علَّمَتني نَظَّارَتي...
تأملات في فلسفة تقبل النظارات-قصة قصيرة 1-
نشر في 02 يونيو 2020 .
غريبة هي الحياة في تفاصيلها... و غريب أن يعيشها المرءُ طولا و عرضا و يحسب أنّه يستمتع بها في حين أنه لا يدرك من تفاصيلها الصغيرة شيئا... و لا يدرك أن التأمل في هذه التفاصيل هي المتعة الحقيقية للحياة.
لا أخفيكم سرّا أنّي لم أنتبه يوما إلى أنّي كنت أعاني ضعف البصر...
و بدأت ألاحظ بالتدريج أنّى لا أرى ملامح النّاس من بعيد.... و مع ذلك لم يخطر ببالي أنه ضعف بصر...أو لنقل لم أرد أن يخطر ببالي ذلك.
و ظللت لسنوات دراستي كلّها في الجامعة أبدّد شكوكي في أنّي أعاني من ضعف البصر حين لا أقوى على الرؤية من المدرّج و أُمَنّي نَفسي ببَعض الجُمل من قبيل...
"جهاز العرض data show فيه خلل فهو لا يظهر الكتابة واضحة"أو من قبيل" جلوسي في آخر المدرج ربما سبب عدم الرؤية الواضحة للعرض".... و هكذا....
إلى أن مرَّت السَّنَوات تلو السنوات و تأزمت الرؤية خصوصا أثناء السياقة...فقررت زيارة الطبيب مُضطَرَّا...
طبعا.... من خلال ما سبق ...لا شك في أنّكم فهمتم أنّي أعاني ضعفا في البصر myopie و لم يكن ليخفى على أحد ذلك.
أحسست ببعض الاسى على نفسي.... أالبس نظَّارة؟؟
و لبست النظارة مرغما ...
ثم كانت المفاجأة......
أنا أكتشف عالما واضحا جديدا.... كان إحساسا غريبا في تلك اللحظة التي ارتديت فيها النظارة.
رأيت الوجوه بوضوح و علامات الطريق و الاضواء لم تكن تؤذيني....
رأيت العروض من بعيد واضحة جلية....
سأخبركم بشيء....
أَحسَستُ بالاحراج مع نفسي.... كيف أقنعت نفسي طول هذه السنوات أن ما كنت أراه كان هو الحقيقة؟ كيف لم أشُكّ في أنَّ مُشكلَتي تكمن في عيني في حين شككت في كل ما حولي؟؟؟ كيف قَبلتُ النَّظرَ إلى العالم مُشَوَّشًا غير واضح؟؟؟
حسنا.... كان هذا الدّرس الاوَّلَ الّذي علَّمتهُ لي نَظَّارتي العَزيزة... و صرتُ بَعدَها عاشقًا لنظَّارتي لأنّها أرَتني العالَم علَى حَقيقته...
أحيانًا نَتَعاملُ مَعَ العَالم بنَفس الشَّكل.... نَظَلُّ نَنظُرُ إلَى النَّاس وَ المَواقف وَ الحَياة بالطَّريقة الَّتي يروقنا و نحب أَن نَنظُرَ إلَيهَا بها دُون بَذل جُهد وَ لَو بَسيط من أَجل البحث عَن الحقيقة .
و الأكثر من ذلك ... تراودنا العلامات من هنا و هناك مُؤكّدَةً لَنَا مَدَى الوَهم الّذي نَعيشُ فيه...لَكنَّنَا نُصرُّ عَلَى أَن لاَ نَرَى الحَقيقَة... فَقَط لأَنَّنَا قَد نَخَافُ منهَا بشَكل أَو بآخَر.
في حين أن في الحقيقة فقط يكمن الأَملُ و الرَّاحةُ و السَّعادَة.
نَظَّارَتي العَزيزة.... أَشكُرُ لَك صَنيعَك هَذا... وَ قَد طَلَبُوا منّي استبدَالَك كَثيرًا بالعَدَسَات اللّاصقَة...لَكنّي مُصرّ عَلَى ارتدَائك أَنت...
طَبعًا... فمَا اكتشَفتُهُ مَعَك كَان أَكبَرَ من مجرَّد وُضُوح للرّؤيَة... لَقَد كَان وُضُوحًا للحَيَاة.
-تأملات في فلسفة تقبل النظارات-
يتبع....
التعليقات
حيث قالوا الأثر يدل على المسير
وأحيانا نفقد الاثر وسرعان ما نجده
هنا الحياة عصيَّة والروح خيل شارد
هنا القلوب قسيّة والعين تنظر شاهد