دائما ما كنت أستغرب كيف تردد النساء مقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة" مفتخرات و متباهيات بنجاح لم يحققنه، و معتقدات بذلك أنهن يمنحن المرأة دفعة جديدة و يزلن عن قضية المرأة شيئا من الغبار المتراكم فوقها. دائما ما كانت المقولة تستفزني لما تحمله من مغالطات ليس بالنسبة للنساء فقط بل بالنسبة للطرفين.
المضحك في الأمر، أن هذه القولة تنتسب في أصلها إلى الفيلسوف أرسطو مع إضافة كلمة واحدة حيث قال "وراء كل رجل عظيم امرأة شريرة" و ذلك لأن قدراته الفلسفية قد ظهرت بعد انفصاله عن زوجته التي كان يعتبرها شريرة. و قد أجزم أن كل من تردد هذه المقولة لم تسمع طبعا عن أصلها شيئا، فكيف يمكن لإحدانا أن تقول متباهية "وراء كل رجل عظيم امرأة شريرة" ؟!
أما عودة إلى المقولة بعد حذف كلمة شريرة، فهي مقولة لا تمنح المرأة أي امتياز و لا تجعلها في مرتبة أعلى بل العكس تماما !
إن القول بأن وراء كل رجل عظيم امرأة يفيد أن دور المرأة في هذا المجتمع يقتصر على صنع العظماء أما كانت، أختا، صديقة، حبيبة أو زوجة. فإن أنت سيدتي عشت حياتك دون أن تساهمي في صنع أحد العظماء، فأنت إذن لم تؤدي دورك في المجتمع و لم تتحملي مسؤولية أوكلها إليك !
و لا يحدثني أحد على أن العظمة المقصودة هنا ناتجة عن كون المرأة مربية الأجيال و الهيكل المسؤول عن إنشاء الأبناء في المجتمع، فإن نحن قلنا ذلك، فسنتحدث حينها عن الأم بصفة خاصة و ليس المرأة فنقول "وراء كل رجل عظيم أم" فليست كل امرأة أما !
هذا و دون أن نتحدث عن اختصار نجاح كل رجل في امرأة تقف خلفه، و الضرب عرض الحائط بكل المجهودات الشخصية التي يبذلها و المعارك التي يخوضها في سبيل تحقيق النجاح، إذ كيف عساها تصنع نجاحه و كل ما تفعله هو الوقوف خلفه محتمية بظهره ؟ أ لن تكون مجرد عالة عليه حينها بدل كونها صانعة العظمة ؟
لماذا لا نسمع رجلا يردد "وراء كل امرأة عظيمة رجل" ؟ ببساطة لأنه ليس في حاجة إلى ذلك، هذا لأن الرجل يسعى لتحقيق ذاته و بناء مكانته في المجتمع عن طريق إنجازاته هو و من خلال نجاحاته هو، فلا وجود لرجل يرى في تحقيق نجاح امرأة مشروعا يقوده لتحقيق ذاته !
الأمر هنا لا يتعلق بمساعدة أحدهم على تحقيق النجاح، فمساعدة بعضنا البعض أمر إنساني لا علاقة له بالجنس، إذ من واجب كل منا مساعدة من يحبهم على النجاح و تشجيعهم على تحقيقه رجلا كان أو امرأة، لكن المعضلة تكمن في رهن نجاحي في الحياة بنجاح أحدهم !
الإشكال القائم هنا، هو أن المرأة المعاصرة في البلدان العربية و الإسلامية عامة قد بدأت تدرك بشكل أو بآخر مدى الضغط الذي يفرضه عليها المجتمع المتزمت و بدأت تعي كمية الظلم الذي تتعرض له في إطار النظام السائد، و هي في ترديدها لهذه الشعارات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، كالغريق الذي يتشبث بقشة آملا أن تنقذه و تقوده إلى بر الأمان ! تتخبط و تعاني للوصول إلى تلك القشة و أملها معلق بأن تجد هناك جذع شجرة ينقذها من الغرق، ترى الحقيقة بأم عينيها و ترفض تصديقها، تفضل المعاناة على تصديق حقيقة بسيطة لن تكلفها سوى ألم مخاض فكري طفيف، و هي أن المشكل أكبر من ذلك و أن حواسها لا تخدعها ! فاليوم الذي ندرك فيه بؤرة المشكل سيكون اليوم الذي تتحرر فيه المرأة من نفسها، و من كل تلك الصراعات الداخلية التي تنعكس سلبيا على المجتمع.
و في الختام أحب أن أقول، وراء كل رجل عظيم جهد عظيم و وراء كل امرأة عظيمة جهد عظيم كذلك، و كل من أراد العظمة فليسعى في سبيلها !
-
بشرىالاسم : بشرى السن : 23 سنة العمل : مهندسة