تمرير سريع لشريط الأحداث
دكتاتور أُطيح به في انقلاب. وفي محاكمة خاطفة قُرِّر إعدامه، من على منصة المشنقة، يظهر الدكتاتور مطوَّقاً بالجنود، ويطلب مهلة ريثما يلقي خطابه الأخير
***
الدكتاتور يبدأ خطابه بنٓفٓسٍ متقطع، ونبرة مثيرة للإشفاق..
***
بسم الرب، باسم الوطن.. باسم الثورة.. باسم الديمقراطية.. باسم.. اه لا لا، لا داعي لكل هذا الهراء المنمق، انتهى عهد هكذا خطابات -أو بالأحرى (أُنهِي) - حسناً، سأبدأ كلامي بلا مقدمات، نعم، فالمقدمات كذبٌ سابق، يمهد لكذبٍ لاحق، ثم أنني أقف هاهنا في موقف المكاشفة لا الدجل، (آه.. لطالما كنت أتعاطى الدجل كخبز يومي) آه.. نعم، أيها الشعب المسكين.
قد تستغربون مما أقوله، ذلك أنكم لم تعتادوا سماع الحقيقة والصدق، طيلة عهدي.
***
أيها الشعب المسكين (لا تبتئسوا من هكذا وصف) لا تبتئسوا، فأنتم –بالفعل- شعب مسكين، لأنكم صدقتم أكاذيبي الخالصة، إلى الحد الذي جعلني أشعر بصدقية تلك الأكاذيب! ولَكَم كنت أتساءل: ترى أي حينٍ تتكشف الأقنعة عن وجهي القميء، ثم إذا الأقنعة سقطت هل سيعي هؤلاء، ويدركوا أنها سقطت بالفعل، أم أن الشعور بالإدراك لديهم مسألة متعذَّرة، وإذا ما سلَّمت بفرضية " سيدركون يوما ما" أيا ترى هل سينتقمون؟!
حسناً، حسناً، لم أكن أنتوي البوح بهذا المونولوج. لندخل في صلب الموضوع مباشرة.
***
وعدتكم بالرخاء، في الوقت الذي كنت أنهب فيه ثروة بلدكم، التي هي ثروتكم أنتم، وعدتكم بالازدهار، في الوقت الذي كنت أحرص على أن تزدهر أرصدتي البنكية، وبالفعل كانت تزدهر وبسرعة فلكية، على حساب معيشتكم التي كان من المفترض أن تكون هانئة ورغيدة.
كنت أحدثكم عن الأمن والاستقرار، وحقيقة لم أعنِ إلا أمني واستقرار الأمور لصالحي وعائلتي.
***
رجال الفكر، السياسيين، حملة الأقلام، وكل من طالبوا بحقوقكم ودافعوا عن كرامتكم، كل أولئك، زججت بهم في المعتقلات والسجون البغيضة؛ بذريعة تهديدهم للأمن والاستقرار، ووو...
ويا لجحودكم المستفحل، كنتم تؤيدون هذا القمع مغتبطين، وتهتفون لي بالحياة! ألم أقل لكم أنكم –بالفعل- شعب مسكين؟!
***
كنت أحرص على تجهيلكم بطريقة لا توحي بذلك، وقد نجحت في مهمتي. قد تتساءلون كيف حدث ذلك؟، نعم سأوضح لكم كيف..
لطالما كررت في خطاباتي، وروج إعلامي المخادع، عبارات صرفت انتباهكم عن قضيتكم الجوهرية، التي هي "أنتم".
حدثتكم عن الوطن، عن الثورة، عن الديمقراطية، عن.. عن.. عن، وكنتم تستمرؤون تلك الأكاذيب، وتستهويكم مناسبات إلقاء خطاباتي.
أيها الشعب المسكين، الوطن هو أنتم، نعم أنتم، صدقوني لا قيمة للجغرافيا، إذا كان الإنسان ليس سوى هامش على تضاريسها.
***
عبارة الختام
اذا قضيتم على الدكتاتور ولم تقضوا على الدكتاتورية كفكرة، سيذهب الدكتاتور وسيخلفه دكتاتور آخر.
***
وهنا وقُبيل أن يُركل كرسي المشنقة؛ ليُسدل الستار على آخر فصل من فصول حياته، يتقدم قائد الثورة، (الحاكم فيما بعد) ويهمس في أذنيه: لترحل بصمت، أيها الدكتاتور الغبي.. أما أنا فسأمتهن الدكتاتورية بذكاء.
***
التعليقات
هل يعد فضح ما هو مفضوح أصلا سبيلا للخلاص من وخزه ووجعه ؟؟ أم للسير والوصول الموفق طريق اخر ؟؟