هل لنا ان نتخيل العالم برمته تحت وطأة نظام سياسي واحد يفرض على الجميع مواقيت و ضوابط و نواميس و طرقا حياتية موحدة. هل طوى التاريخ صفحة و بدأ اخرى اقسى و اشد وطأة على الفرد. هل ان الدكتاتورية ضرورة قادمة لحماية صحة المجتمع من لامبالاة بعض افراده، او من جائحة قادمة، او لمنع اسباب البلاء على الشعب. كلها اسباب تقوم بنقض اركان انظمة ديمقراطية شاخت و ترهلت اما بالصراعات السياسية لكسب قلوب العامة ودعمهم او لامسؤولية الساسة يسارهم و يمينهم، و لا وعيهم بما ينفع من الحزم في كثير من الامور، فتضطر السلطة الى التساهل مع الخطإ خوف اتهامها بكبت الحرية ما يكسب خصمها نقاطا هامة.

معضلة السياسية في السلطة هي مراوحة الحزم مع حرية الفرد المطلقة، اذ كيف للحاكم ان يفرض القيود على حياة الافراد دون ان يخاف على مكانه من خصومه المتربصين به.

ان الانسان يلتزم مع الخوف اكثر من التزامه بالوعي المطلق، اذ لا بد من ان يرى اخيلة المرض و الموت متراقصة على مقربة منه حتى يتعلق بثوب الحاكم جزعا يطلب الحماية مهما كانت الطريقة و لولا هذا لما التزم المواطنون منازلهم تاركين كل ما تشتهيه انفسهم من ملذات الدنيا، و لو روي لاحدهم قبل سنة ما هو ملاقيه الان لوصف مخاطبه بالجنون.

غرور الرخاء يعقبه حذر الشدة و بينهما يتأرجح مستقبل السياسة في العالم، فبين داع الى تعديل و بين مناصر للتغير، تبقى عيون الطامعين في السلطة الراصدين للفرصة يقظة، متحينين لحظة قيام العامة على حكامهم طلبا الامان عند غيرهم، عندها يدق موعد عصر جديد لن نعرف ملامحه الا ان نختبره ، و هذا لعمري اصعب الامتحان!