قراءة ودروس في الإنقلاب الفاشل في تركيا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قراءة ودروس في الإنقلاب الفاشل في تركيا

  نشر في 20 يوليوز 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


تعتبر عملية الإنقلاب عملية قديمة جدا عرفها جميع دول العالم بإستثناء السنغال وغيرها من الدول النادرة التي لم تذق طعم الإنقلاب وويلاته ، وتركيا التي نحن بصددها اليوم من الدول التي لم تسلم من داء الإنقلاب ومرارته ، والناظر إلى صفحات تاريخ تركيا المملوءة بالحروب والإنقلابات العسكرية يدرك أن "الإنقلاب" أو "محاولة الإنقلاب" ليس بأمر حديث في صفحات تاريخ تركيا ؛ بل هو أمر عرفه الشعب التركي كل المعرفة ، قديما، وحديثا ، لقد ذاقوا طعمه منذ أيام الدولة العثمانية ، وعرفوا حلوه من مره ،وسكره من ملحه ،

فالدولة العثمانية كانت معروفة بكثرة الإنقلابات من قبل الجيش الإنكشاري ضد السلطات الحاكمة، ولربما كان لذلك سبب في ضعفها وتهورها وتقهقرها في أيامها الأخيرة ، إلا أن الإنقلاب العسكري ضد السلطات المنتخبة من طرف الشعب سلميا وديموقراطية لم تعرفها تركيا إلا في أوائل عام 1960 لما قامت مجموعة من ضباط الجيش التركية المسلحة بالثورة على السلطة الحاكمة وبالإنقلاب عليها نهائيا ، وكان هذا الإنقلاب أول انقلاب عسكري في تريخ تركيا .

وتلاه الإنقلاب الثاني المعروف ب" الإنقلاب المذكرة" فقد حدث بعد أحد عشر سنة بالانقلاب الأول - أي في عام 1971 - وكانت لهذا الإنقلاب نتائج وخيمة على تركيا واقتصادها .

أما الإنقلاب الثالث والأخير المسمى با"لانقلاب مابعد الحداثة " فلقد حدث في عام 1997 من قبل كوادر من الجنرالات التركية ، وكانت لهذه الإنقلاب نتيجة أن أصدرت قرارات حاسمة في حجب المؤسسات الدينية ومنعها من مباشرة اي عملية دعوية في تركيا ن وحظر الحجاب في المدارس والجامعات التركية . وهذه هي الإنقلابات الناجحة مع غض الطرف عن الإنقلابات الفاشلة خشية التطويل .

على أن كل هذه الإنقلابات الثورية العسكرية لم تكن بالانقلابات التي تبعث في النفوس الحيرة والريب ؛لأنها حدثت جراء حالات مؤسفة وأوضاع صعبة كانت تعيشها تركيا من الركود الاقتصادي ، والإفتقار إلى الحرية، وسوء ظروف البلد وأحوالها ، فكان من الطبيعي أن تحدث الإنقلابات ضد السلطات الجائرة الغاشمة ، لكن الغريب الذي يبعث في النفس الحيرة والشك والريب ، هو أن تحدث محاولة الإنقلاب في وقت تشهد تركيا أوج ازدهارها الحضارية والإقتصادية، والثقافة ، في وقت تتنافس تركيا مع أقوى دول العالم بحضارتها الإسلامية الراقية ، وثقافتها التركية الأصيلة ، فهذا هو الغريب الذي يجعلنا نتساءل الأهداف المتسترة وراء هذه الثورة الانقلابية .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا لونجح هذا الإنقلاب ؟!

وعلى صالح من ستكون ؟

أكيد لن يكون في صالح الشعب ، ولونجح لكان المستفيد الوحيد في هذا الإنقلاب هي أمريكا، نظرا إلى موقفها العدواني مع تركيا وسعيها الى فرض هيمنتها وسيطرتها على التركية كما فعلوا بالدول العربية .. وكذلك بعض الدول الشرقية كجمهورية المصر التي أعلنت فرحها وطربها إبان اعلان الإنقلاب من صحفهم ...

نظرا إلى ماوصلت اليها تركيا اليوم من تطورات مشهودة في جميع نواحي البلاد ، ومانقدمها للعالم من مواقف إنسانية؛ حيث فتحت أبوابها على مصرعيها للمظلمين المتشردين و مواقفها التأيدية في قضية الفلسطين وسوريا وكذالك ازدهار الحضارة الإسلامية فيها ، كل هذه المؤشرات تجعلها على وضع محسود ومرصود من قبل أعدائها الذين يترقبون منها كل صغيرة وكبيرة بغية تدميرها وتخريبها من خيراتها كما فعلوا ببعض الدول الشرقية ، لكن يبدو لنا من خلال وقفات تأملية ، وملاحظات مرصودة أن تركيا ليست بلقمة سهلة ، مهما تكاثرت عليها الأعداء فليس بسهل تدميرها؛ لأن التجربة الديموقراطية التي تبنتها سياسة أردوغان باتت عميقة الجذور في بيئة تركية ، ولأن تركيا ليست كغيرها من الدول الشرقية والإفريقية بنجاعتها الديموقراطي واستقرارها الأمني ، ونموها الإقتصادي ، وشعبها الناضج الواعي ، ولأن شعبها يدركون أن العسكر لايجيدون قيادة الوطن ولايعرفون من مصطلح القيادة والرئاسة إلا أنها قتل وتدمير وسفك دماء الأبرياء كماأن شعبها ليس كشعب غيرها من الدول التي تكفي فقط أن تغريها بالأوحلام الوهمية ، والأوعاد العرقوبية حتى ينقلبون على رؤسائهم العاملين الجادين ظهر المجن ، وذلك مافعله فعلا بعض الدول الشرقية والإفريقية برؤسائهم ·

إن على القائمين بهذه المحاولات الانقلابية المتسترين وراء الأستار أن يأخذوا من هذه المحاولة الفاشلة دروسا وعبرا ، وأن يدركوا أن تركيا ليست ببلد يثورعليه شعبه من أجل مصالح شخصية ؛ فشعبه عنده من نضج فكري ووعي سياسي ماكان لهاروت وماروت من سحر مبين ، إضافة إلى أنهم يقدمون مصالح بلادهم على مصالحهم الشخصية، وهذا فعلا مافعلته أحزاب المعارضة حيث وقفوا يدا واحدة ضد هذا الإنقلاب مع وصفه بجريمة بشعة تهتك حرمة الديموقراطية في تركيا ، فهؤلاء جاهزون لإعطاء أرواحهم، لا لإنقاذ أردوغان وحزبه من غمرة المنقلبين بل لإنقاذ سفينة بلدهم من الغرق .

و على أردوغان أن يدرك أن بلده في حالة مغبوطة ومحسودة لماتتمتعه من حضارة إسلامية راقية ورفاهية وأمن ،وثقافة وذلك أكيد مما يجعل بعض الدول يحاربونها مع التعلق بأي خيط يمكّنهم من تدمير تركيا مهما كان واهيا .

وعليه يجب على أردوغان أن يتخذ مواقفا أكثر حزما وحذرا من سياسته الإقليمية والدولية التي بابت تشكل خطرا داهما على تركيا حتى لايقع في تلك الهوة التي حفرتها له الغرب وغيرها من الدول الشرقية .

أما المتورطون في هذا الإنقلاب فكثيرة جدا من حيث الإحتمالات وتكهنات ، غير أن أنظار حكومة أردوغان لم تتجه إلا إلى شخصية " فتح الله غولن" الداعية ، نظرا لسابق تجاربه مع حكومة أردوغان...جميل جدا أن يحكم أردوغان على القائمين بالانقلاب، حتى يكون درسا لغيرهم من المترقبين لكن لايجب أن يرمي سهام تهمه إلى الأخرين بدون بينة ملموسة ثابتة ، ولايجب عليه اتهام الداعية "فتح الله غولن " معتمدا على سوء ظنه به ، فمثل غولن في مواقفه الإنسانية ، وأعمالها الدعوية ، ومشروعاته الخيرية ، فمثله ليس برجل يشعل نار الفتنة في عقر داره ، ومن عرفه حق المعرفة من خلال أنشطته الدينية الدعوية ، يدرك مدى استحالة كونه وراء هذا الإنقلاب الفاشل...وعليه يعد رمي سهام التهمة إليه خطأ كبير يجب الإعتذار عنه وخاصة هو الذي كان يدعم أردوغان في بداية سياسته " فما هكذا يجازي العرب ملحه" كما يقال في المصطلح الولفي ..صحيح أن علاقتهما تعقدت في الأوان الأخيرة لكن ذلك ليس بدليل كاف لتوريطه في الأمر؛ فهو أبعد من أن يكون وراء هذه العملية اللإسلامية اللإنساية.

وأكاد أجزم أن الرجل لايهمه الآن من الدنيا شيئاً سوى خدمة الإسلام والمسلمين بواسطة حركة "الخدمة" التي أسسها ، والتي تتواجد في عديد من دول العالم .

من دروس المستفاد في هذه المحاولة الفاشلة :

1- يجب على المعارضين أن يأخذو دروسا وعبرا من المعارضة التركية التي قدمت مصالح وطنها على مصالحها الشخصية ، وأنا متيقن لو أن هذه الإنقلاب كان في بلد غير تركيا لو وقف المعارضون ضد الحكومة من أجل مصالحهم الشخصية وهذا ما فعله فعلا " كومباوري " ب" تومانس سنكار " البطل الإفريقي الخالد

2- يجب على رؤساء الدول أن يحترموا شعوبهم ويعمل من أجمهم ، تخيل لو أن أردوغان كان ظالما لشعبه وغاشما له هل كانوا بمجبين دعوته بالطبع أنت أعرف مني بالإجابة

3- يجب على جيوس جميع دول العالم أن يأخذو مثالا وقدة في جيش تركيا الواعي الناضح الذي اختار أن يسلم نفسه بدلا من اهدار دماء المواطنين فلوكان هذا سيناروا في دولة آخرى لزهق آلاف وآلاف من أرواح الأبرياء.

بقلم محمد بشير سيسي



   نشر في 20 يوليوز 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا