وحدها الليالي تتتابع بلا هواده و أنا الواقف في مكاني بلا حراك، كأني شبح لا وجود له ولا أحد يعترف بوجوده.

قضيت عمري جالساً على الرصيف أنتظر أن تمر السعادة بجانبي،ولكني قد أكون مخطئا عندما انتظرتها؛كان من المفترض أن أبحث عنها وأجد في السعي؛ فهي لا تبحث عن أحد.

ترنحت خطواتي عقب زواج حبيبتي وهجرتها برفقة زوجها إلى الخارج، لم أعد أتطلع للغد فلقد سئمت الحياة ولم أجد بُدا من البحث عنها في مكان آخر.

تجاهلت كل النصائح من الأهل والأصدقاء واخترت أن أعيش على ذكراها، لا تفارق صورتها مخيلتي تصاحبني ابتسامتها وتسكن قلبي إلا أن ودموعها يوم وداعنا كانت تؤرق مضجعي وقتها.

أجبرها أبوها على الزواج من هذا الثري الذي لا يُناسبها ولا يعرف روحها الشفافة،تُرى هل سيتفهم عصبيتها و يُقدر حزنها الشديد إذا ما مات عصفور صغير في الحديقة؟

هل سيحضر لها ألواح الشكولاته التي تعشقها؟

أم سيجعل منها خادمة تكنس وتمسح وتحيك الثياب، غريبة هي الأيام اختارت أن تبعدنا عن بعضنا وتجعلنا نتجرع مرارة الفراق. 

تركت العمل في مشفى البلدة وانتقلت للعيش بالمدينة حيث الإزدحام والضوضاء لكن المدينة بصخبها لم تنجح في محوها من قلبي، فلقد صرت أبحث عن وجهها بين الجميع.

مرت الأيام و لم أحاول أن أفتح قلبي لأخرى.... إلى أن جاءت الساكنة الجديدة في الشقة المقابلة لشقتي وطرقت بابي في منتصف الليل، متسائله عما إذا كنت أملك سيارة لأُقل والدتها للمشفى لأنها قد كُسرت ساقها نتيجة لإنزلاقها في الحمام.

وضعت معطفي وحاولنا حمل أمها للسيارة كانت الأولى تتألم بشدة والثانية تبكي بلا توقف.

هدأت من روعها و شرحت لها أنني وإن كنت متخصصاً في الأمراض الصدرية إلا أنني أكاد أجزم أن الكسر لا يدعو للقلق.

شكرت والدتها صنيعي واعتبرتني بطلها الخارق، الذي أمطرت عليه لاحقاً ألذ الأطباق تعبيراً عن إمتنانها.

كنت أشعر بالخجل منها وأطالبها أن تتوقف ولكنها كانت تُصر وبشدة أن اتناول طعامها بل تحثني أن اقترح عليها ما تقوم بإعداده؛ حتى لا تصنع طبقا لربما تعافه نفسي ولكني أخبرتها أن سنوات الدراسة الطويلة وسكني بمقر الإقامة قد جعل مني مُمتنا لأي طعام.

تجاذبت أنا و ابنتها أطراف الحديث، تعجبت من ذكاءها الحاد وشغفها المتنامي بالأبحاث  التكنولوجية الحديثة.

ذُهلت عندما عرفت أنها ومع صغر سنها تُشرف على مشروع ضخم لإحدى شركات الاتصالات لهذا انتقلت للعيش في المدينة برفقة والدتها. 

مع هذا ومع تعلقي بها ومتابعتي لها و انتظاري لعودتها من العمل ،لم استطع تجاوز ذكرى حبيبتي الأولى؛ وذلك للتباين الواضح بينهما فالأولى شاعرة تتذوق الكلمات و المعاني والثانية عالمة تصمم الدوائر الإلكترونية وتوفقها و تجعل العالم أصغر بتلك التطبيقات التي تطورها.

يوم أن جاءني اتصال هاتفي من حبيبتي السابقة تخبرني أنها عادت بعد طلاقها من زوجها للبلاد وأنها ظلت طوال ثلاثة أشهر كاملة تبحث عن رقم هاتفي وعنواني الجديد وقتها لُمت قلبي الذي لم يستشعر عودتها للوطن.

قابلتها و عادت لنفسي الروح بعد أن فارقتها لمدة ثلاثة أعوام، ولكن كان هناك شعور غريب استجد على ظل يشغل خاطري وهو تعلقي بتلك الجارة الذكية.

ومن هنا قررت أن أبحث عن سعادتي ولا أدعها تُفارقني مرة أخرى، تزوجت من محبوبتي الأولى و كذاالثانية حتى لا أقع في حيرة من أمري وحتى لا يتمزق قلبي بين الاثنين ويتوه في الطرقات.

والآن وقد جمعت بين الرقة والذكاء و أصبح لدي سبعة أبناء يخرجوني عن شعوري  وافقد السيطرة على أعصابي كلما عدت للمنزل الكبير لاحصل على قسط من الراحة.

وتخلت الشاعرة عن المعاني المؤثرة والكلمات العذبة والتغزل في شعري المنساب على جبهتي والذي فارقني منذ فترة نتيجة لضغوط الحياة أو لأكون دقيقا لعامل الوراثه،اما الباحثة الفذة فلقد تخلت عن التكنولوجيا وتطوير آليات الاتصالات الحديثة واكتفت بأن تُرضع الصغار و أصبح شغلها الشاغل أن تتفوق على زوجتي الأولى في إعداد المحشي والملوخية وبت بين زوجتين تقليديتين من الطراز الأول فلقد ذهبت الرقة والعذوبة من الشاعرة إلى غير رجعة وهاجر الذكاء من العالمة إلي موطنه الأصلي في الا لا لاند و العجب أنهما أصبحتا تشبهان بعضهما البعض وتتفقان في الآراء وتدعمان بعضهما بشده.

أصبحت أنا وبكل بساطة الدخيل الذي يأتي آخر الليل ليطلب الطعام بعدما انهكه العمل بالمشفى صباحا وفي العيادة الخاصة بعد الظهر ليوفر الأموال اللازمة لينفق على هذا الجيش وكلتا المرأتان.

 لم أعد  أجد غير الطريق، أحمل قدح القهوه خاصتي وأظل أعنف نفسي بكل قسوة لأني أخترت أن أبحث عن السعادة وأتأسف على تلك الأيام الماضية التى كنت فيها جريح القلب مرتاح البال.

دمتم بكل ود 🌹.