمر معروف فيما يتعلق بالعلم مثلاً، يعني أنت إذا ذكرت رجلاً لم يؤته الله علماً، فقلت له: الأبعدُ جاهلٌ، يغضبُ، مع أنك وصفته بما هو فيه، ولكن لو قلت له : أنت عالم. يفرح مع أنه يعلم أن الذي وصفته به ليس فيه!!

وهذا يدلك على شرف العلم، أن الذي لم يؤت العلم يفرح إذا نسب إلى العلم، ويغضب إذا نسب إلى ضده، مع أنه فيه، وهو موصوف به.

فينبغي علينا أن نجتهد في تحصيل النية الصالحة في الأعمال والأقوال والإرادات، لأن الإنسان إذا نوى العمل وقطع دونه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حساب الحسنات والسيئات:

«إن الله كتب الحسنات والسيئات»، ثم بيَّن ذلك ربنا –تبارك وتعالى- على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر العظيم، يعني «إذا هممت بالحسنة فعملتها كتبها الله رب العالمين عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة».

لا تقع الحسنة حسنة، وإنما الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

والسيئة تقع سيئة واحدة، «وإذا هم بسيئة فعملها كتبت سيئة واحدة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، وإذا هم بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة».

فاجتهِد في ضبط النية لتحصِّل الأجر، أسأل الله أن يصلح نيتي ونياتكم؛ إنه على كل شيءٍ قدير.

7) قال العلّامة البسّام في «توضيح الأحكام» (1/47) : «الأمور بمقاصدها:

دليلها : قوله صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات» [أخرجه البخاري (1) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه].

معنى القاعدة لغة : الأمور جمع أمر، وهو الحال.

والمقاصد: جمع مقصد ومعناه الإرادة والعزم.

المعنى: أن أعمال المكلَّف وتصرفاته تختلف نتائجها باختلاف مقصود الشخص وغايته، فمن الْتقط لُقَطَةً يقصد أخذها لنفسه؛ كان غاصباً، ومن التقطها لحفظها وتعريفها وردها لصاحبها متى ظهر؛ كان أميناً.

وكما أن الفعل يتكيف حكمه في أحكام الدنيا بناءً على قصد فاعله، فكذلك يترتب عليه من جزاء الآخرة بالثواب والعقاب حسب قصده.

وهذه القاعدة على وجازتها ذات معنًى عامٍّ يشمل كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل».


  • 1

   نشر في 12 نونبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا