منهج فهم القرآن واشكاليات التفسير(1)
مدخل منهجي
نشر في 19 أبريل 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
الشيخ/ عدنان الحساني
مقدمة:
لاشك ان للحقائق الوجودية المتعالية ثمة انكشاف بقدر السعة الاستيعابية للمستكشف خصوصا وان تنزل هذه الحقائق المتعالية الى مستويات الاستمكان الاقرب للذهن البشري يضعها في مرتبة التقييد وهي المرتبة التي تعتمد الاطر المعيارية للمعرفة بحسب مدركات العقل البشري وهي اطر محدودة بلغت ما بلغت.. والقرآن بحكم مرتبته الوجودية (النزول)وبحكم مايتمتع به من شؤون تتداخل فيها مقتضيات التمظهر والتكوثر والاكتنان في مرتبته المعيارية (التنزيل والتأويل) ففي كلا المستويين يتراخى الذهن البشري ويقف عاجزا امام جبروته المعرفي اللامتناهي.
ومهما بالغنا في توسيع صلاحية الذهن ومنحناه قيم استثنائية في تحريك مدركات الفهم من خلال الدلالات المفتوحة او المنفرجة او حتى المنغلقة فانه لايتعدى مقولة الانسداد ليس لان القرآن حكاية ثيولوجية خارج حدود الواقع بل لان الواقع محدود والمحدود لا يستوعب المطلق بطبيعة الحال.. وسواء قبل اصحاب المنهج التفنيدي او رفضوا فان نظريتهم التي تقول بان (الاعتقاد المفترض بوجود حقيقة خارج الواقع هو ليس تأكيداً على الاطلاق، لأن التأكيد الذي لا يمكن تفنيده لا يؤكد شيئاً وهو بلا معنى) هي نظرية غير واقعية وذلك لانهم يقيسون الحقائق بمعايير هي اصغر من الواقع او تساويه في حين ان الحقيقة اللاتفنيدية هي اعم من الواقع واكبر وهي خارج شؤون المعايير الواقعية.
والدليل على ذلك هو ان احد معتنقي هذه النظرية والذي يعد امام الملحدين في القرن العشرين البريطاني (انطوني فلو) استقر في النهاية على الاعتراف بالربوبية وهجر مقولة الالحاد وشعر بوجود الواقع الميتافيزيقي الذي يتسيد الواقع الطبيعي ولايخضع لمعاييره البشرية.
فالتأكيد الذي لايمكن تفنيده لايمكن تفنيده وهو يؤكد ثمة معاني متعالية لايستطيع الواقع بمعاييره المحدودة قياسها كظاهرة ذهنية قابلة للفهم من كل الاتجاهات نعم هي غير قابلة للجهل المطلق لان الجهل المطلق هو تعطيل والتعطيل باطل بحسب الفلسفة الاسلامية.
ما اريد قوله ان القرآن قابل للفهم والتفسير الا ان ذلك الفهم والتفسير بحدود الحاجة الذهنية للمستكشف وبقدر سعته الاستيعابية هذا من جهة ..ومن جهة اخرى ليس من باب العبث حاشا لله ان ينزل قرانا غير مفهوم بل لان القرآن هو كلامه والكلام صفة من صفاته اللامتناهية لذلك لايمكن استكناه صفاته واسماءه بالقدر الذي لايمكن استكناه ذاته جل جلاله.