قطوف زوجية لطيفة من روضة النبوة الشريفة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قطوف زوجية لطيفة من روضة النبوة الشريفة

  نشر في 01 نونبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


بسم الله الرحمن الرحيم

[ الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمّتَنا - ولله الحمد - خيرَ أمة، وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته؛ ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له؛ شهادة تكون لمن اعتصم بها خيرَ عصمة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله للعالمين رحمة]، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه كلمات جالت في الخاطر ، وقطوف من روض النبوة العاطر، استقَيْتُها وقطفتُها من حديث يحكي قصة قصيرة في بيت النبوة، نشرتُ منها فائدتين في حسابي على تويتر في وقت مضى، ثم أعدتُّ النظر فيها ووسَّعتُها معلقا على بقية جُمَل الحديث، راقِمًا ما عنَّ لي من الفوائد تحتها، ثم قيّدتُّها هنا رجاء أن ينفعنيَ الله بها والقارئَ، واللهَ أسأل الإخلاص والقَبول، ومنه أستمد التوفيق والعون.

وإلى الحديث:


عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما رأيتُ النبي ﷺ طيّبَ النفس قلتُ: يا رسول الله ادعُ اللهَ لي،

قال:《اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرَّتْ وما أعلنتْ》

فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول اللهﷺ من الضحك..

‏فقال:أيسرك دعائي

فقالت ومالي لايسرني دعاؤك

فقال والله إنها لدعوتي لأُمتي في كل صلاة) 

أخرجه البزار في مسنده (2658 كشف الأستار)، وهو في الصحيحة برقم: (2254).


فيه فوائد نفيسة جمة منها أنَّ:


قولها رضي الله عنها: ( لمّا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب النفس):


1_ فيه أن الزوج قد تعتريه أحوال من الحزن، والقلق والشغل، والهمّ، ويكون أحيانا أخرى طيب النفس مرتاح البال مطمئن القلب، وعلى الزوجة مراعاة ذلك في زوجها وملاحظتُه في تعاطيها معه.


2_ وفيه غَوْرُ فقهِ الزوجة، وبُعدُ نظرها، وعمقُ فهمها، حيث إنها لا تطلب حاجة من زوجها على كل حال وفي كل حين..

فقد يكون مهموما، أو مغضبا، أو مشغول البال بشيء أمامه،‏ أو لا يحضره عِوضٌ ولا مال ليُحضِرَ لها ما أرادتْ، ويُلبّيَ طِلبَتَها... وبعض الزوجات إذا رأت شيئا أعجبها عند جارتها فإنها بعد عودتها لا تُمهِلُ حتى تطلبه من الزوج وأحيانا بصراحة لفظٍ وإلحاح، وأحيانا تكثر الحديث عن ذلك المتاع الذي أعجبها حتى يتحرج زوجها من كثرة كلامها عنه، وربما ضيّق على نفسه في النفقة أو استقرض مالا لشرائه وذلك لمكان زوجته من قلبه.. وهذا شيء غير محمود في الزوجة، وعليها ألا تمد عينها إلى ما أعطى الله تعالى غيرَها من متاع الدنيا، وأن تنظر في أمور الدنيا إلى مَن دونها، لئلا تزدري نعمة الله عليها، ولا تزدري زوجها أيضا، قال صلى الله عليه وسلم: ( انْظُرُوا إِلَى مَن هو أَسفَل منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هَوَ فَوقَكُم، فهُوَ أَجْدرُ أَن لاَ تَزْدَرُوا نعمةَ الله عَليْكُمْ" متفقٌ عليه واللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري: "إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْينْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ".

وقال أحد السلف رحمه الله: (صاحبتُ الأغنياءَ فكنتُ لا أزال في حزن؛ أرى داراً واسعة؛ ودابة فارهة؛ ولا عندي شيء من ذلك، فصحبتُ الفقراء فاسترحتُ).

فالزوجة اللبيبة الألمعية تراعي حال زوجها، وتنتظر فراغَ باله، ومناسبةَ حاله، وتهيُّؤَ قلبه، وسرورَ خاطره،ثم تعرض حاجتها..فيلبّي لها طِلبتَها كما أرادت وهو مسرور بذلك.


_ قولها رضي الله عنها: (قلتُ يا رسول الله ادع لي ):

3_ فيه علو همة نساء السلف رضي الله عنهم، بل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أشرف نساء السلف الصالح وأعلمهم وأفقههم ومن خيرهن، كيف لا ؟؛ وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إليه بعد أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلم يكن طلب عائشة رضي الله عنها متاعا من متاع الدنيا، وإن كان مباحا للزوجة أن تطلب من المباح الجائز في حد القدرة والاستطاعة، وإنما كانت همتها متعلقة بمعالي الأمور، متعلقة بما عند الله تعالى، وهكذا على الزوجات اليوم الاقتداء بنساءالسلف رضي الله عنهن، ولا يكون كل اهتمامهن وغاية مطالبهن عَرَضٌ من الدنيا الفانية، لا بأس بالمباح في اعتدال، فالله قد فطر النساء على حب الزينة ( أومن ينشأ في الحلية..) الزخرف (18). 


لكن الكلام عن الولع بكل جديد من الموضات والكماليات؛ بل السفاسف التي ما تحتها إلا إهدار المال، والتي تشعِر بسطحية فكر المرأة، وضعف همّتها.


وانتبهي أيها الزوجة الموفقة فإن عتبة الضجر ومفتاح النفرة بين الزوجين عند إثقال الكاهل بكثرة المطالب، وتشَعُّب الرغبات والنزوات..


4_ وفي سؤال عائشة رضي الله عنها الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم فقه عظيم، فإن العبد إذا كانت لديه حاجات من أمور الدنيا أو الآخرة، فإذا ضاق المقام، أو تزاحمت الأولويات، قدّم أولاها وأعظمها فائدة، وأعمّها عائدة وأكثرها بركة، وقدمت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هنا طلب الدعاء، فإنه لن يوفق عبدٌ لجميع مطالبه من طريق أقرب ولا أيسر ولا أحسن، ولا أنفع، ولا أمتع، ولا أهنأ من الدعاء وأن يسأل حاجته من ربه تعالى، إذ هو مالك الدنيا وما فيها، ومالك الآخرة وما فيها، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمهما الله: ( تذكرتُ ما جُمَّاعُ _( وتُضبَط: جِمَاع)_ الخيرِ، فإذا الخيرُ كثيرٌ؛ الصومُ، والصلاةُ وإذا هو في يدِ اللهِ عز وجل؛ وإذا أنتَ لا تقدر على ما في يد الله عز وجل إلا أنْ تسأَلَهُ فيعطيَك فإذَا جُِمَّاعُ الخير الدعاءُ) /الزهد للإمام أحمد (1330).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:

[إذا كان كل خير أصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطَى العبدَ هذا المفتاحَ فقد أراد أن يَفتح له، ومتى أضلّه عن المفتاح بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه)

/الفوائد.

المرتج = الموصد المغلق.


5_ فيه فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإنها لم تقترح دعاء، ولم تطلب دعوة معينة من النبي صلى الله عليه وسلم، بل أحالت في اختيار نفْسِ الدعاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم أعلم بأنفع الدعاء وأجمَعه، وأشمله، وأعظمِه بركةً على صاحبه، فلم تتقدم عائشة رضي الله عنها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركتْ اختيارَها رضي الله عنها إلى اختياره صلى الله عليه وسلم، وأحالت بِفِقْهِها رضي الله عنها على علمه صلى الله عليه وسلم بالأنفع والأجمع للخير.


6_ قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله ادعُ اللهَ لي)، ولم تسألْه دعاء معينا ولا شيئا محددا، وإنما تركت اختيار الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم يدعو لها بما يراه

فيه أن الإحالة على العالم والفاضل، وتفويض الاختيار إليه والأخذ بإشارته ونصحه _ فيما يسع فيه المقام من ذلك _ أمر مستحسن مطلوب.


7_ في استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لطلب عائشة رضي الله عنها في حينه، ودعائه لها، تطيببٌ لخاطر الزوجة، إذ فيه تعجيل الحاجة إذا كانت مقدورا عليها، والدعاء في هذا المقام من أيسر المطالب، وأخف المآرب.


قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر لعائشة...).

8_ في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء بيان لفضله ومزيته، وحاجة المسلم إليه في كل وقت وحين.

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "المَغْفِرَةُ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ، فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ) مجموع الفتاوى (10 /317).

وفي الاستغفار حصول فضائل الدنيا والاخرة وخيراتهما مما يطول حصره، وتَعداده، وهي مبسوطة في محالّها لمن أراد أن يستذكرها.


(فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول اللهﷺ من الضحك..)


9 _ فيه إظهار الزوجة السرور والفرح بما يقدمه الزوج لها؛ ويُسديه إليها؛ سواء من الأمور المعنوية كالدعاء، أم الحسية كالهدايا والعطايا والهبات، وفي إظهارها السرور بذلك تطييب لخاطر الزوج وإيناس له، وتقدير لبذله ومراعاة له، بخلاف ما لو لم تُبْدِ لبذله وعطيته أي شعور، كأن تبدي له أن الأمر سواء في العطاء وعدمه، سواء أتيتَ بشيء أم لم تأت به، وهبتَ هبة أم لم تهب، فالأمور سيان عندها، فإن فيه إهمالا وجفاءً  لزوجها لا ينبغي مثله منها.


10_ فيه مِن قُربِ الزوجين حسًّا ومعنى، وفيه مِن حُسنِ التبعل، وطيب العشرة، شيء كثير ظاهر، فسقوط رأس أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضحك صورة عفوية جميلة بين الزوجين؛ تعبر عن عظيم الألفة بينهما، وتمام الانسجام وغاية الوئام في وُدِّهما.


11_ فيه الانبساط والمرح بين الزوجين حال خلوتهما، فإن المرح بين الزوجين يطرد الملل، ويكسر الرسوم المعتادة، فكلما بعُد الزوجان عن التكلف؛ كلما زادت العفوية والأنس، والبيت الزوجي محتاج للانبساط، نظرا لطول الملازمة بين الزوج وزوجته والتي هي مظنة الجفاء، وقد تفضي إلى الملل إذا كان كل منهما منقبضا حديدًا غالب الأوقات.


12_ ليس في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها مثلا: إليكِ عني ! أو أبعدي رأسك عن حجري !! كلا، وحاشاه صلى الله عليه وسلم، وهو خير الناس لأهله؛ ولغيرهم، وأكملهم خلقا وأدبا بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه

أقول هذا ليعلم كل زوج أن الشدة والجد لا تكون _دوما_ في البيت، وإنما  تكون بقدْر وفي محلها، وتطلب خارجه عند الاجتماع بالناس، فلو وضعتْ زوجتُك رأسها في حجرك فلا تعجل عليها حتى تكون هي مَن ترفعه، بل أظهر لها أنك مسرور حالتئذ، وماذا عليك لو تفلي شعرها مثلا وتحدِّثها بحديث .. تؤنسها بذلك !!؟

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتغي منه وُجد رجلا) رواه البيهقي في شعب الإيمان (7851 ).

عن ثابت بن عبيد : كان زيد بن ثابت رضي الله عنه مِن أفكهِ الناس إذا خلا مع أهله، وأرصَنِهم إذا جلس مع القوم ) مصنف ابن أبي شيبة (25328)

قال الحكيم الترمذي : وكان السلف الصالح ينبسطون إلى أهاليهم وأولادهم وإخوانهم، ويُظهرون النشاط في الأمور..)


13_ فيه حرص الزوج على أنفع ما يعلمه لزوجته، وهو الدعاء، فلن يعطي أحد الزوجين الآخرَ أنفع له؛ ولا أجمع للخير؛ ولا أمتع ولا أحسن عاقبة؛ ولا أوقع أثرا من الدعاء،

والدعاءُ بظهر الغيب أقرب إلى الإجابة.

ودعاء أحد الزوجين للآخر مدعاة لزيادة الود بينهما، توطيد آصرة الحب في قلوبهما، يشرح الصدر ويطمئن القلب.. ولا تتّكلا على دعاء بعضكما وتتركا دعاءكما لأنفسكما؛ تعويلا على دعاء كل منكما لصاحبه، بل الجمع أولى وأنفع.


14_ الدعاء بظهر الغيب أسمع، وأرجى للقَبول وأنفعُ، ولا بأس بإظهاره بين الزوجين [ أو بين غيرهما ] كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا، لِمَا يترتب عليه من إدخال السرور والفرح والأنس على قلب أحد الزوجين من الآخَر كما حصل لعائشة رضي الله عنها من السرور.


15_ يا من تريد سعادة الأبد ! لا تغفل أبدا عن الدعاء بظهر الغيب لأهلك، وتحرَّ ذلك جدا، خصوصا في أوقات الإجابة، فإن مفاتح الخير وجوامعه في الدعاء، وكل ما ترجوه من صلاح فهو من عند الله تعالى؛ ومفتاحه الدعاء؛ كما تقدم، ومن صفات عباد الرحمن الذين ذكر الله لنا جملة منها أنهم ( يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) الفرقان (74)

وقرة العين دمعة الفرح الباردة، وليس هذا خاصا بالزوج، بل الزوجة كذلك، فاللهم ارزقنا قرة عين لا تنقطع.


16_ في قوله صلى الله عليه وسلم:(والله إنها لدعوتي لأُمتي في كل صلاة) بيان لعظم رحمته صلى الله عليه وسلم، وشديد رأفته، ومزيد شفقته على أمته، وحرصه عليها، ونصحه لها صلوات ربي وسلامه عليه، حيث إنه جعل من دعائه في صلاته لجميع أمته بالمغفرة، قال ربي سبحانه في وصفه عليه الصلاة والسلام: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). التوبة (128).


هذا ما يسره الله مِن رقمِ هذه الفوائد تحت هذا الحديث النبوي الشريف.


وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي المذنبة وأستغفر الله.

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وكان الفراغ من تبييضه سحر الأحد منتصف ربيع الأول عام اثنين وأربعين وأربعمئة وألف من هجرته عليه الصلاة والسلام.





   نشر في 01 نونبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا