ليست لدي أدني مشكلة مع من يركبون الموجة، فالكل يركبونها.. بل إنني متأكد تماما أنه لا نجاح لأحد أو فكرة أوقضيه بدون ركوب موجة ما، ولا يمتنع (يعجز) عن فعل ذلك إلا الفاشلون!

وللناس في ركوب الموجة مذاهب.. فالبعض يركبونها بأخلاقية، كالمصلحين الذين يستغلون وقوع جريمة أخلاقية ما ليحذروا من الرذيلة.. والبعض يركبونها بحماس، كالثائرين الذين يترقبون هزة اجتماعية أو اقتصادية لبدء ثورتهم.. والبعض يركبونها بذكاء، كالمسوقين الذين ينتهزون أي مناسبة للتسويق لسلعهم! .. لكننا - دونا عن سائر البشر - نركبها بلزوجة!

عندما ضرب الزلزال مصر عام 92 وخلف أضرارا جسيمة في الأرواح والممتلكات، وأضرارا أخطر في شرخ جدار الأمان الذي انعزل خلفه المصريون طويلا فلا يعرفون عن تلك الأشياء إلا السماع عنها من بعيد وهي تحدث للآخرين، وبينما كانت وسائل الإعلام كلها تتابع الحدث وتداعياته؛ تفتق ذهن أحد البرامج التليفزيونية عن استدعاء المطرب الشعبي القديم "محمد رشدي" من ذاكرة النسيان لمناقشة أغنيته الشهيرة "كعب الغزال"، والتي يقول في أحد مقاطعها "متبطل تمشي بحنيه ليقوم زلزال"!

وظهر المطرب العجوز على شاشة التليفزيون متصابيا نشيطا، ليتحدث عن الأغنية وملابساتها، ثم عن تجربته الشخصية مع الزلزال وعما كان يفعله وقت حدوثه!

ولا أدري إن كان هذا الظهور فكرة مُعِدِّ البرنامج أم كان مدفوعا من المطرب نفسه، إلا أن الرجل صار نجم العديد من البرامج والقنوات، وذاع صيت أغنيته مرة أخرى، حتى أنه بعدها بقليل أصدر ألبوما غنائيا شبابيا جديدا!

وفي نفس الحقبة برزت على الساحة المجتمعية قضية غريبة مختلقة بالكامل عرفت بـ"عبدة الشيطان"، حيث كان بعض شباب الطبقة العليا المولعون بالتقليد الأعمى للغرب يقيمون حفلات موسيقية صاخبة (Heavy Metal, Black Metal) مرتدين فيها ملابس غريبة وقصات شعر فجة، فتم القبض عليهم بتهمة "عبادة الشيطان"! وبالطبع صارت القضية حديث الساعة مجتمعيا وإعلاميا.

وهنا تلقفت البرامج التليفزيونية الهدية وقامت باستضافة العديد من الخبراء للحديث عن القضية، منهم قضاة ومحامين ورجال دين وخبراء نفسيين وغيرهم. لكن وسط هؤلاء مرت لقطة سريعة لأحد مقدمي البرامج وهو يسائل رجلا حليق الرأس أسمر البشرة عن الموسيقى الشيطانية المستخدمة في تلك الطقوس (الحفلات يعني)، فأجابه الرجل بابتسامة ثقة: "أنا مع إني فنان، لكن أذني لا تتحمل تلك الموسيقى!" لتصلنا الرسالة كاملة بأن "الرجل فنان"، وبعدها بقليل ذاع نجم الرجل كمطرب وموسيقي كبير وقام بتمثيل عدة أفلام سينمائية (هابطة جدا في الحقيقة) وأصبح إسم "طلعت زين" نار على علم!

ومؤخرا، ومع شيوع ظاهرة انتحار الشباب (الكارثية المؤلمة)، تلقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأمر بالكتابة والتحليل. لكن الأمر تجاوز هؤلاء إلى غيرهم من الأشخاص العاديين الذين وجد كل منهم في الكارثة فرصة لإثبات الإيمان أو رجاحة العقل أو إمكانياته ككاتب ومفكر كبير!

فتجد أحدهم ممن لا يتابع صفحته إلا (زميلته في السيكشن وخمسة آخرون) يكتب منشورا عميقا بعنوان: "رسالة إلى المهندس المنتحر"! ولا أدري حقيقة كيف يتوقع أن يصل منشوره إلى المهندس المنتحر؟ وهل هناك "فيس بوك" في القبر؟ لكن العنوان يوحي طبعا بفصاحة كاتبه وبحر علمه العميق!

وتجد آخر يكتب حول أن "الانتحار كفر وأن المسلم مطالب بكذا وكذا.."، ثم هو لا يصبر على نفسه إلى منشور آخر، فحين يعلق عليه أحد أصحابه، يبادله الرد، لينتهي بهم الحال (بعد تعليقين فقط) إلى الكثير من الـ "هئ هئ" مع ذكر بعض الأعضاء التناسلية، مصحوبة ببعض الكلمات المفتاحية الدارجة!

"لزوجة وغشم" هي الصفات المميزة لغالب ما يطالعنا الآن. حتى هذا المقال نفسه لا يكاد يخلو منهما بحال!