وداعاً - شعر مسرحي (من مشهد واحد) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وداعاً - شعر مسرحي (من مشهد واحد)

تراجيديا الموت

  نشر في 07 يونيو 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

(وقفت الأم عند رأسه وقالت لهم في صوتٍ تقطعه رعشة في نبرتها تحاول السيطرة عليها)

الأم:

قد مات أبوكم أولادي .. قد فتَّ الموتُ بأضلاعي
والمــوت يمـــرُّ على الكلِّ .. فيليــنُ المرءُ وينصاعِ
ويـــردُّ الـــروحَ ويُســلِمُها ...  ويبيــعُ البيــــعَ لمبتـــاعِ
ويخـــــرجُ منهــا فـي أدبٍ ...  ولا يخــــــرج بأمتــــاعِ
فهاكـــم مــــوتُ سيـــــدكم ... وعظــة الحـــقِّ لأشياعِ

(كانت الدموع الحارة تملئ موق عينيه، فصارت كالبرك الوافرة يفيضُ ماؤها من كل جانب)

 الابن الأكبر:

قد ذقتَ الموتَ يا أبتي.. بالكأسِ شرابَ الإشباعِ
والقــــدرُ عليـــك لــم يدُرِ .... فمـــــن فقــــــــــرٍ لإدقاعِ
لم تنـــــــلِ العزَّ ولم تكنِ ... لثراء الحـــــــــــالِ بتبَّاعِ
قد ذقت المــــــرَّ يا أبتي ... مثنــــى وثـــلاث ورباعِ
وجرعت الكأسَ للموتِ .... كمـــــــــا للفقـــــــــرِ أرباعِ
ورقصُ الموتِ بالموتى ... بلا ضـــــــــــــــربٍ وإيقاعِ

(كانت الابنة جالسة إلى جوار أمها من ناحية اليمين إلى ذراع أبيها، وتضع يدها عليه وتمسح على صدره، وقد شقَّت الدموع أخاديد بوجهها حتى ابتلَّ قميصها عند نحرها من كثرة البكاء)


الابنة -بصوت متحشرج يكاد يخرج-:

لا تذهب، ترحل يا أبتي ..فالموت يحول بجماعِ
لو كان هنــــــــــــــــاك ترياقاً ... للمـــــوتِ يـــؤدِ لنجاعِ
لسحــــتُ الأرض أطلبه ... في الحال طلبَ ملتاعِ
فالموتُ شديدٌ يا أبتي ... علــــى الأحياء بإجماعِ!

بدرت الأمُّ تقول شادةً أُزر أبنائها:

كفاكم دمعُ أعينكم ... فعين القلب تحترقُ
فما الموتُ يزيدُ على ... سهمٌ فينا مخترقُ
لموتِـــــــهمُ بنـــــــــــــا أثرٌ ... لهــــم بقلوبنا شوقُ
فصبراً على فرقِــهمُ ... ما كان لنــا بذا فَرقُ
وهل جزوعاً بموتهمُ ... يمــوتُ لفردٍ الفِرَقُ!
وهل للموت يملكنا ... إهاب الموتِ والعرقُ
فتلك العظة يأخذها ... ذوو قلبٍ به خفقُ

(يدخل عمهم عليهم الغرفة)

العم:

كيـــف تكـــــــونُ أحوالُ ... زوجُ أخي ومن لحِقوا؟
أحالُ القومِ في خيرٍ؟ ...

الأم:                             

                                   ... سلمتَ، فما بنا قلقُ

(كان الابن الأصغر ذو الست سنوات جالساً إلى جانب أمه يقلب يده في أبيه يحاول أن يفهم الذي يحدث)

الابن الأصغر لعمِّه:

أعمِّ، هــل رأيـتَ أبي ... ينامُ ولا يدري لنا!
وأدنو منــــه أوقظه ... فيلسعُ بردُ به حُمى
وأضربه فلا ينفض ... يردُ الضرب إليَّ كما
اعتـــاد أن يصارعني ... ويرمينــي بما رمى
وأهمــس له في أذنٍ ... فـإنْ يسمع؛ ما كلَّما
أفــلا يصحو،أعمِّ، كما ... تعــــودنا نراه قامَ
فإنــي أريـــــدُ إسراره ... بأشيـــــاءٍ تجــــــدُّ لنا
أعمِّ، سكتَّ لم تنطقْ ..منذ دخلت علينا، لِمَ؟!

(تتزايد الأم في بكائها مع كلمات ابنها الصغير، وكتمت أنفاسها مخافة أن يتداعى تماسكها الظاهر تحت آهات النحيب؛ إذا هي تركت نفسها)

العم:

لا تحزن منه، ابنَ أخي.. فإنَّ به مرضٌ غمى
فيسمعُ منك إخباركَ ... عليك يجيبُ حالما
يأتي الطبيبُ فينظرُ ... بأمـــــــــرِ دواءٍ مُعلَّماً
ويأخذه لديــه مقيماً ... لبضعِ شهــــورٍ وقلما
يسافر عنَّا على بُعدٍ ... بلــداً غريبـــــــاً أعجماً
ثم يعودُ وقد شفي ... وعليه أُزرُ السِلم فما
وطئ بأرضٍ أحدُ أو ..رؤيَ كمثله تحت سما

الابن الأصغر:

آه، ومتي يكون العودُ متى؟ ...

العم:

                              .. لبضعِ شهورٍ ويأتي هنا

(تتدخل الأم وتقطع الحديث، فيلتفت لها العم من فوره)

الأم:

كفـــــاك بُنـــــــــــــــيَّ إزعاجاً ... فعمُّك جاء للتوِّ
ومن يرجو الكمال يــ ... ــكنْ في أمرِه متروٍّ

ثم التفتت إلى العم وقالت:

سهلاً وطأت فلا يفري ... فيك العدو أو يبري
وجزاك أن تكون هنا ... بالخير أنهاراً تسري

العم:

                                   ...   لأنتم منا كالأهلي
ولا تحزنــــــكمُ السننُ ... فــــــلا تبــــديـلَ بالغيرِ
وكـــــل أمـــــورنا شكٌّ ... سوى ذاك الذي يجري
فـــــذات الله لـــــم تكنِ ... محلَّ وفاقٍ أو حصرِ
وأهل الحجى لم يفِقوا.. على الأشياء بالفكرِ
ونفســــي لا أصدقـــها ... وأحسبها لمن غيري
ويُبـــــــــدي الشرُّ هيئته ... بخيـــــــرٍ وهو بالشرِّ
وفي الأســـــواقِ ألوانٌ ... وأوزانٌ بهـــا نشري
وندفع للذي قد طاش ... بكفتـــــه على عشرِ
فــــتلك الـــدنيا نعرفها ... ولم تسبــــــــرْ لنا بئرِ

الأم:

صدقت القولَ فالدنيا ... تدور رحاها بالأمرِ
فلا استقــــرار نعرفه ... ولا قِـــــــرار في العمرِ
وفقد حبيبٌ يعقبه .. جزوع النفس عن صبرِ
فحبُّه كان في شأني ... كسقيا الخمر للسكرِ
سقاني الراحَ بالكفِ ... فأين الكفُّ يا قدري!
وقلبي له في شوقٍ ... فلا انقضى به وطري
فبعدَه ليس لنا كفٌّ ... ولا في الدنيا من خمرِ

العم:

فذاك الحق في الدنيا ... وما للغيبِ من غدرِ
قلوب العاشقين تكن ... لرُوحـــــيْن بـــــــلا مكرِ
وفيها ترعى جنتُـــهم ... مخلَّــــــدةً بــــــلا قَصرِ
فحياة من يحيى بها.. وحياة صاحب الصدرِ
يحيا بها وإن قصروا ... حتـــــى يُضمَّــــــــا للقبرِ
فإنْ مات أحدٌ؛ يمُتْ ... له الآخرُ، ومن يدري؟!

الكاتب:

فتلك القصة قصتهم ... وما للموت من عِبَرِ
وإن أكتـــــــب بلا مللٍ ... فلا يكفي لذا حبري

(انتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى) 

 كتبه: طارق عوف



   نشر في 07 يونيو 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا