تجليّات إيمانية (٥)........ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تجليّات إيمانية (٥)........

  نشر في 19 غشت 2021 .


《وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبراً 》.

الآية ٦٨من سورة الكهف

إن تلك الآية هي جزء من حديث جَمَع بين العبد الصالح (الخضر) الذي أرسله الله سبحانه وتعالى إلى نبيّه موسى عليه السلام من أجل أن يعلمه ويُوجّهه لأمور وخفايا لم يكن يعلمها من قبل .

لقد كان ذلك حرصاً من الله على نبيّه موسى الذي اصطفاه لنفسه وصنعه على عينيه في إطار من توجيه اللوم والتنبيه ، ولكن في سياق تعليمي وتوجيهي  .

إن سبب ذلك اللقاء الذي جَمَع بين الخضر وموسى عليه السلام عندما سُئل موسى عن مَن هو أعلم أهل الأرض ؟ ، فما كان جواب موسى إلا القول بأنه هو أعلم خلق الله على أرضه.

لقد أراد الله أن يعلم نبيّه أنه ما من إنسان خلقه الله إلا ولديه العلم والمعرفة والإدراك الذي حباه الله به ومنحه إياه ، وأنه بامتلاكه وحصوله على كل تلك النعم فإنه لا يملك العلم الكامل أو المعرفة الكلية،  فهناك من هو أعلم منه علماً وأوسع منه إدراكاً وأعم وأشمل منه معرفة ، وفوق كل ذي علم عليم .

لقد كان ذلك سبباً في اللقاء الذي جَمَع بين الخضر وموسى عليه السلام . أما عن الآية التي هي محور مقالنا هذا ، فقد أثارت العديد من اللغط الإشكاليات لدى البعض أثناء محاولة تأويلها وفهمها ، وذلك لأنهم اعتقدوا خطأً أن الخضر قد جزم بالقول عدم الاستطاعة على الصبر ، بل إدّعوا إنه أنكر وجود الصبر إذا لم يصاحبه ويلازمه المعرفة الكاملة التي تكفل ذلك . وبذلك يكونوا قد صنعوا لأنفسهم تبريراً من الضيق والتذمر والزجر الذي يخوّل لهم اليأس والإستيئاس من رحمة الله ، بجعلهم الصبر شريطة المعرفة.

الحقيقة أن الخضر لم يكن سؤاله استفهاماً استنكارياً ، بل الغرض والمقصد منه الترجّي وطلب الإمتثال .

إن الغاية التي كان يصبو إليها الخضر المُكلف من الله أن يجعل الصبر قائم على معرفة الجزاء للصابر عليه ، وليس قائماً على معرفة أسبابه .

ولنا في القرآن والسنة النبوية خير أدلة للإستناد إليها :

- عندما بدأ الخضر مع موسى رحلتهما وركبا السفينة معاً ، همّ إلى خرقها وإحداث عيباً بها،فإن لم يكن ركاب تلك السفينة من الصابرين الصامدين الذين يسعوا وراء رزقهم بالجدّ والجهد مستسلمين لقضاء الله وقدره عالمين علم اليقين بالجزاء الذي ينتظرهم جزاء ذلك الصبر ، لما قدّر الله لهم النجاة فيما بعد من يدّ الملك الذي كان يحصل على سفينة غصباً .

- عندما تجوّل الخضر مع موسى في أرجاء المدينة ووجد غلاماً ، فما كان منه إلا أن أوداه صريعاً ، فإن لم يكن أبواه من الصابرين المتضرعين إلي الله ويعلمون حق قدره لما جزاهم الله وأبدلهم خيراَ منه غلاماً غير عاق ، وذلك ليكون لهم السند والعون والمعين ، وذلك لأنهم توكّلوا على الله واتقوه حق تُقاته رغم عظيم مصيبتهم في ابنهم ، ورغم عدم علمهم بحقيقة وسبب مقتله .

- ثم بعد ذلك عندما وجد الخضر جداراً يكاد أن ينقضّ ، فما كان منه إلا أن أقامه وأعاد بنائه من جديد ، وذلك لأنه يوجد تحت هذا الجدار كنز لصغيرين تركه لهما أبويهما ، وكانوا لا يقويان على إقامته وحدهما ، فأرسل الله لهم الخضر لكي يحافظ على كنزهم من الضياع أو الإغتصاب ، حتى يبلغوا رشدهم ويستخرجوه بأنفسهم . فإذا لم يكن هؤلاء الغلامان من الصابرين المثابرين على ذلك البلاء ودعائهم بعدم افتضاح أمر  كنزهم ، لما حباهم الله بتلك الرحمة والمنحة الربّانية عن طريق عبده الصالح ( الخضر ) .

كانت تلك أمثلة من القرآن الكريم،  ولنا في السنة النبوية كذلك خير داعم ومعين :

- لقد أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي له تعرضها لمرض عضال ، كان ذلك المرض هو الصرع،  وقد طلبت من رسول الله أن يدعو لها بالشفاء ، إلا أن الرسول قال لها : إن صبرتِ لكِ الجنة ، فما كان من تلك المرأة إلا الإمتثال لقضاء الله وأمره ، رغم عدم علمها بأسباب ذلك المرض وأسباب تعرضها له ، ولكن صبرها عليه كان جزاءَ لها بالجنة ونعيمها .

- في بداية نشر الدعوة الإسلامية تعرّض المسلمون الذين جهروا بإسلامهم لأشدّ أنواع العذاب والظلم والقهر ، ولكن على رأس ذلك كانت هناك عائلة بأكملها نالت أشدّ أنواع التنكيل ، تلك العائلة هي عائلة آل ياسر ، قد وصل الأمر بمعذّبِيهم في نهاية المطاف إلى قتلهم جميعاً ، فما كان من رسول الله إلا القول : " صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة " .

لقد كانت تلك المقولة برداً وسلاماً على قلوبهم ، وكذلك التسليم والصبر على قضاء الله لمعرفتهم بحقيقة جزاءهم دون معرفتهم بحقيقة إختصاصهم  بذلك الكم من العذاب .

لذا يجدر القول أن الصبر إذا لازمه معرفة أسبابه فإنه لم يعد صبراً ، بل إنتظاراً لنتائج ترتبت عليه . أما الصبر الحقيقي فهو صبر لنَيل الجزاء دون الوقوف على أسباب حصوله.

《 ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين 》


بقلم /  دكتورة فاتن ناظر 



   نشر في 19 غشت 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا