مشروع سد يقدر ب 5 مليارات دولار في إثيوبيا يظهر كيف تسقط مصر من على المسرح العالمي
احمد ابو دوح - الاندبندنت البريطانية - ترجمة / محمد احمد حسن
نشر في 02 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
(نشر هذا المقال فى الطبعة البريطانية من الاندبندنت لكنه لم ينشر فى الطبعة العربية الممولة سعوديا لاسباب لا تخفى على فطنتكم )
لم تكن الأمطار رحيمة بمصر هذا الأسبوع حيث قام مواطنون بمشاركة صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر السيارات و المحلات التجارية و الطرق و الأنفاق و هي مغمورة بالماء .
هناك صورة تم التقاطها بمنظور عين طائر أظهرت القاهرة و كأنها تحولت إلى (( جراج كبير )) حيث الطرق المغلقة و مواطنون فاتتهم رحلاتهم الجوية و انتشرت الفوضى على نطاق واسع في العاصمة ووصل الأمر إلى وفاة 11شخص في حوادث دراماتيكية على امتداد البلاد .
الفشل الكلى في التعامل مع الأمطار الكثيفة و لكن المتوقعة و التي تجعل السلطات مشلولة بشكل كلى كل عام يعكس دولة تعانى من الشيخوخة حيث بنية تحتية تركت لعقود تعانى من التدهور و قيادة سياسية لا تمتلك رؤية أو إستراتيجية سواء داخليا أو خارجيا .
إن لافتات (( مصر أولا )) المعلقة على جوانب الطرق الرئيسية و الجسور في القاهرة تعرف مأزق مصر . حيث يعد الرئيس عبد الفتاح السيسى قائدا شعبويا . و مع انتهاج سياسات انعزالية على النهج الترامبى و اهتمام منعدم بتشكيل سياسة خارجية واضحة و شاملة فإن مكانة مصر على الساحة العالمية قد انتهت كلية .
و يعد النزاع الكبير بين مصر و إثيوبيا حول مشروع سد تقدر تكلفته ب5 مليارات دولار على النيل الازرق مثالا على ذلك . حيث يكشف هذا النزاع عن سوء إدارة مصر للأزمة و عن سياسة منفصلة عما حولها و ازدراء غير متوقع من السيسى القادم من الجيش تجاه مساعديه الدبلوماسيين و المدنيين الاخرين .
تشعر مصر بالقلق من أن سد النهضة الاثيوبى الكبير قيد الإنشاء بالقرب من الحدود مع السودان سوف يقلل من الإمدادات الشحيحة أصلا من مياه النيل و التي تعتمد عليها مصر اعتمادا كليا . و بعد أعوام من مباحثات ثلاثية مع إثيوبيا و السودان لأن الجهود التي تم بذلها من اجل الوصول إلى اتفاق حول قواعد تشغيل السد و ملء الخزان الذي يقع خلفه قد تم استنفاذها .
حاليا قررت كلا من روسيا و الولايات المتحدة الانخراط في الوساطة . حيث دعت إدارة ترامب وزراء خارجية مصر و السودان و إثيوبيا إلى الاجتماع في واشنطن . بوتين أيضا يبدو قلقا من النزاع وشيك الحدوث الذي يمكن أن يهز القرن الافريقى لأعوام .
و إذا انهارت هذه الجولة من المباحثات فإن الحرب بين مصر و إثيوبيا و الذي يبلغ عدد سكانهم جميعا حوالي 215 مليون مواطن قد تكون محتومة .
التصعيد المحتمل ينبغي ألا يكون مفاجئا حيث حذر رئيس الوزراء الاثيوبى الحاصل على جائزة نوبل للسلام أبى احمد هذا الأسبوع من انه إذا دعت الحاجة إلى الذهاب للحرب فإن بلاده (( تستطيع أن تحشد الملايين )) .
بالنسبة للمصريين فإن هذا الخطاب الاثيوبى العدائي لم يكن متخيلا منذ عشر سنوات . تاريخيا حافظت مصر على مكانتها كقوة مهابة الجانب فى أفريقيا و في المقابل كانت أفريقيا تنظر إلى القاهرة كمحيط تأثير هائل و كعمود فقرى نظرها لنفوذها التقليدي في الشرق الأوسط . أما اليوم فإن مصر تحت حكم السيسى تبدو واهنة بشكل متزايد .
و قد ألقى الرئيس المصري باللوم على انتفاضة يناير 2011 بِشأن النزاع الأخير و الموقف شديد الحساسية للدولة في أفريقيا . فهو يقول أن الربيع العربي قد استنزف قوة مصر و صورتها في الخارج و أعاق قدرتها على الرد على التهديدات . و لكن ذلك كان تقريبا منذ 9 سنوات عندما حدثت الاضطرابات و يبدو أن حكومته مستفيدة من العيش في حالة من التوازن الوهمي بالرغم من أنها أوصلت الأمة إلى حالة من الضعف بل و حتى من الشلل بعد سقوط الأمطار .
إن حضور مصر في المشهد الفوضوي الذي يقرب بالقرب منها منعدم تقريبا . فعلى الجانب الأخر من البحر الأحمر حيث يوجد حلفاء مصر المقربون من الخليجيين الذين تورطوا في حرب ضارية و عنيفة مع إيران و في الحرب في اليمن و تظاهرات عنيفة في العراق يعد حضور مصر تقريبا غير مرئي . أما على الشواطئ الشرقية من البحر المتوسط فإن سوريا غارقة في حرب أهلية طويلة و دموية و تفعل تركيا و إيران و روسيا و إسرائيل ما تشاء في المنطقة بينما تتجه لبنان إلى انتفاضة شعبية من المحتمل أن تؤدى إلى تغيير في النظام الاقليمى . و في الاراضى الفلسطينية لا توجد إشارة على نجاح الجهود المصرية في التوصل إلى مصالحة بين فتح و حماس تنهى 13 عاما من صراعهم .
و يبدو أن المسئولين المصريين مشغولين بمكان أخر . فهم حريصون جدا على دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي تورط في حملة طويلة الأمد من اجل استعادة طرابلس من خصومه الإسلاميين .
إثيوبيا و مع ذلك كانت تلعب دورا استراتيجيا في السودان بينما كانت مصر مشغولة بإيجاد مخرج للديكتاتور السابق عمر البشير بعد انتفاضة ناجحة جرت مؤخرا أنهت 30 عاما من حكمه حيث جاءت لإثيوبيا الفرصة على طبق من فضة لكي تمارس تأثيرها في البلاد من خلال الوساطة لتحقيق تسوية سياسية بين الجيش و النشطاء المدنيين .
يزداد الصراع في الشرق الأوسط بسبب نقص المياه . فلطالما مثل نقص المياه في المنطقة مصدر عذاب طوال العقدين الماضيين . فبالنسبة لسوريا و العراق تقوم تركيا ببناء سد على نهر دجلة و الفرات الأمر الذي سيتسبب في نقص الموارد اللازمة لأي تنمية مستدامة في هذه البلدان بدلا من الهجرة الداخلية و يضع كلا البلدين في مسار دموي يؤدى إلى الصراع .
الآن و بعد لقاء الأربعاء بين أبى احمد و عبد الفتاح السيسى سوف يتم استئناف المحادثات التقنية المملة التي استمرت لسنوات . و لكي تكسب إثيوبيا مزيد من الوقت لإنهاء بناء السد فإنها على استعداد لأن تأخذ مصر في رحلة مجانية و يبدو أن السيسى ليس لديه خيار أخر .
إنها قضية حياة أو موت بالنسبة للمصريين . حيث انخفض معدل استهلاك المياه للفرد بمعدل 500 متر مكعب في العام . هذا التردي المدمر بعد بناء السد من المتوقع أن تكون له أثار مضاعفة على مصر البالغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة و على الشرق الأوسط ككل .
و يبدو أن مصر في حاجة ماسة إلى إصلاح مجارى الصرف الصحي الخاصة بها إذا كانت تريد أن تتجنب جولة أخرى من الأمطار الغزيرة . و كذلك تحتاج سياساتها الخارجية التي أصبحت في طي النسيان لعقود إلى إعادة بناء إذا كانت تريد أن تكسب الصراع مع إثيوبيا حول بقاءها و يبدو أن السيسى ليس لديه الجواب .
الرابط الاصلى للمقال
https://www.independent.co.uk/voices/egypt-ethiopia-dam-reservoir-water-middle-east-syria-russia-turkey-a9172116.html