هواجس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هواجس

الغرفة 17

  نشر في 09 أبريل 2020 .

ألقى جسمه المتهالك على فراشه في نزل " تاكفاريناس" الكائن وسط المدينة العتيقة. كانت لديه رغبة جامحة في النّوم و الرّاحة، إلاّ أنّ هواجسه و أفكاره الغريبة كانت تمنعه دائما من متعة النّوم حتّى في حالات الإرهاق الشّديد.

كلّ غرف النّزل كانت متشابهة، إلاّ أنّ الغرفة 17 كانت هي المحبّبة إلى نفسه ، ظنّا منه أنّ رقم 17 كاد أن يغيّر مصيره و مصير جهته ووطنه، لولا تعرّض الثّورة لعمليّات تحويل وجهة متنوّعة و اغتصابات متواترة و عنيفة.

كان يشعر بالمرارة التي شعر بها حنّبعل و يوغرطة و تاكفاريناس و محمّد علي الحامّي و كلّ الثوّارالذين تعرّضوا للخديعة و الخيانة و الغدر.

قام من فراشه ، و أشعل سيجارة علّها تخلّصه من هواجسه التي باتت تسيطر على كيانه المحطّم.

أصبحت الهواجس لا تغادره منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التي اعترف العالم الغربي بنزاهتها، و التي شهدت بعد الفرز الدّقيق و الشفّاف للأصوات سقوط شعارات الثّورة و دوسها بالأقدام الملوّثة للمتاجرين بعقائد و أحلام البؤساء و المهمّشين.

ثمّ طفق يتصفّح ملفّه الذي لم يكن يغادر إبطه منذ اندلاع الثّورة، و الذي حوى كلّ الشّهائد العلميّة و الوثائق و المستندات التي من شأنها أن تمكّنه من شغل محترم ينقذ عائلته من البؤس الذي تفاقم و اشتدّ بعد إعلان دستور الثّورة الجديد.

فجأة، رنّ هاتفه بأغنية " هلا هلا يامطر" المحبّبة إلى نفسه، ليقطع سكون الغرفة الرّهيب و ينقذه من هواجسه المتسلّطة:

- أهلا من معي؟ !

- ألو" شادي نوّار" !!

- نعم أنا " شادي" تفضّل...من معي؟ !

- أنسيت صوتي؟ !

- عذرا لقد اختلّ كياني بعد الثّورة و أصبحت أشكو ضعفا في الذّاكرة.

- لازلت شابّا يا شادي !

- لقد هرمنا بسرعة بعد الثّورة...ألا تريد أن تقول لي من أنت؟ !

- أنا "فهمي رضوان" رفيق دراستك في المعهد...كيف يمكن لك أن تنسى صوتي؟ !

- آه...أهلا فهمي...كيف حالك؟

- أنا بخير و أنت؟

- لست بخير.

- أعلم جيّدا الظّروف الصّعبة التي يمرّ بها الوطن، و لكن لا تيأس، فأنت من حاملي شهادة الدكتوراه في الفلسفة.

- لولا الأمل الذي يحدوني لما انتقلت إلى العاصمة من أجل البحث عن عمل...و أنت هل أتممت دراستك في الجزائر.

- نعم و عدت إلى وطني لأفتح عيادة في العاصمة.

- مبروك أخي...هل أنت هنا في العاصمة؟

- سآتي غدا و أودّ مقابلتك، لقد اشتقت إليك صديقي، فأين أجدك ؟

- أنا أيضا اشتقت إليك ، تجدني في نزل تاكفاريناس في المدينة العتيقة...

- أعرف مكانه سوف أهاتفك عند وصولي...إلى لقاء قريب صديقي شادي.

لقد تخلّص شادي خلال هذه المكالمة القصيرة من بعض هواجسه ، و هاهو يعود إلى الفراش، مستعما إلى قطع من الموسيقى الهادئة المخزّنة في هاتفه الجوّال، علّه يفوز ببعض الدّقائق من النّوم. و أخذ في مطالعة رواية " البؤساء " لفكتور هيغو اشتراها بثمن زهيد من سوق الكتب القديمة، إنّها من أشهر روايات القرن التّاسع عشر، التي تحدّثت عن الظّلم المجتمعي الذي تعرّض له المهمّش جان فالجان ، الذي سجن لمدّة تسعة عشر سنة لأنّه سرق رغيف خبز.

لقد أحسّ شادي أنّ عبارات فيكتور هيجو الجميلة و الصّادقة قد هوّنت عليه مأساته ، و قد تيقّن بعد قراءة جزء بسيط من الرّواية أنّ الثّورة الفرنسيّة لم تحقّق أهدافها إلاّ بعد عقود من المعاناة و المآسي المتتالية.



   نشر في 09 أبريل 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا