"يقولون أن الحياة مسرح كبير, لكن كثير من الناس فيما يبدو,لا تسيطر عليهم هذه الفكرة, أو أنها لا تسيطر عليهم في وقت مبكر من حياتهم ..تماما كما حدث مع المختار"

...على أية حال , فقد عاد المختار إلى رشده,وتخلى عن الكبر والاستعلاء, وما فعله في الأشهر القليلة السابقة أنسى الناس كل تاريخه السيئ..

اقتنع المختار اقتناعا راسخا بان الحياة فعلا مسرح كبير,وأن عليه أن يلعب دوره على المسرح, وهذا بفضل المدير عبدالرزاق بعد الله..لكن قناعات المختار صحبها افتقار كامل للتجربة, مما جعله يندفع ليعوض ما فات اندفاعا كبيرا – رغم شكه الكامن في مكان ما من عقله انه قد يكون مخطئا – لكنه "في الواقع " كان شبه متيقن أن الناس جميعا يبدؤون الحياة هكذا, وكان يعتقد متفائلا ,انه بانتهاء العرض سينزل الستار, وسيرى المتفرجون الممثل " المختار" دون مكياج ..فالزمن كفيل بإزالة تلك القشرة لإظهار المعدن الطيب له..

كان المختار يشعر انه بداخله عدة أشخاص, احدهم يضحك بصخب على ما يفعله من خير,والثاني يبكي بحرقة على ما فات,وأما الثالث فلا يبالي بشيء!!

كان المختار يفكر في توسعة مبنى المدرسة,فقد كان له قطعة ارض تلتصق بسورها..فلماذا لا يستغلها لعمل تلك الروضة؟..طرح الفكرة على مدير المدرسة فأعجبته وأثنى عليها,لكن المشكلة كيف يقومون بهذه الخطوة دون إذن مسبق من إدارة التعليم..نقص الخبرة عند المختار,كان يقابلها خبرة واسعة عند المدير..

المختار:ما رأيك يا أستاذ عبدالرزاق أن نبدأ ببناء الروضة لتكون جاهزة في اقرب وقت؟

المدير:نحتاج أولا لإذن مسبق من إدارة التعليم..

المختار: وما لنا ومال إدارة التعليم, سننشئ المدرسة على حسابنا الخاص!!

المدير: لكن لا بد من ترخيص منهم,ومن البلدية أيضا

المختار: موضوع البلدية اتركه علي,وأما إدارة التعليم سنذهب سويا إلى مدير التعليم ..

المدير: حسنا,غدا في الصباح الباكر نتوجه إلى مديرية التربية والتعليم..

السلام عليكم يا سعادة المدير..

وعليكم السلام,أستاذ عبدالرزاق..أخباركم تصلني واني جدا سعيد بما تقدموه من تفاني في العمل,وقد علمت أن هناك تطورا كبيرا في العملية التعليمية في تلك القرية..

الحمد لله, هذا بفضل الله ومن ثم إسهام المختار الكبير في ذلك..نسيت أن أعرفك , هذا المختار أبو طلال , وهو يود ان يقدم اقتراحا مهما أتمنى أن يجد الدعم من سعادتكم ..تفضل يا مختار..

المختار:لا أريد الإطالة حتى لا اخذ من وقتكم الثمين الكثير..عندي قطعة ارض ملاصقة لمبنى المدرسة, واني أقدمها هدية لأهل قريتي لتوسعة المدرسة وبناء روضة لأبنائنا فيها..

لكن يا مختار,وقبل أن يكمل مدير التعليم كلامه قال المختار:لن نكلفكم بأي شيء,أنا وأهل القرية سنتحمل كافة التكاليف..نريد منكم فقط الموافقة..

بعد ايام جاء الرد من مدير التعليم بالموافقة,صحبه موافقة البلدية..

بدا العمل فورا بالتوسعة..فقد شارك معظم رجال القرية بذلك..وبدا الطلاب يتدفقون إلى الروضة..الكثير من المدرسين تطوعوا للتدريس في تلك الروضة منهم اعتبرها لوجه الله وآخرون طالبوا باجر زهيد عندما رأوا الإخلاص والتفاني من المختار والمدير والأهالي..

لكن, السؤال: من سيدفع تلك الأجور الزهيدة؟

ماهر باكير