ظواهر غير اعتيادية بالعملية الانتخابية

هيام فؤاد ضمرة

الظاهرة التي بدت جلية على الواقع الانتخابي الأردني لعضوية مجلس النواب التاسع عشر، هذا الحشد الكبير من المرشحين ودخول الفئة التي تمتلك فكرا وثقافة ووعيا وانتماءاً لكنها لم تكن بالماضي تمتلك المال الكافي لتغطية تكلفة الحملة الباهظة المصروفات، عدا عن أن المرشح بات بالنسبة للمواطن تماما مثل البقرة الحلوب يمارس عليه الناخب كل فنونه لحلبه حتى آخر نقطة..

القادرين فنيا وعمليا وانتماءا تحركوا حين كورونا فتحت لهم آفاق العبور نحو التجربة بأقل كلفة ممكنة، حين التغت المظاهر الانتخابية المكلفة جدا التي لا يستطيع أي مواطن المغامرة بفقره أو إضاعة توفير عمره كونها مغامرة تنطوي على المخاطرة، بالخصوص في حضور المال الفاسد في شراء الأصوات بطرق احتيالية مختلفة تعجز ابليس نفسه

فيما أصحاب المبادئ الإيجابية الذين يعتقدون أن بوسعهم تقديم الأفكار والحلول لبعض القضايا التي تؤرق المواطن وتستنزف من جيبه ماله نتيجة التردي الاقتصادي وقصور الخزينة عن الأداء وابتداع أشكال لوسائل السطو على جيب المواطن، وهي بذلك تتعدى على نصيبه من حقوقه التي له وعلى الدولة أن توفرها،

والظاهرة الواضحة والمؤرقة هي وجود إقبال كبير على الترشح من كافة المستويات في حضور حالة استنكاف وتهديد بمقاطعة الانتخابات حيث لا يرونها المقاطعون بالشفافية الكافية ولا بالنوعية المناسبة من المرشحين ولا في أجواء قانون انتخاب يرضونه، وقد لاحظ الكثيرون أن فئة الحشو ملأت القوائم بأشخاص لا تبدو عليهم مظاهر القدرة على خوض التجربة وتحمل اتخاذ القرار، والمتسحبين عن دورهم الانتخابي الوطني هم أعداد لا يستهان بها من الناس، ولا يجب النظر إلى هذه الحالة بلا اهتمام فاستعادة ثقة الجمهور لا يتأتى بالسهولة التي يعتقدها المسؤول، ولهذا هناك متطلب هام لاقناع المواطنين بكف يد المتلاعبين.

تم تحديد اليوم العاشر من تشرين الثاني موعدا لإجراء الانتخابات من قبل محلس مفوضي الهيئة الانتخابية وسط ظرف استثنائي تعيشه المملكة والعالم أجمع مع انتشار الفيروس كوفيد 19 الذي اشتد أواره وامتد انتشاره بالفترة الأخيرة وبات الفيروس مهددا وقريبا من كل شخص، والهيئة تعتقد أنها قادرة على ضبط الانتخابات بهذه الظروف والحفاظ على التباعد ووسائل السلامة داخل المقرات الانتخابية.

ويرى المحللون أن قوة البرنامج الانتخابي للمرشحين تكمن بقدرتهم على استحداث وسائل وآليات جديدة ومؤثرة لتوصيل رسائلهم إلى قواعدهم الشعبية، وهذا ما يميز هذه الانتخابات عن غيرها، أنها ستحدث علامة فارقة بتغير منهج العملية الانتخابية مستقبلاً، فلكل حدث مهما كان مأساوياً له جانبان مهمان هما الجانب السلبي بوجود الفيروس والجانب الايجابي بابتداع المرشحين لوسائلهم الجديدة، خاصة مع حالة التشديد واخراج تعليمات تنفيذية تحرم بعض المزاولات وتسمح بأخرى كمنع الولائم والتجمع الضخم ونصب الصواوين الفاخرة، مما خفض الكلفة الباهظة التي كانت تصاحب العملية الانتخابية، وتحرك المال الفاسد في الخفايا، ولأن من الصعب مراقبة الخفايا وتحديد حالتها فإن العملية مرتبطة بوعي الجمهور وأمانة المرشح

من المؤكد أن الهيئة المستقلة للانتخاب ستقوم ببمارسة دورها الرئيسي في الرقابة وإدارة العمليات وفرز الأصوات مستخدمة كافة وسائلها وتعليماتها في سبيل الحد من المخالفات والانتهاكات القانونية وايقاف الممارسات التي صارت ظاهرة مرتبطة بالانتخابات والتي من شأنها أن تحمل المرشح مصروفات باهظة في سبيل كسب الأصوات

كثيرون لا يرون كل هذا كافيا فطبيعة الناس من الصعب أن تكتفي بالمتوفىر والموجود وأن هناك أمور احتيالية يرتكبها المرشحين تجعلهم في حالة تهرب وتحول دون كشف أحاييلهم،

ومع سماح الهيئة الانتخابية باقامة المقرات الانتخابية تحت شروط صحية وملزمة كتوفر المعقمات ولبس الكمامات، واستخدام ضيافة القهوة العربية فقط في فناجين ورقية وعبوات ماء شرب لشخص واحد وتحقيق التباعد، فيستطيع حينها المرشح عرض برنامجه الانتخابي بأريحية ويتواصل مع مرشحة بدون غايات ويحاوره للوصول معه إلى اتفاقية هي بمثابة العهد الذي يربط بين المتعاهدين على العمل للصالح العام والاهتمام بالقضايا المهمة، إذن ما منع فقط هو اقامة المهرجانات الانتخابية الاستعراضية وتحرك المرشح وسط غابة العزوة والفئة الداعمة من العشيرة والجماعات وما يجري خلالها من تسويق ضخم يصاحبه استعراض للنغنغة.

ولسنا نتوقع ماذا ستفرز العملية الانتخابية لهذا العام المختلف بكل مقاييسه التقليدية من مشاكل تضع العملية الانتخابية موقع النقد أو تقديم الطعون بعد انتهائها.. لكننا نأمل أن يعكس المواطن الأردني كياسته الانتخابية رغم كل الظروف التي تحاصره وتجعله غير متأكد من التزام الآخرين وقد انقلب اهتمامهم من التكسب المادي إلى مناورة المرشح حول جديته في برنامجه الانتخابي