عندما قرّر عدد كبير من شبّان مخيمات اللجوء في لبنان السفر الى حيث الطموح والأمل، الى حيث الحلم المنتظر، لم يكن احداً منهم يعلم ان الأحلام ستسقط جميعها في قاع البحار، وان المنتظر هو الموت..
"يَمّا حضريلي الشنطة، السمسار حكالي السفر اليوم"، بهذه الكلمات بدأت التحضيرات، الأم تذهب لشراء كل الاحتياجات الخاصة واللازمة للسفر، تبدأ بالتجهيز وفي قلبها غصّة وحسرة على فراق فلذة كبدها، وما يخفف عنها ويصبّرها ويُسكت دمعتها هو صوت ابنها قائلاً "يَمّا بدي اشتغل، بدّي أعيش مثل باقي الناس، بدي أعمّر بيت، بدي أتزوج"، تبتسم ترفع يديها الى السماء قائلة "روح قلبي وربي معاك، روح الله يوفقك يَمّا"..
ابتدأت الحكاية، ايامٍ مضت على الخروج من لبنان، الأهل ما زالوا في الانتظار، ينتظرون يتأمّلون يدعون ليسهّل الله لهم المشوار، محاولين الاتصال للإطمئنان واذا بصوتٍ مزعجٍ يخرق صمت هدوء الانتظار"عذراً لقد فُقِد الاتصال"، ليبدأ بعدها الغليان والنار، "غرقت القوارب في البحار"، وغرق معها كل الأحلام، لمستقبل وعيش كريم دون آلام..
القصّة مُحزنة، ومضمونها جريمة يرتكبّها تجّار البشر مستغلين وضع شبابنا في المخيمات، الوضع المُزري، الوضع المُبكي لاوضاعهم فقدان أدنى متطلبات الحياة، الأمن والاستقرار الخدمات على كافة أنواعها، كلّها كانت كافية لتجعل شبابنا أهدافاً لتجّار أرادوا لشبابنا أن يكونوا طُعماً تأكله الأسماك هناك في أعماق البحار، من دون حسيب رقيب او حتى صاحب قرار يوفقهم عن الاستهتار بأرواح شبابنا وأهلنا في الشتات..
الى متى سنبقى تحت رحمة هؤلاء التجاّر، الى متى سنبقى نعيش في مخيمات الشتات تحت الحصار والنار، الى متى سنبقى طُعماً للأسماك في البحار !!!
-
محمود فهد | Mahmoud Fahdفلسطيني، أعشق فلسطين، أكتب عنها وأؤمن بمقولة وطن"يعيش فينا ولا نعيش فيه"، مشرّد لاجئ في دول العالم، حلمي فلسطين، وطني فلسطين